– رجل الرهانات أم الخيارات؟
***
لم يكن صعب، أثناء زياراتنا الطلابية الى الرابية استنتاج أهمية التمييز بين الرهانات و الخيارات بالنسبة للرئيس عون. في الحقيقة أكثر من نصف اللقاء كان عبارة عن لمحة تاريخية لا عبرة من خلالها سوى فهم خيارات الرئيس ورهانات الآخرين.
هي معادلة سهلة، بعد نظر يؤدي الى خيار صائب وخيار صائب يؤدي الى إنتصار يترجم غالبًا في الصناديق اذا كان داخليًا أم بالنتائج متى كان إقليميًا أم خارجيًا.
في عرضٍ موجز عن ما حصل من مواقف مع هذا الرجل، يمكن فهم خياراته.
البداية كانت يوم رفض إتفاق الطائف متمسكًا بضرورة الخروج السوري الفوري عكس ما نصّ الإتفاق أنذاك. لم يراهن عون على الأمريكي كما فعل آخرون، ولا على المجتمع العربي بل أخذ موقفه من الطائف وحاربه حتى النفي. أبرم الإتفاق، مرّت ثلاث سنوات ولم يخرج السوري كما كان متفق كما ولم يحدد مهلة لإنسحابه. هذا كان أول إختبار لهذا الرجل فإختار الهزيمة المؤقتة عوضًا عن إنتصارٍ مُذِل يدخله التركيبة السياسية بوزيرٍ من هنا وآخر من هناك.
المفترق الثاني الذي حتّم على ميشال عون إتخاذ خيار مفصلي كان تحالفات إنتخابات ٢٠٠٥ فبعد أن خاضتها معظم الأحزاب بتخالفات غريبة أخذ خيار خوضها بمفرده مواجهًا ما سمي بالحلف الرباعي. أنذاك كان خياره مبني على ثقته بالشعب اللبناني في حين معظم التحالفات كانت نتيجة إرشادات خارجية ومعلومات استخباراتية.
المفترق الثالث كان يوم كفّر الظواهري الشيعة في المنطقة فما كان منه أن بنى تحالفًا مع حزب لله مانعًا عزله متأكدًا أن خياره هذا سيحمي البلد من فتنة داخلية نتيجتها الحتمية حرب أهلية… اثبت خياره مرّة جديدة صحته فيوم كان الشارع المسيحي برمته واللبناني بغالبيته لا يؤيد حزب لله أخذ عون قرارًا صعب، بعيد عن الشعبوية وحساب الأصوات فأنقذ لبنان من عزل مكون خلافًا لغيره. في الواقع أنذاك رفض سمير جعجع أي حوار مع حزب لله لأنه كما قال:” عطيت كلمة لأميركا وتحالفي مع الحريري ما بزيح عنو”.
لم يراهن عون على المزاج العام ولا على رغبةً الغرب بل إتكل على بعد نظره وحثّه الوطني لا الغرائزي فكانت ولادة وثيقة مار مخايل.
المفترق الرابع كان مع إندلاع الحرب السورية، ففي وقت كانت الأنظمة تنهار واحدة تلوة الأخرة من مصر الى ليبيا، لم يتخيّل أحد صمود نظام الأسد بفعل الدعم الروسي لأن التدخل الروسي أصلًا لم يكن متوقع. قالها الرئيس عون ومنذ البداية، الزهان على سقوط الأسد خطأ فادح فالروسي لن يتخلى عن حليفه في المنطقة. هذا ما حصل وها نحن اليوم عام ٢٠١٩ نشهد بقاء الأسد بفعل الدعم الروسي.
أخيرًا وليس آخرًا ومجددًا بالعودة الى تلك اللقائات الشبابية دار بيني وبين الرئيس عون حديثٍ صغير، سألته ما إذا كان حقًا مقتنع أن إنتخابه معقول وكنت واثق ضمنًا أن هذا الأمر لن يحصل خاصةً وأن الجوّ الخارجي من الڤيتو السعودي إلى ما نقل عن السفارة الأمركية إعتبارها عون أنبرديكتيبل مان ( unpredictible man) لم تكن مشجعة فكان يبتسم مؤكدًا أن إنتخابه آتٍ لا محال وها نحن اليوم أصبحنا في العام الثالث من عهده.
نعم إنه ميشال عون، رجل الخيارات الصعبة لا الرهانات المبنية على وعود السفارات وعندما يتكلم عن إزدهار إقتصادي آتٍ إسمحوا لي أن أقتنع بما يقوله فهذا الرجل صاحب رؤية خارقة ويدرك تمامًا ما يقوله….