أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


لماذا تمرّد لوسيفورس..؟؟ (المكرّمة ماريا داغريدا)

– تهيئة مريم في السماء.. ووعد الله بانتصارها على إبليس.. 

* *
إنتظار مريم في السماء

(مِن كتاب المكرّمة “ماريا داغريدا” “مدينة الله السريّة” أو “الحياة الإلهية لمريم العذراء الفائقة القداسة” الذي كتبته بطلب العذراء نفسها بعد أن زوّدتها بأسرارٍ ورسائلٍ ورؤًى وانخطافاتٍ كشفت فيها مريم عَن حياتها وحياة إبنها على الأرض وفي السماء).

عندما رأى الربّ أنّه قد آن الأوان لتنفيذ تصميمه حول تفاعلاته الخارجيّة، خلق أوّلاً -كما قال موسى – السّماء مسكن المختارين الأبدي والأرض مسكن البشر العابر. وفي داخل الأرض خلق الجحيم مع نارها الماديّة لعقاب الهالكين.

كانت الأرض خاوية ولكنّ السماء لم تكن كذلك، لأنّ الملائكة خُلقوا على الفور معها.

وقد تكلّلوا بالنعمة منذ أوّل لحظة من وجودهم ولكن ليس بالمشاهدة الإلهيّة التي لم يكن باستطاعتهم أن يتمتّعوا بها إلاّ بعد أن يستحقّوا بأمانتهم بالتجربة.

خضعوا حالاً لهذه التجربة ذات الدرجات الثلاث. أوّلاً وفي نفس الوقت الذي عرفوا فيه ذات الله وكمالاته غير المتناهية وحقوقه الربّانية على خلائقه، ونعيم السماء، وعذابات جهنّم، تلقّوا أمر عِبادته. فأطاعوا بسرعة ومحبّة باستثناء لوسيفورس المُتعجرف بسبب امتيازه فإنّه لم يُتمّم هذا الواجب إلاّ بأسفٍ مدفوعًا بفعل العقل أكثر منه بفعل المحبّة. وعدم تنزّهه هذا هيّأه للثورة.

فاندلعت هذه الثورة عندما أعلن الله بعدئذٍ للملائكة الاتّحاد المُحوَّل للكلمة بالطبيعة الإنسانيّة، وواجب عبادتهم للإله الإنسان. فاستشاط “لوسيفورس” غيظًا وهو المتكبّر والحسود لأنّه كان يريد لنفسه هذا الاتّحاد الرفيع فرفض مُجدِّفًا تأدية واجب العبادة “لإلهٍ متأنّسٍ” أو “لإنسان متألِّهٍ” مُتذرعًا بحجّة أنّ الطبيعة الملائكية هي أرفع وأسمى من الطبيعة الإنسانية. وقد جرّ وراءه زُمرةً من الملائكة خَدعهم بسَراب الاستقلال بينما الآخرون، وهم الأكثريّة، هلّلوا بحماس لابن الله الصائر إنسانًا.

وفي درجة ثالثة أمر الله الملائكة أن يعترفوا بالمرأة، التي سيتمّ بواسطتها تجسُّد الكلمة، ملكةً عليهم، وهي بفعل هذا الامتياز وَجَب أن تترفّع بصِفاتها وأمجادها فوقَ جميع المخلوقات. فأراهم إيّاها بطريقةٍ خياليّةٍ، كما وصفها الرسول القدّيس يوحنا في الفصل الثاني عشر من سِفر الرؤيا:

مُتّشحة بالشمس، أي بالله، شمس العدالة الحقيقية، وتحت رجليها الظافرتين، القمر، أي ظلال الخطيئة يُرمَز إليها بكوكب الليل. وكانت مكلّلة باثنتي عشرة نجمة تُمثّل فضائلها. والمُختارين الذين ستكون مثالاً وسندًا لهم. وتلِدُ أخيرًا للعالم طفلاً إلهيًّا ذبيحةُ فدائه المستقبلية تجعلُها تُرسل صراخات أليمة.

سبَّبت هذه الرؤيا السّرية صراعًا كبيرًا بين الملائكة. فقام لوسيفورس وأتباعه ضدّ هذه المرأة التي أُنعم عليها إلى هذه الدرجة، وضدّ رفعتها. “فطلبُ سجودنا لها هو غير عادل، قال رئيس الثوّار، وهذا مُهين لعظمتي”.

وبينما هو في أعلى درجات الادّعاء والغضب الفاقد الصّواب قال لله بمُنتهى الوقاحة:

سأقلب مقاصدك وسأحرم هذ المرأة من الشرف الذي تُعدّه لها.

حسنًا ! أجاب الله إن هذه المرأة التي لا تريد أن تكرّمها سوف تنتصر عليك وتسحق رأسك.

ولكنّ الملاك ميخائيل، رئيس الملائكة الأخيار، أبدى إشارة الخضوع المتواضع والودود لأوامر الخالق. “من مثلُ الله؟
وصاح قائلاً:

من بإمكانه التشبّه به، هو غير المتناهي في عمله وقدرته وصلاحه؟ أليس هو سيّد عطاياه؟ فمَن من حقّه أن يعترض على توزيعها؟ فلنعبُد إذًا، لأنّه أراد، الإنسان المتجسّد بالكلمة، ولنكرّم المرأة الطوباويّة التي يجب أن يتمَّ فيها هذا السرّ. فلنعترف بها سيّدة لنا من كلّ قلوبنا.

وانضمَّ إلى الملاك ميخائيل ثِلثا الملائكة يُحاربون ضدَ الثلث الآخر بأسلحة العقل والاحترام ومحبّة الله.

أمّا الملائكة الأشرار فعِوض أن يعودوا إلى صَوابهم الحقيقيّ ويُرجعوا لله حقوقَه بتوبةٍ نافعةٍ للخلاص تصلّبوا بالتجاديف وثورة كبريائهم الجُموح يُحرّضهم دومًا رئيسهم الغادر.

وعبثًا شدَّد القدّيس ميخائيل على ضرورة الطاعة. صاح كلٌّ منهم: كلاّ لن أخضع أبدًا.

وكانت هذه آخر كلمة تلفّظوا بها بحرّيتهم الفاسدة وغير القابلة الإصلاح. ونالهم العقاب حالاً وكان ذلك في بدء اليوم الثاني للخليقة.

فانقلب لوسيفورس الذي تعجرف تعجرُفًا أثيمًا بجماله، إلى تنّينٍ قبيح المَنظر بِسبعة رؤوسٍ، صُورًا لأتباعه، وعليها سبعة تيجان تمثّل الخطايا الرئيسة وعشرة قرون صورةً لقِوى الإضطراب.

رمى به الملاك ميخائيل، أداة العدل والقوّة الإلهيّة، إلى الجحيم مع أسمائه الجديدة التّنين، والثعبان، والشيطان وإبليس، التي كان قد لقّبه بها رئيس الملائكة أثناء تلك الحرب المأثورة. وقد تبعته جحافلُ الأبالسة الآخرين وخُصِّصت أماكنُهم في السماء للمؤمنين الصالحين.

وفي ذات الوقت الذي كان فيه هؤلاء، الهالكون الأُوَل يسقطون في أجيج النار المنتقمة، أظهر الله ذاته بوضوح للملائكة الظافرين وأدخلهم في سعادة ومجد الرؤيا الطوباوية وبانتصارهم الأبديّ. ودوّى صوت جهيرٌ في البَلاط السماويّ يقول: “الآن توطّد مُلك الله ومسيحه”.

وراحت أصداء هذه الهتافات، تُذعر المنفيّين إلى الجحيم. وبعدئذٍ كشف الله بأنوار ساطعة، للملائكة المفتونين عجبًا، عن أسرار التجسّد والفداء وعن مصير العذراء القدّيسة الفريد وعن رسالتهم تُجاه البشر وبخاصّة تجاه الكلمة المُتجسّد وأمّه الجليلة، وهذا ما جعله يشعر بارتياحٍ يفوق كلّ ما سبّبته له ثورة إبليس من استياء.

وكانت ضد هذين الشخصين بالذات، قد قامت نقمة الشياطين في الجحيم، لأنّهما كانا سبب سقوطهم الشنيع.

وتحت ضغط هذ الثورة تجرّأ إبليس أن يطلب من الله أن يسمح له بتجربتهما بكلّ ما أوتيَ من قوّةٍ كما يفعل مع البشر.

– “الكلمة المتجسّد هو خالقك، أجاب الله، فما عساك تستطيع ضدّ؟ وأمُّه ستكون مُنزّهة عن كلّ خطيئة”.
– “ولكن أي استحقاق ستنال بمحافظتها على قداستها، أردف إبليس، إذا لم تُمتحن بالتجربة؟”
– “فليكن، قال الله، الذي أراد أن يعطي بذلك أمثلة كمالٍ للنفوس المُمتحنة، فها أنا أسمح لك بما تطلب”.

وفيما كان إبليس ينتظرُ أن يمارس، ضدّ هذه المرأة المَجيدة الاضطهادات التي يتكلّم عنها سفر الرؤيا في الفصل الثاني عشر، تابع وأعوانه ثورتهم ومُؤامرتهم ضدَّها ولكنَّ ملائكة السماء لم يكفّوا عن إهداء التماجيد الفرحة بالإكرام والمحبّة لمجيئها المُنتظر بحرارة. (أي خلقِها وولادتها)

heartofmaryarabic.com