في الأيام القليلة الماضية، أحيت “وحدات الدفاع – بيروت”، في مركز إميل لحود للمؤتمرات، الذكرى الأربعين لتأسيسها، شارك فيها الى جانب قدامى “الوحدات”، جمع غفير من المواطنين، والمؤيدين، يذكر أنها كانت سرايا مسلحة، منضوية في صفوف ما كان يعرف “بالمقاومة المسيحية”، إبان الحرب اللبنانية، أسس هذه الوحدات وقادها مسعود الأشقر، وتناوب من بعده على قيادتها، نخبة من الشباب، منهم المهندس جوزيف الزايك، شقيق القيادي الكبير في هذه “المقاومة” الدكتور إلياس الزايك، الذي إغتالته “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع في العام 1990، لما للزايك من ثقة وإحترام لدى شباب “المقاومة” المذكورة وجمهورها، ولدى أبناء منطقته كسروان والجوار أيضاً، وكان “ذنبه الكبير”، هو إيمانه بالشرعية التي كان يمثلها العماد ميشال عون، والحفاظ على لبنان القوي الحر الموحد، في زمن تفكك أوصال الدولة ، وفي ضوء محاولة فرض أمر واقع يفضي الى فدرلة البلد وتقسيمه، تحت مسميات “الإدارة الذاتية”، وما شاكل في حينه، فدفع إلياس الزايك حياته ثمن مواقفه وجرأته، وتابع شقيقه جوزيف المسيرة، ولايزال حتى اليوم، ملتزماً السياسة التي رسّخها شقيقه “الشهيد”.
ويشكل مع الأشقر ورفاقهما حالة وطنية، تجسد الإيمان بوحدة لبنان، والتمسك بسيادته وإستقلاله، وترفض التبعية للخارج، اي كانت، سواء لدول الخليج أو سواها، كذلك تتلاقى مع طروحات التيار الوطني الحر، خصوصا الإستراتجية منها، مع تمايز محدود في الخطاب الداخلي. الأشقر جدد التأكيد في مناسبة التأسيس المذكورة آنفا، أن “الوحدات، هي حقاً، تشكلت من شبان مسيحيين، ولكنها دافعت عن كل لبنان، ولاتزال على وعدها وعهدها”.
قد يتفق البعض على سياسة الأشقر ورفاقه، أو يختلف معهم، ولكن ليس في وسع أحد أن يوسمهم بعناصر ميليشيات، أو بأمراء حرب، فهم نخبة من الشباب في مجتمعهم، حملوا السلاح دفاعاً عن وطنهم، إثر إنهيار الدولة في العام 1975، من دون أن يتخلوا عن إيمانهم، أن مؤسسات الدولة الشرعية، هي الملاذ الوحيد الذي يحتضن جميع اللبنانيين، ولا بد من العبور إليها في الوقت المناسب، وحقاً أبرّ غالبية شباب “الوحدات” وسواهم من مختلف مكونات “المقاومة بالوعد”، وأعلنوا التزامهم الشرعية، وتأييدهم لمسيرة العماد عون منذ تسلم رئاسة الحكومة الإنتقالية في العام 1988. ولا يغيب عن أذهان الأوفياء، كيف إفترش أبرز قيادي هذه “المقاومة” الأرض أمام بيت شعب في بعبدا، دفاعاً عن الحالة الوطنية الصافية المرتكزة على ثالوث: “الشعب والجيش والقائد”، لتتحول بعدها الى مع عودة “الجنرال” الى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية، الى “معادلة ماسية”، قائمة على الشعب والجيش المقاومة والرئيس.
وفي المناسبة أيضا، أود أن أكشف كلاماً، أنشره اليوم للمرة الأولى، سمعته عندما كنت صحافياً متدرجاً في جريدة النهار، يوم كلفت بتغطية بعض من التظاهرات والإعتصامات التي عمت وسط بيروت، أثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، وكنت أشاهد وقتها، رجلا ً مألوف الوجه، يتردد يومياً تقريبا الى ساحة الشهداء برفقة فتاة قد لا تتجاوز العقد الأول من عمرها، تقدمت منه وتعرفت به، هو القائد الأسبق للقوات اللبنانية الدكتور فؤاد أبو ناضر، كنت أتردد إليه وأتحدث معه، عندما أشاهده في “الساحة”، و أثر الإنسحاب السوري من لبنان في نيسان من العام عينه، قال لي كلاماً علق في ذهني، ولن أنساه أبدا، وهذا فحواه: “علينا التواصل مع حزب الله، لنفهم منه عن قرب ماذا يريد، ولاي لبنان يتطلع، وما هي هواجسه، فهو مقاومة وفق إيمانه وعلى طريقته، كما كان نحن مقاومة على طريقتنا أيضاً، ولا بد من التحاور مع “الحزب”، في سبيل تحصين الوحدة الداخلية”. وهذا الكلام فعلا ترجم الى أفعال، عندما إنفتح أبرز قادة “المقاومة المسيحية” على “المقاومة الإسلامية” وسواها، ونظموا لهذه الغاية اللقاءات والحوارت، كاللقاءات الذي نظمها “الإتحاد من أجل لبنان” مع قياديين في حزب الله في منطقة الأشرفية.
حقاً، هكذا نموذج يبعث الأمل بقيامة لبنان القائم على الجناحيّن، ويؤكد أن من له هكذا تاريخ له حاضر ومستقبل، أما من كان تاريخه مجرد أدوات، ينفذ إملاءاتٍ خارجيةٍ، لم يزل على حاله ، فلا حاضر ولا مستقبل له، وسينحسر دوره عند إنتهاء المشروع الخارجي الذي طلب من هذه الأدوات الإسهام في تنفيذه.