– لماذا تجاهلَ خطر الإرهاب ودورَ تركيا؟ (سركيس قصارجيان)
– أفضل كلام للأب الياس زحلاوي رسالته لمجلس الكنائس العالمي: ليتكم لم تتكلّموا
***
https://www.youm3.com/cases/2019/7/24/481/
دخلت دولة الفاتيكان مجدداً على خط الأزمة السورية عبر رسالة وجهها البابا فرنسيس إلى الرئيس الأسد حملت جملة من المطالب الانسانية والسياسية، شكلت إدلب محورها الأساسي. وفي حين أكد أمين سر الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين خلال لقاء مع موقع الفاتيكان الرسمي أن الرسالة نابعة عن قلق البابا من الأوضاع الإنسانية في إدلب وسوريا بشكل عام، تباينت آراء السوريين الذين التقاهم “اليوم الثالث” من نخب مختلفة للرسالة الباباوية، وسط تغلب الرأي الرافض والقلق من موقف الفاتيكان “المسيس”.
تسريبات مضمون الرسالة
وذكر موقع “فاتيكان نيوز” الناطق الرسمي باسم الفاتيكان عبر الانترنت أن الرسالة تضمنت مطالب ب:
- حماية حياة المدنيين
- وقف الكارثة الإنسانية في منطقة إدلب
- مبادرات ملموسة من أجل عودة آمنة للنازحين
- إطلاق سراح المُعتقلين وحصول العائلات على معلومات حول أحبائهم وأوضاع إنسانية (أفضل) من أجل المعتقلين السياسيين
- نداء جديد من أجل استئناف الحوار والمفاوضات بمشاركة الجماعة الدوليّة، من دون أن يبين الموقع الرسمي إن كان ما ذكر أعلاه هو نقل حرفي للرسالة أم تسريب محتواها عبر أحد حامليها.
ردود الفعل المسيحية السورية: البابا وجه رسالته للطرف الخطأ
وعبر الناشط جوزيف فنون من أبناء مدينة حلب عن “رفضه دخول الكنيسة في السياسة، لأن السياسة فن إدارة التناقضات بين الأطراف في حين أن مهمة الكنيسة الأساسية هي الجمع بين الناس جميعاً على قاعدة المحبة والتسامح وأي تدخل لها في السياسة سيضعها حكماً في صف طرف ضد الآخر”.
وطالب فنون البابا “في حال رغبته في لعب دور ايجابي” تكليف الوفد الحامل للرسالة بالتوسط “بين الدول والأطراف المعنية بالأزمة السورية للوصول إلى سلام شامل، وعودة الأمن والسلام كفيل بتحسن الظروف الانسانية لكافة المناطق السورية كما كانت سابقاً قبل الأزمة”. وقال فنون “مع محبتي للبابا لكنه وجه رسالته للطرف الخطأ، كان الأولى به أن يبعث برسائل إلى الدول التي تحاصرنا وتقطع عنا الغذاء والوقود والأدوية والأجهزة الطبية وغيرها من المتطلبات الانسانية”.
موقف الفاتيكان: لا حل إلا بالمصارحة والمصالحة والمسامحة
في المقابل أكد الأب فراس لطفي من رهبنة الفرنسيسكان أن “محتوى رسالة البابا لم يتم الكشف عنه، وإنما ما تداولته الصحافة العالمية هو تحليل الكاردينال بارولين ووجهة نظره الشخصية”. وقال الراهب لطفي، الذي يرأس دير الأرض المقدسة في حلب، “الرسالة ليست سياسية بالمعنى الحصري للكلمة وما هو ايجابي في الموضوع أن البابا ما زال يؤمن بدولةٍ سوريةٍ لها رئيسها ومؤسساتها على عكس التيار السائد في أوربا والعالم الغربي، اذا فإذا اعتبرناها سياسية فإنها ايجابية والدليل أن الكنيسة الكاثوليكية لم تقطع أبداً علاقاتها كما فعلت الكثير من الدول بل عززت حضورها في سورية عندما منح قداسة البابا فرنسيس السفير البابوي في دمشق رتبة الكاردينال وهي أعلى رتبة في دولة الفاتيكان وتلك رغبة ملموسة لعلاقات على أعلى المستويات مع دولة لها سيادة واستقلالية”.
وأضاف لطفي أن “تعليق السفير البابوي ماريو زيناري كان واضحاً عندما بيّن أن فحوى الرسالة هو تعزيز التواصل مع سوريا حكومة وشعباً وقائداً فمضمون الرسالة إنساني بحت ولا يبدو أن له أي إشارة إلى سياسة ما أو موقف سياسي معين، بل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلد عانى الأمرّين من قتل ودمار وتهجير”.
وشرح الأب لطفي الذي يرأس العديد من المشاريع التنموية في حلب أن “الكرسي الرسولي منذ البدايات دعا إلى احتواء الأزمة السورية عن طريق الحوار والمصالحة ونعرف جيداً المساعي الحثيثة للبابا فرنسيس ودبلوماسية حضرة الفاتيكان لدرء العدوان الأمريكي في عام 2013 في وقت كانت جحافل الشر والسفن الحربية على مقربة من الشواطئ السورية لنشر الرعب والدمار والابادة كما حصل في أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها”.
ورأى لطفي أن “موقف حاضرة الفاتيكان ثابت من الأزمة السورية اذ لا حل إلا بالمصارحة والمصالحة والمسامحة لتجنيب الأطفال والشيوخ والنساء ويلات الحرب والدمار، وهو ما لامسته عندما اتيح لي شرف لقاء قداسته في روما الشهر الماضي ضمن اجتماع ضم المؤسسات التي تدعم المشاريع الإنسانية والإغاثية والتنموية في سورية والشرق حيث دعوته بشكل عفوي لزيارة سوريا عندما عبَّر عن رغبته بزيارة العراق العام المقبل فرد بالقول: انشاء الله العام المقبل”.
ونوه الأب لطفي بأنَّ “أعمال الرحمة والخدمة والمحبة التي تقوم بها الكنيسة الكاثوليكية في الداخل السوري بتوجيه من البابا نفسه من خلال المؤسسات الاغاثية والتنموية من كاريتاس وهيئة الاغاثة اليسوعية والأخوة المريمين والرهبان الفرنسيسكان في مختلف أرجاء سورية التي لم تقتصر على أبناء الطائفة فقط بل شملت كل انسان محتاج ومعاز”
“لماذا لم يرقّ قلبه على ضحايا الإرهاب”؟
من جهته شن الكاتب والناشط السياسي السوري محمد سعيد حمادة هجوماً عنيفاً على “الرسالة” مؤكداً على أنها “مسيسة بالكامل، والبابا لا يهمّه المدنيين لأنه صمت عن قتل المسيحيين المدنيين في أكثر من مكان ولم يأبه باستنجادهم ولا دعواتهم، فما الذي جعل قلبه يرقّ على المسلمين في مناطق تواجد الإرهابيين؟”. وأضاف حمادة المنحدر من مدينة منبج والقاطن في دمشق: “أعيد ما قاله الأب الياس زحلاوي في رسالة مفتوحة إلى مجلس الكنائس العالمي من كاهن عربي سوري” وذلك في 18/ 3/ 2018، وأوجّهه للبابا مجدّداً، ليتكم لم تتكلّموا”.
وتساءل: “هل رقّ قلب البابا على إدلب ولم يرقّ ولم يتذكّر ولو بكلمة واحدة ما فعله الإرهابيّون بالمؤمنين بيسوع في حلب وحمص ودمشق والجزيرة السوريّة وحماة وغيرها من المدن والبلدات السوريّة، وآخرها ما فعلوه بالمؤمنة سوزان دير كريكور في اليعقوبية بعد تناوب الإرهابيين على اغتصابها ومن ثم رجمها دون تشفع لها سنونها الستون؟”. وختم بالقول “نحن أهل البلاد مسيحيين ومسلمين نعرف جيّدًا شؤوننا أكثر من البابا ومن أوعز له التدخّل في شؤوننا متذرّعاً بإنسانية زائفة”!
الفاتيكان تجاهل دور تركيا في إدلب ودمشق جوفتها من محتواها
ورأى المحلل السياسي السوري المقيم في ألمانيا كيفورك ألماسيان أن “الحياد السلبي للفاتيكان من الأزمة السورية كان له نتائج سلبية على الأرض لجهة عدم توجهه بشكل مباشر إلى اللاعبين الأساسيين في الصراع الدائر وخاصة الدول الغربية وبعض الدول المجاورة لسوريا، ومطالبتهم بوقف اذكاء الحرب عبر الدعم السياسي والتسليحي والاعلامي للأطراف المعادية للسلطة السورية”.
وأعتبر الماسيان الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي أن “توقيت ومحتوى رسالة البابا يشيران بوضوح إلى موقف الفاتيكان المسيس. وعلى صعيد التوقيت، اختار الفاتيكان أكثر مرحلة محرجة للسلطة السورية والجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب الكوزموبوليتاني في إدلب من أجل الحديث عن الحالة الإنسانية في المدينة التي تسيطر عليها جماعات إرهابية مصنفة على قائمة الإرهاب الدولي”؟ وأشار إلى أن “كما أن محتوى الرسالة التي تتوجه بشكل حصري للسلطة السورية وكأنها الجهة الوحيدة المسؤولة عما يحدث في إدلب، وتتجاهل دور تركيا والدول الأخرى في دعم الجماعات المسلحة، وتتجاهل وجود عشرات الآلاف من الإرهابيين متعددي الجنسيات، وتتجاهل العقوبات غير القانونية ضد الشعب السوري، وكل ذلك يشير بوضوح إلى انحياز الفاتيكان أو قصر نظره أو كلاهما”.
وبحسب ألماسيان فإن “سوريا تعاملت بدهاء مع الرسالة ونسفت محتواها وجردتها من “الإنسانيات” بجملة واحدة نشرتها صفحة الرئاسة السورية على “الفايسبوك” عندما قالت إن البابا أكد في رسالته للرئيس الأسد مجدداً موقفه الداعم لاستعادة الاستقرار في سوريا ووقف معاناة الشعب السوري جراء الحرب وما نتج عنها، ثم التفت المنشور إلى موقف سوريا والرئيس الأسد من إدلب والحرب ضد الإرهاب”.
“لماذا لم تتحرك مشاعر الفاتيكان عندما أُحرقت حلب”؟
من جهته قال الكاتب والناشط السياسي عماد جبور لموقع “اليوم الثالث” رداً على سؤال حول رأيه برسالة البابا الأخيرة إنه “لا يغيب عن بالي البابا بولس الثاني الذي اطلق نداء الحرية لإخراج بولونيا من حلف وارسو وقام بدعم حركة ليش فاليسا لاسقاط الحكم الشيوعي ليتبين فيما بعد أن ما قام به هو جزء من مخططات السي آي أيه حينها. وأردف جبور المقيم في دمشق قائلاً “لن أتهم البابا الحالي أنه يعمل بالتنسيق مع أجهزة المخابرات الغربية، لكن الغريب في الأمر أنه لم تتحرك مشاعره الإنسانيه حينما دمرت الرقة على رؤوس أهلها أو حتى حلب”.
ولا تُعتَبر هذه المرة الأولى التي يُطلق فيها الفاتيكان مواقف “جدلية” في الأزمة السورية، اذ سبق أن أثار حديث البابا فرنسيس في شباط العام الماضي حينما وصف أنَّ سوريا “تستشهد تحت وطأة هجمات مستمرة تقتل المدنيين في الغوطة الشرقية” داعياً إلى “وقف فوري للعنف والسماح بدخول المساعدات الإنسانية”، أثار جملة من الانتقادات من سوريين اتهموه بالتحيز للمسلحين المتطرفين الذين دأبوا على قصف أحياء شرق دمشق ذات الغالبية المسيحية.
صحافي سوري يراسل موقع “اليوم الثالث”