– من منهم تجرأ وقال “حقوق المسيحيين”؟! الجواب صفر…
***
من عايش حياتنا السياسية، منذ ما بعد الإستقلال وحتى اليوم، لابد من أنه يشعر بمللٍ شديد، فلا شئ يتغير ولو قيد أنملة، الخطابات نفسها، الشعارات نفسها، “الزقيفة” نفسهم حتى “ممتشقي” المنبر هم هم ما تغيروا، والملفت أن الأسماء بقيت ثابتة، ومن تغير منها، تغير نحو الإبن، حتى ما يثير الإنتباه أن المتناحرين منذ ثلاثين عام بقيوا على الخلافات عينها، ما توحدوا، ما تلاقوا، ما تقابلوا، الى أن…
في العام ١٩٨٤ وفي عزّ الخلافات الطائفية المناطقية المقرفة، ظهر رجل ببذة عسكرية رافعًا صوته قائلًا “إذا تكلمت طائفيًا فإنبذوني” إستطاع في مهلة قصوى أن يجمع حوله لفيف من اللبنانيين الشرفاء الذين رفضوا العيش في كانتونات ضيقة، تخنق الأنفاس، وما وجدوا سوى بالعماد متنفسًا لهم ليعبروا عن رأيهم، ليحيوا في لبنانهم، ليبنوا دولتهم، وهنا إجتمع خصوم الأمس اليوم والغد، تكتلوا ضده، حاربوه، غطوا ميليشياتهم بغطاء خارجي حتى أبعدوه، وعندها إحتكموا في مفاصل الحكم والدولة، ونسوا الشعب وهمومه، وأبقوه مقصمًا مذهبيًا، وصار هناك “خللًا زعامي” فالزعماء المسيحيين غائبين، وشعبهم يرقص رقصات الموت، بين العسكر المحتل، والأجهزة الأمنية.
وفي ظل كل هذا، كان هناك زعامات مسيحية موجودة على الساحة السياسية، أُدخلوا في صلب اللعبة، وأخذوا جرعات دعم من أكثر من جهة، إلا أنهم كانوا “مبنجين” بجرعات مورفين، ومتلهين بكب كل طاقاتهم في مناطقهم الضيقة، فقط من أجل تثبيت كراسيهم في مكانها، ولكن من منهم تلفت نحو مسيحيي الجبل؟ ومسيحيي أقصى الجنوب وأقصى الشمال؟ من منهم ألقى نظرة ولو بطرفة عين خارج دائرته الإنتخابية؟! من منهم تجرأ وقال “حقوق المسيحيين”؟! الجواب صفر.
من هنا بالإمكان القول أن رئيس حزب التيار الوطني الحرّ جبران باسيل يبني قوته على حطام فشل قادة سياسيين، ، وتكبرهم، فهو لا يملك عقدة لقب من عمر العثمانيين يسبق إسمه، ولا عقدة الجلوس في القصر الفخم منتظرًا قدوم شعبه لطلب خدمات الترقيع، ولا يهوى التصور في سفارةٍ مع ضحكة مُذلة مرسومة على وجهه، بل من الممكن أن تستفيق صباحًا لتراه في جولة في عكار، محاضرًا في أهمية نتيجة القانون النسبي، ليعود ظهرًا ويفتتح طريق القديسين التي تربط مراكز القديسين في البترون بقديس جبيل مار شربل، هنا تقفل التلفاز فيصل خبر عاجل “توقيع وزير الخارجية على قانون إستعادة الجنسية” فتعود راكضًا لتلحق ما فاتك لتتفاجئ بجبران باسيل في جولةٍ مع كتلة ضمانة الجبل، ليذهب مساءً الى عروس البقاع، ويستمع الى هموم أبناء هذا البقاع، ويختم يومه متجولًا على الشريط الحدودي متفاخرًا بهزيمته إسرائيل دبلوماسيًا من على أعلى المنابر، ليعود ويستفيق بحبيبة قلب الرئيس العاصية كسروان، ويخط الحروف في مدينتهم جبيل، فيسافر معالجًا أزمة دبلوماسية مستجدة ليضطر أن يجول ثمانية دول في ثلاث أيام حتى إستعادة ما سُلب منا. فهذا هو جبران الذي تمدد على مساحة الوطن.
واليوم التاريخ يعيد نفسه، فكما إجتمعوا البارحة يجتمعون اليوم، فبربكم وأمام كل ما سبق ما هي إنجازاتهم ونشاطاتهم؟ فبدل من أن تنتقل هذه العدوى لتكون دافعاً إيجابياً لهم ليحسنوا في آدائهم، على العكس، يعرقلون كل المشاريع المنتجة الإيجابية، ببثّ السموم والشائعات، فما أخطأ من قال لهم “يا أولاد الشائعات”.