زيارة الرئيس الكبير لزحلة عشية مئوية لبنان الكبير: هل نحن على مستوى التحدي؟
هي ليست زيارة عادية لرئيس للجمهورية إلى المدينة الجامعة بين الجبل والسهل وبوابة البقاع على سوريا والعمق العربي… هي الأولى صحيح للعماد ميشال عون رئيساً والبليغة برمزيتها، لكنّها المحطة الرابعة بعدما زارها 3 مرات في العام 2010، 2012، 2013، مُطلقاً فيها خلالها الرسائل الإستشرافية السياسية والوطنية الأكبر، من هذه المدينة الإستراتيجية التي تجمع في رمزيتها الكثير في الجغرافيا والتنوع الديموغرافي والبعد اللبناني والإمكانات الإقتصادية.
في كل زيارة للعون كانت سلّته الوطنية ملآى بالرمزيات. في العام 2010 غلبَ عليها الطابع العاطفي والوجداني والتنظيمي لتيارٍ خرج من معارك انتخابية وسياسية قاسية في انتخابات صُرفت فيها المليارات في تجاذب إقليمي على أرص لبنان ومن بوابة زحلة بالذات عبر تسوية السين – سين آنذاك. ذكّر فيها برسالته عام 2000 من لندن عن أن “الحوار طريق الخلاص” ليعيد تأكيد نهجه الحواري حتى في عز صلابة مواقفه السياسية. عام 2012، كان جوارُ زحلة السوري يهتزّ على وقع اندلاع أكبر حرب في العالم العربي والأكثر ضراوةً منذ الحرب العالمية الثانية، والتي فجّرت المجتمع السوري ملقيةً بالملايين من سكانها في جحيم اللجوء من لبنان إلى أوروبا، وأطلقت معها أتون التكفير والتطرّف المستخدم من قوى إقليمية ودولية لغايات تتجاوز مطالب الحق بالإصلاح والديموقراطية، فأطلق جرس الإنذار في لقاءاته مع أساقفة المدينة وفعالياتها في الحوار الإستراتيجي في “المونتي ألبرتو” آنذاك، داعياً اللبنانيين والمسيحيين إلى الإبتعاد عن النقاش في “جنس الملائكة”، في الوقت الذي كانت فيها طلائعُ النازحين تدقّ باب لبنان المسكونة جماعاته بهواجس الديموغرافيا والتوطين وتصفية قضايا الدول المجاورة على حسابه. كان هذا التحذير جرسَ إنذارٍ للقوى السياسية على اختلافها للترفع عن أساليب النكايات السياسية للإرتقاء إلى مستوى حماية لبنان الكيان والوجود والرسالة وعدم استسهال الرهانات على إسقاط الدولة السورية التي انتشرت آنذاك كالنار في الهشيم. أما محطة 2013، فارتدت طابع التلاقي مع شرائح ممثلة للمجتمع الزحلي والبقاعي من تربويين وأكاديميين وفعاليات اقتصادية، كما التقى أصحاب وجهات نظر في البيئات الإسلامية وتحديداً تلك التي تشوه انطباعُها عنه بسبب الإنقسام السياسي، في حلقات صيغة بعناية في ذلك الوقت، فعادت بعد لقاءٍ معه في أوتيل قادري لترى فيه صاحب شعار “لبنان أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يقسم”، وصورة الذي قاد الجيش انطلاقاً من إيمانه ب”الحالة اللبنانية” التي كتب عنها في مجلة “الجندي” ومن ثم “الجيش” في وجه الحالات الخارجية.
غداً الجمعة، يحل رئيس الجمهورية “القوي” برمزيته الوطنية وبتمثيله الشعبي، ضيفاً عزيزاً على قلب البقاع لتدشين القصر البلدي في المدينة التي حملت بذور الديموقراطية والمشاركة الشعبية في القرن التاسع عشر في عامياتها وفي حراكها الداخلي، فماذا تغير بين الأمس واليوم؟
ميشال عون لم يتغير. ثوابته هي هي، صلابته، بساطته، طيبة ابتسامته التي تختزن الكثير الكثير… هو يأتي في لحظة تفكك في المشرق يهدد لبنان مجدداً بأشباح التوطين وتصفية القضيتين الفلسطينية والسورية على أرضه، وعشية مئوية نشوء “لبنان الكبير”، الكيان – الوطن الذي حمى الحريات والتنوع وتلاقي المجموعات الدينية من ضمن نظامٍ، على الرغم من كل سيئاته، لكنه حفظ التوازنات والوجود والأهم الدور السياسي الفاعل، حامياً إياها من كابوس الذمية السياسية.
زحلة هذه، تراقب بصمت، لكن بعناية، التحولات التي أوجدت أمامها مئات الآلاف من النازحين، والذين تريد دول الغرب توطينهم وإبقاءهم لدينا، وأيضاً، تجريمنا كلبنانيين على ما لم نقترفه وما لم نفعله… إنها حقيقة الجغرافيا القاسية، والعبث بالنسيج الديموغرافي في كل مرة. هي زحلة التي تلقت مرسوم التجنيس في أكبر استسهالِ لجريمة ديموغرافية، هي زحلة التي تجمع بين لبنان والجوار العربي – السوري، الذي تأمل استقراره لتقود بريادية وطليعية الدور الإقتصادي المنشود، وتكون ملتقى لكل البقاع ومكوناته. تحافظُ على كيانها من دونِ انعزال عن الجوار والمحيط، وتتطلعُ بأفقٍ أوسع من سياسات الزواريب والنكايات والشخصنة والتقوقع التي أدمنها البعض…
وزحلة هذه، يأتيها عون لبنان بعدما أقر في عهده أول قانون انتخاب قائم على النسبية ليتمثل الجميع بعدالة، وطرد الإرهاب الذي تخوفت منه بعدما اقترب منها وأتى على العديد من الشهداء – كي لا ننسى – وكرس الحضور القوي في النظام السياسي بعدما أبعد عنه المسيحيين عام 1990، والذي كرس التفاهمات الوطنية يميناً ويساراً، مع ممثلي البيئات السنية والشيعية ومع كل القوى التي كانت المصالحة معها ضرورة للمجتمع، وبعدما وضع ركائز للدولة التي انهارت في ثلاثين عاماً من الفساد والنهب والإقطاعية السياسية والمالية والدينية وتجويفها.
عون، الرئيس العماد، تلقاه زحلة والبقاع غداً بذراع العروس المتلهفة للقاء لا الصهر الحبيب فحسب، بل لأنه القائد الحامي للرمزيات، وحافظ الدور الطليعي الريادي الذي يجب أن يكون عليه اللبنانيون، والمسيحيون، والبقاعيون، والزحليون…
هذا الدور، يطلقه الرئيس، ويحميه، ويدفع إليه، لكن استكماله مسؤوليتنا. هو شقَّ الطريق، لكن علينا أن نكون على مستوى استشرافية هذا العهد وجهوده ومسعاه لحماية لبنان وإعادة وضع ركائز للدولة المنشودة…
فهل يكون المجتمع الزحلي، بقواه السياسية كافة، وبشرائحه الإجتماعية والإقتصادية على مستوى التطلعات، أم نستمر في سياسات النكاية والمحلية الريفية، والتفاهة والسخافة في الإستعراض، في وقت زحلة والبقاع باتا حجراً أساس على الخرائط العالمية والطرق الإقتصادية الكبرى؟؟
كل الأمل أن نكون مع الرئيس القوي والكبير، على قدر أمانة “لبنان الكبير”!