لقد أذهل الإجماع الوطني على إدانة “إسرائيل”، وتحميلها مسؤولية شن عدوانٍ جديدٍ على لبنان، وخرق القرار الأممي 1701، من خلال إستهدافها ضاحية بيروت الجنوبية، بطائراتٍ مسيّرةٍ محمّلةٍ بالمتفجرات، وحق لبنان بالرد على هذا العدوان، بالوسائل المتاحة، بعض الأفرقاء الذين إعتادوا المراهنة الفاشلة على العدو، وهزيمة المقاومة، ولم يتعظوا من دورس الماضي، ولم يسأموا تلك المراهنات.
ولعل أبهى صور هذا الإجماع، وأبرزها، هي مواقف كل من: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الأمر الذي عزز وحدة الموقف، والصف الداخلي في آنٍ، وأقفل الباب على المتربصين بلبنان شراً، خصوصاً المراهنين على إنقسام اللبنانيين طائفيا ومذهبياً، حول مسألة المقاومة وحق الرد.
ولم تؤثر في الرأي العام، “الحرتقات” على موقف رئيس الجمهورية، الذي أكد فيه حق لبنان بالدفاع عن سيادته، وهو القائد والخبير العسكري، الذي يحترف فنون الحروب، وأسالبيها، ويدرك تماماً الوسائل الفضلى والمجدية في التعامل مع الإعتداءات الإسرائيلية على البلد، التي تتوافق مع إمكانات الدفاع اللبنانية المتوافرة راهناً. وأثبت عون أنه يتمتع برؤيا إستباقية في هذا الشأن، تجلت بعد رفضه البحث في إستراتجية لحماية لبنان من الخطر الإسرائيلي، لا تراعي الظروف والمتغيرات، أي الإقرار بان ما كان يمكن اعتماده من استراتيجية دفاعية للبنان في العام 2006، لم يعد صالحا اليوم، نظرا للتبدل الحاصل على صعيد الاخطار والتحالفات، وحتما للتغير الحاصل بالإمكانات، فالعاقل من يبحث عن الحقيقة ويعمل بمقتضياتها.
وها هي “إسرائيل” تخرق القرار الدولي 1701، ان لم نقل أنها إسقطته، أو تسعى الى ذلك، بعد الإعتداء الأخير على “الضاحية”. وهنا صدقت رؤية العماد عون الإسراتيجية، وسقطت معها كل نظريات “السياديين الجدد”، القائمة على أحقادهم ضد المقاومة، لا أكثر من ذلك.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في المرحلة الراهنة: ” ما سر التزامن بين طرح هؤلاء “السياديين” للإستراتيجية الدفاعية، وبين الإعتداء المذكور؟”، يذكر أن إعادة هذا الطرح مجدداً، سبق العدوان الصهيوني على مبنى العلاقات الإعلامية في حزب الله بأيامٍ قليلة. ولاتزال التحقيقات جارية بسريةٍ تامةٍ بين الأجهزة الأمنية، والمعنيين في المقاومة، لكشف ملابسات هذا الإعتداء. ويؤكد مصدر واسع الإطلاع أن التحقيقات تسير على أكمل وجه، رافضاً الغوص في التفاصيل.
ويشير الى أن الإجماع الوطني على أحقية لبنان بالدفاع عن سيادته، وشجب العدوان الأخير، أسهم في إنجاح هذه التحقيقات، من خلال تعاون الأجهزة الأمنية اللبنانية وحزب الله، الذي وضع كل ما لديه من معلومات في حوزة هذه الأجهزة، ولم يغلق أمامها أي طريقٍ أو باب، على حد تعبير المصدر.
وما يؤكد صحة كلامه، هو تسليم “الحزب” الله الطائرتين الإسرائيليتين المسيّرتين، اللتين استُخدِمتا لتنفيذ الاعتداء على حي معوّض، للجيش اللبناني في الساعات القليلة الفاتئة.