أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


مطالب الحراك الشعبي غير منطقية وتدل الى ضياع في الرؤية- نسيم بو سمرا

– مطلبا تشكيل حكومة اختصاصيين واجراء انتخابات مبكرة ترسّخ الازمة ولا تحلها

***

ما يحصل حاليا في الشارع وعلى الرغم من وصفه بالثورة، الا انه أقل من ذلك بكثير، هو حراك شعبي، بدأ غير منظم وعفوي وبمطالب محقة غير متوفرة لنا كشعب، لتتحول لاحقا بعد ثلاثة أيام الى حراك منظم، حلّت فيه المطالب السياسية والكيدية وتصفية الحسابات، فبدأت باحتجاجات تطالب بالكرامة وتوفير مقومات الصمود الحياتية، من مأكل ومشرب وطبابة وتعليم، لتنتهي الى تحميل فريق واحد سبب كل الازمات الاقتصادية والسياسية في البلاد، وهو الفريق الذي يتحمل أقل نسبة من المسؤولية، لأنه يشارك فعليا بالسلطة منذ 3 سنوات فقط، فيما السرقات والهدر والفساد بدأ منذ 30 عاما على الاقل، وجاء الرئيس العماد ميشال عون، منذ الـ 2005، طارحا مشروع التغيير والاصلاح، وشنّت عليه الحروب من الفاسدين لإفشال مشروعه هذا الذي يضع المدماك الاول في بناء الدولة.

فمن غير المفهوم على سبيل المثال، بعض مطالبات الحراك الشعبي، وكأن لبنان هو سويسرا او فرنسا، لدرجة ان أحد قياديي الحراك واصف حركة، يطالب باستقالة الحكومة وتأليف حكومة اختصاصيين، فبالمبدأ لا يمكن ان يجادل أحد بهذا المنطق، وإن كان تكتل لبنان القوي لا يأتي بوزراء بعيدين عن المهنية والاختصاص، فوزيرة الطاقة تعمل في احتصاصها كما ان وزير العدل هو قاض، ووزير المهجرين مهجراً…الخ، ولكن الى ماذا يرمي هذا الاقتراح؟ الهدف استبعاد الاحزاب من الحكومة، أي ان لا يكون الوزراء منتمين الى احزاب سياسية، في حين ان نظامنا البرلماني وبصورته الحالية، يفرض ان تكون الحكومة مدعومة من الاحزاب، والا لن تنال الثقة في مجلس النواب، الذي نذكّر انه تشكل من كتل نيابية تابعة لأحزاب، إذا هي فكرة سقطت قبل ان تولد.

اما مطلب اجراء انتخابات نيابية مبكرة، فايضا هو ساقط لانه يتعارض مع مبدأ الاستقرار السياسي والتشريعي، فالمجلس الحالي عمره لم يتجاوز السنة والنصف، وحققت الانتخابات هذه للمرة الاولى، تمثيلا شعبيا هو الافضل في تاريخ لبنان، فالانتخابات لا تحصل مزاجيا، أي حين يشعر البعض ان موقعهم الشعبي تحسّن، يلجأون الى فرض انتخابات، قبل انتهاء مدة ولاية المجلس الحالي، فضلا عن ان مطلب اجراء انتخابات وفق قانون يقوم على لبنان دائرة واحدة مع صوتين تفضيليين، غير عادل ولا يوافق عليه جميع اللبنانيين، وهو يعيدنا الى أجواء البوسطات والمحادل التي كانت سائدة خلال تطبيق قانون الستين. فهل يريد البعض العودة الى مرحلة، من التخلف السياسي الذي أنتج طبقة سياسية اوصلت لبنان الى الحضيض؟ وكذلك تغيير قانون الانتخاب في كل دورة بدل تحسينه من دورة الى اخرى لا يؤدي الى استقرار في الحياة السياسية بل يخلق التوترات بين اللبنانيين، في وقت حقق فيه القانون النسبي الجديد، التمثيل الافضل، وأخذ سنوات من الاخذ والرد ولم يقر بسهولة.

إنّ كثرة مطالب المتظاهرين، يغيّب المطلب الاهم، وهو موضوع النازحين السوريين، الغائب الاكبر عن ساحات التظاهر، في وقت يشكل هذا الوجود الكثيف للنازحين البالغ مليوني نازح سوري ، أساس أزمتنا الاقتصادية، بسبب استتنزافه لطاقاتنا من كهرباء وماء وضغطه على البنى التحتية ، فضلا عن مخاطره الأمنية وضرب منظومتنا الاقتصادية من خلال تهريب الدولار بشكل كبير الى الخارج، ما دفع مصرف لبنان الى اخذ اجراءات تحد من الطلب على الدولار وتشجع التعامل بالعملة الوطنية، فيما حل مشكلة الدولار على المدى الطويل، يحتاج الى إحداث توازن في الميزان التجاري للبنان، برفع التصدير وخفض الاستيراد.

في المحصلة، الأفق مسدود أمام الحراك الشعبي الحاصل حالياً، وبخاصة انه يعمّم الفساد على الجميع، ولا يفرّق بين الاصلاحي الذي يتصدى للفاسدين ويقوم بحراك اشتراعي على مستوى مجلس النواب  واللجان النيابية، ليوقف الفساد والهدر، وبين الفاسد الذي أسس هذا النظام الاقتصادي الريعي واستفاد منه لتحقيق الاثراء غير المشروع، طوال ثلاثة عقود من الزمن.

غير ان فشل الحراك اليوم، سيؤدي الى احباط اكبر لدى الشباب الذي يحتج في الساحات، والذي تأخر عن تلبية نداء الرئيس العماد ميشال عون، لينخرط في عملية الإنقاذ، فكان شباب التيار الوطني الحر يرفعون الصوت لوحدهم ، ويدفعون الثمن نيابة عن كل الشعب اللبناني الصامت، بقمع السلطة لتظاهراتهم؛ فالاحباط اليوم سيكون اكبر مما كان يختزنه المحتجون من تمرد على وضعهم المعيشي، ما قبل الاحتجاجات، في حين ان اقفال الطرقات لا يدخل ضمن الحراك الشعبي، لأنها مجرد وسيلة ضغط تستخدمها القوات اللبنانية والكتائب والحزب الاشتراكي وبعض الفعاليات الطرابلسية في الشمال، للضغط على الحكومة لتحسين شروط التفاوض لديها، اما فعليا فالمتضرر الاكبر هو الشعب المحاصر في مناطقه ومنازله، ويشعر بالقلق من عودة هذه المظاهر الميليشياوية والتي لم يفكر يوما انها ستعود ليشهد على مآسيها مجددا، فيما الحراك الشعبي تحوّل للأسف من احتجاجات شعبية ضد فرض الضرائب وضد الفساد، الى أداة بيد مافيا الفساد، من رجال أعمال وزعماء سياسيين وشركات كبرى وقنوات تلفزيونية محلية ودولية، وسفارات داعمة وممولة، يديرون الحراك لأهداف سياسية، تستهدف العهد، لضرب كل انجازاته التي حققها حتى اليوم من أمنية وسياسية واجتماعية، ولتأخير الحلول  الاقتصادية التي يعمل عليها وفق خطة ماكينزي، وبذلك، يفشلون الحرب على الفساد، ويقطعون أمل اللبنانيين بأي تغيير واصلاح، فتنهار بالنتيجة الدولة ليعودوا هم ويقتسمون الشعب ويقسمون الارض الى مناطق سيطرة ونفوذ لميليشياتهم العسكرية وعصاباتهم الاجرامية.