عظة المونسنيور بطرس خليل في قداس وادي حربا (الأحد 16 حزيران 2019)
* ♰ *
إخوتي الأعزاء،
لا بد من ذكر لمحة تاريخية عن الوادي.
سميت وادي حربا نسبة إلى الحربة اللي كانوا يستعملوها بالحروب.
عام 693 جرت معركة بالوادي بين الموارنة المتحصنين فيه وعا التلال المحيطة وكانوا بقيادة البطريرك الأول يوحنا مارون مع الجيش البزنطي بقيادة القائدان « موريق وموريقان». انتصروا الموارنة وطاردوا البزنطيين من أميون.
أما إسم وادي المدفون فمنسوب إلى قتلى المماليك اللي دفنت بعد المعركة الشهيرة سنة 1293 بين المماليك والموارنة اللي أرادوا الدفاع عن جبيل بقيادة مقدم كفركده لقطع الطريق على النجدة القادمة من طرابلس. دارت معركة كبيرة وانتصر الموارنة ودفنوا قتلى المماليك في الوادي. ومن وقتها أصبح الجزء الساحلي يعرف باسم وادي المدفون.
كثيرة الروايات والأساطير حول ازدهار الوادي أيام الفنيقيين وخاصة بعد ما بنوا ملوك جبيل قلعة في سمارجبيل حتى تكون مصيف لإلن.
ترك الرومان أثار كثيرة بالوادي أبرزها الجسر الروماني اللي انهدم بشتاء 1983. يوم اللي ضربت لبنان عاصفة شهيرة.
الأديب مارون عبود بكتابو أحاديث القرية ذكر أنه أنوجدت بوادي حربا كتابات بالحرف اليوناني بتقول « من هون الطريق».
وبالمؤكد هي طريق القمح اللي كانت توصل الساحل حتى قرية شليفا بالقرب من دير الأحمر وصولاً إلى بعلبك. هالطريق ذكرها البطريرك الدويهي.
وادي حربا هي من أوائل الأماكن اللي دخلها المسيحيين، فبالقرن الثاني بعد المسيح بدأ الانتشار السرياني ببلادنا وخير دليل كنيسة السيدة بسمرجبيل.
ومع براءة ميلانو سنة 313 أصبح الدين المسيحي دين الدولة. وصار السلام للمسيحيين. بها الفترة عرف الوادي أوّج مجدو. واللي بأكد الانتشار بها الوادي الكنايس اللي بعدا موجودة حتى يومنا كنيسة السيدة سمارجبيل، دير القطين في صغار وغيرها.
بعد المجزرة اللي تعرضوا لها اتباع مار مارون سنة 517 بسوريا ومات على أثرها 350 راهب بعدها هرب كثير من موارنة شمال سوريا وعبروا طريق شليفا نزولاً حتى وادي حربا. لأنو كان إلن أخوة نساك ورهبان بها الوادي. وبيخبرو انو كان في بالوادي ما يقارب 100 قلاية وكنيسة ودير وصومعة وأكثر من 1000 راهب وناسك. وحوالي الوادي تكونت بها الفترة قرى مارونية بنعرف منها حتى يومنا برناسا وشويت ورامات ووطا صفرتا.
كان وما يزال هالوادي بوجدان أهالي القرى المحيطة فيه:
– عام 1960 وبزيارة إلى القنصل جوزف ابي صعب براشانا، أعجب الرئيس كميل شمعون بمشهد الوادي. وفكّر مع صديقوا كميل أبو صدّان يعملوا مشاريع إنمائية سياحية لإحياء دور وأهمية الوادي على صعيد السياحة الدينية.
بمنتصف الستينات قدّم الدكتور مالك بصبوص دراسة لإنشاء برك بوادي حربا حتى تستعمل للري والرياضات المائية وتربية الأسماك وتقام على أطرافا مقاهي ومطاعم.
– سنة 1969 أسس خالي الأستاذ جورج اسطفان من بلدة صغار مع مجموعة من شباب راشانا سمارجبيل ومراح الزيات وجران وعبدللي وجربتا وصغار جمعية المحافظة على الطيور وكان محور نشاطا وادي حربا بحيث إنو جاب ألوف طيور الحجال وأطلقن بالوادي حتى يتكاثروا ووظف ثلاث نواطير.
– أواخر سنة 1972 وبعد تعيينو وزير للتصميم التقى الدكتور جورج سعاده مع الدكتور مالك بصبوص حول دراسة هالأخير وحملها لمجلس الوزاء. إلاّ أنو استقالة الحكومة سنة 1973 أوقفت المشروع. وبعدها دخلنا بحرب 1975.
بعد تعيينو مطران على أبرشية البترون المارونية، وبعد اطلاق أعمال المجمع الأبرشي شكل المطران منير خيرالله لجنة التراث الديني بالأبرشية. هاللجنة عملت شغل هائل وعلمي وموثق بالصور لإحياء الوادي لكن التمويل كان عائق أمام التنفيذ.
أما الشخص اللي لازم يبقى بذاكرة أهل المنطقة هوي المحامي المرحوم نبيل طوبيا من بلدة غوما. المرحوم نبيل حمل قضية الوادي وخلاها شغلوا الشاغل.
كان هدفو مع كتار من أهالي القرى المجاورة نفض الغبار وإعادة إحياء الوادي وتحويلو إلى معلم ديني سياحي وهوي أول من نظم مسيرات حتى يعرّف أهل القرى وغيرن عن الوادي. ولكن موتو المفاجئ أوقف كل ما كان يخططلو.
2019
وأخيرًا منذ عدة أشهر وبدعم من معالي الوزير جبران باسيل الحاضر معنا بها القداس أطلق المحامي لوران عون مع مجموعة من الشباب المهتمين «جمعية أصدقاء وادي حربا» بهدف إعادة إحياء الوادي. وبلشوا بالعمل.
باسم صاحب السيادة المطران منير خيرالله عم احتفل بالذبيحة الإلهية لأول مرة منذ مئات السنين، بمناسبة افتتاح المرحلة الأولى من تأهيل الوادي بدعم وتمويل بواسطة الوزير جبران باسيل مشكورًا واللي وعد السعي لإكمال المشروع. والمعروف عنو بس يبلش بينهي وبس يوعد بيوفي.
كل آباءنا القديسين وشهداءنا اللي استشهدوا على دفعتين سنة 692 و1293 بيدعونا اليوم حتى نعمل على إعادة إحياء هالوادي بعيد كل البعد عن المصالح الشخصية والحزبية ولكن حتى نعمل كلنا أيد وحدة على اختلاف انتماءتنا السياسية على نفض غبار الأيام واضعين نصب عيونا تاريخ هالوادي المقدس. لما في مصلحة وحودنا المسيحي الماروني بمنطقتي جبيل والبترون وبكل لبنان.
إذا كان لبنان والمارونية توأمان لا ينفصلان هيدا مش صدفة، هيدا تاريخ شعب ناضل منذ القرن السادس حتى يعيش بكرامة وحرية. بأرض الله على هالأرض.
وإذا كان مجد لبنان أعطي للبطريرك الماروني لأنو كان وما زال البطريرك منذ يوحنا مارون حتى غبطة أبينا البطريرك بشاره الراعي هوي الأول اللي عن يدافع عن لبنان وعن كنيستو وعن حرية المعتقد والعيش المشترك ببلد الحرية لبنان.
كلنا مدعوين اليوم حتى نكمل هالمسيرة تحت ظل الكنيسة المارونية مع البطريرك ومجمع الأساقفة اللي هنّي ضمير الإنسان والإنسانية.
آمين.
وادي حربا الممتد من جسر المدفون صعودا” حتى ايليج يختزن عشرات المغاور والكنائس والصوامع والمحابس والأديرة التي التجأ اليها الأساقفة والكهنة والرهبان والنساك منذ القرن السابع الميلادي عندما وصل الموارنة الى بلاد البترون..
https://youtu.be/y0VvFjTOyro