جورج مالبرونو –
تُرسى أسس نظام انتداب روسي في سورية، بعد عام على التدخل الروسي العسكري من أجل إنقاذ
سورية. «فالروس يمسكون بمقاليد القرار الرئيسية، لكن هذا ليس بيسير»، يقول خبير أجنبي في دمشق لا يرغب في الإفصاح عن اسمه. والجيش وأجهزة الاستخبارات هما في مرمى الروس. «وإثر تقييم عمل عدد من القادة، نجح الروس في فرض بدائل عنهم، لكنّ بعضاً آخر لا يزال في عمله»، يقول الخبير. ونزولاً على طلب الروس، استبدل بشار الأسد قائد الحرس الجمهوري، اللواء بديع (مصطفى) علي، بطلال مخلوف. وفي عالم أجهزة الاستخبارات، ليس علي مملوك، رئيس مجلس الأمن القومي النافذ، رجل موسكو، بل رجلها هو اللواء ديب زيتون (رئيس شعبة الاستخبارات العامة) الذي زار أخيراً إيطاليا ومصر. والروس لا يأمنون جانب المملوك ويحذرون منه، على رغم أنهم يستقبلونه دورياً. «فهو رجل الأسد، وخبرته كبيرة، وليس طيعاً»، يقول رجل أعمال مقرب من السلطة.
ووجّهت موسكو سهام النقد الى الطريقة الإيرانية أو النهج الإيراني الذي يتوسل بميليشيات للتعويض عن نقص عدد السوريين الراغبين في القتال. ورغبت في وقت أول، في إنشاء جيش جديد يمتص الميليشيات ويدربها. وبعد أكثر من عام من مساعي إعادة هيكلة الجيش السوري، أنجز الروس ما يسعون إليه. والثلثاء الماضي (في 22 الشهر الجاري)، أعلن عن إنشاء القوة الخامسة المؤلفة من عشرات آلاف المتطوعين الذين يتقاضون بدل عملهم بالدولار. «لم يشأ الروس التعامل مع الميليشيات. لكنهم لم يوفّقوا»، يقول مسؤول في النظام. واليوم، تضطر روسيا الى الاستعانة بقوات مكملة من خارج الجيش، على غرار لواء القدس من مخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين، على أطراف حلب. وفي الماضي القريب، كانت إيران تدرب اللواء هذا وتسلّحه. لكن رجاله اليوم يعتمدون مالياً ولوجيستياً على الروس.
وعلى شاشة كمبيوتره المحمول في مركز تحت الأرض في حلب، يردد أحمد، مسؤول الأمن السياسي، كلمات بالروسية يذكرها من إعداده المهني على يد جهاز الاستخبارات السوفياتية السابق، «كي جي بي»، بينما يريه أحد العملاء صور صفحات فايسبوكية ابتكرت للتواصل مع جواسيس في صفوف الثوار شرق حلب. وروسيا يشغلها رأي سكان حلب الشرقية في تدخّلها العسكري. لذا، أنشأت خلية مراقبة إلكترونية في قاعدة حميميم الجوية الساحلية. وفي هذه الخلية، يراقبون كل ما يقال على شبكات التواصل الاجتماعي في المناطق المنتفضة، يقول عسكري سوري يتواصل مع الروس. و»بعد الرصد، ينقلون إلينا النتائج، للتنسيق».
وتقاسم الروس والإيرانيون سورية: الشطر الجنوبي – الغربي في يد الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله»، والشطر الشمالي – الغربي وتدمر في يد رجال الكرملين الذي يشيدون على مقربة من المدينة الأثرية قاعدة عسكرية. وضمن الضباط الروس خروج الثوار من داريا وترحيلهم من ضاحية دمشق الى إدلب، في شمال – غرب سورية التي تقصفها روسيا. وفي قدسيا، أشرف الجيش السوري على خروج المتمردين، في وقت يمسك «حزب الله»، على مقربة من الحدود اللبنانية، بمقاليد مضايا والزبداني. ولا يخفي الضباط السوريون التباين مع الروس. «نرغب في استعادة سورية كلها، بينما الروس يكتفون بسورية المفيدة»، يقول مقرب من بشار الأسد. وترمي موسكو الى استعادة المدن الأخيرة والضواحي المحيطة بها وشبكة أنابيب النفط والغاز في البلاد، وترك الأرياف والصحراء للثوار. والتكتيك هذا يعيد الى الأذهان النهج الجزائري في مكافحة «الجماعة الإسلامية المسلحة». ويشعر محيط الرئيس السوري بالامتنان للروس. فهم أنقذوهم في صيف 2015، لكن أحد مستشاري الأسد لا يخفي قلقه، ويقول: «نحن لا نتحكم بمسار المفاوضات» على مرحلة انتقالية. ويبدو أن المستشار هذا يخشى أن يتخلى الحليف الروسي عن سيد دمشق.
وفي الربيع، اضطرت الاستخبارات الروسية الى التدخل والطلب من «حزب الله» ودمشق وقف أعمال بنى تحتية عسكرية بدأت الميليشيا الشيعية بحفر أنفاقها على مقربة من الجولان المحتل. فموسكو حريصة على علاقاتها برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وأفلحت في ثني حلفائها عن إنشاء قاعدة خلفية لنزاع مقبل مع تساحال. وتواجه الروس والإيرانيون حول مسألة تعيين حرس الرئيس الأسد، وهو مؤلف من سوريين وإيرانيين.
لكن، أهو انتداب روسي؟ أم سيادة مشتركة روسية – إيرانية؟ مهما كانت الصيغة، لا مناص من قبول الهيمنة الروسية، والأسد لا يسعه المناورة. فهو في حرب، يقول ديبلوماسي عربي في دمشق. وعلى رغم أن الروس قادرون على توجيه دفة الشؤون العسكرية، لن يساهموا في إعادة الإعمار. وفي الأشهر الأخيرة، سرعت موسكو وتيرة خططها العسكرية لتضع دونالد ترامب أمام الأمر الواقع، قبل استلامه مقاليد الحكم. وسعت موسكو الى إرضاء حلفائها الأكراد، فأعدت دستوراً جديداً وسمته بدستور الجمهورية السورية، وليس الجمهورية العربية السورية. وفي طرطوس، يحوّل الجيش الروسي المنشآت العسكرية الى قاعدة بحرية دائمة، وهو نشر الدرع المضادة للصواريخ أس – 300 في حميميم لتكمل عمل منظومة الصواريخ «أس – 400». ويسعى بوتين الى تحييد دول الجوار. فهو استمال مصر، وفاز بصمت الأردن وإسرائيل مقابل تحييد «حزب الله»، وفاوض الأتراك على تغيير سياستهم في الصيف الماضي. و»من قاعدة حميميم، رصدت الاستخبارات الروسية معلومات مفيدة عن محاولة الانقلاب على أردوغان سلّمتها الى الأتراك»، يقول الديبلوماسي العربي. لكن إبعاد أنقرة وتحييدها ليسا مضمونين، على رغم أن الأتراك وعدوا الروس بألا يتجاوز تدخّلهم في سورية 12 كلم»، يقول مقرب من الأسد. لكنهم نكثوا بوعدهم والثوار يتقدمون نحو الباب.
* مراسل، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 24/11/2016، إعداد منال نحاس