– تأثير الروح القدس في النفس… (القديس كيرلُّس الأورَشليمي 380 م )
* ♰ *
إن الروح القدس يعمل كلَّ شيءٍ للخير وللخلاص. إنَ مجيئه لطيف، والشعور الذي يثيرُهُ عذبٌ، ونيرهُ خفيف. تسبقُ مجيئه أشعَّةٌ من النور والمعرفة. إنه يأتي بأحشاء مؤّيِدٍ حقٍّ، لأنه يأتي ليُخلّص ويشفي، ليُعلِّم ويُحذِّر، ليُقوّي ويُعزّي، ليُنير العقل.
إنَّه يُنيرُ عقلَ من يتقبّلُهُ وبواسطةِ عقولِ الآخرين. وكما أنّ الذي يكونُ في الظلامِ ويفتحُ عينيهِ فجأةً على ضوء الشمس، يرى بوضوحٍ ما لم يكن يراهُ من قبلُ، كذلك الذي يسكُنُ فيه الروحُ القدس، تستضيءُ نفسه ويرى أشياء تفوقُ مرأَى الإنسان، ولم يكن يعرفها. إن جسدهُ على الأرض، لكنَّ نفسَهُ تعكس السماواتِ كالمرآةِ فترى:
- كما رأء أشعيا: الرب جالساً على عرشٍ عالٍ” (أشعيا 6/ 1)؛
- وكما رأى حزقيال: “الذي على رؤوس الكيروبيم”. (حز 10/ 1)؛
- وكما رأى دانيال: “ربواتِ ربواتٍ وألوفَ ألوف”. (دانيال 7/ 10)؛
والإنسان هذا الكائن المُتناهي والصغير، يرى بدايةَ العالمِ ونهايته، والأوقاتَ التي تَتَوسَّطُهُما، ويعرفُ تعاقُبَ الممالك. وهي كُلُّها أشياء لم يتعلمها، لأن المُنير الحقّ حاضرٌ فيه. تحيطُ الأسوارُ بالإنسان، لكن عقله يذهب به الى بعيد، فيرى ما يحدُث عند الآخرين.
واحدٌ هو الروح القدس المُعزّي. كما أن الله الآب واحدٌ وليس هناك آبٌ آخر، كما أنّ الإبنَ الوحيدَ واحدٌ، كلمةُ اللهِ، وليس لهُ أخٌ، كذلك الروحُ القدسُ واحدٌ، وليس هناك روح قدسٌ آخرُ مُساوٍ لهُ في الكرامة.
فالروح القدس هو كليّ القدرة، ذاتٌ الهيةٌ فائقةُ الإدراك. هو حيٌّ وذاتٌ روحيّة، يقدّس كلَّ الأشياء التي خلقها الله في المسيح.
- هو الذي ينير نفوسَ الأبرار؛
- هو الذي تكلّم في الأنبياء والرسلِ في العهد الجديد.
- فلنمْقُت الذين يجرأون على تقسيم نشاط الروح القدس. إلهٌ واحدٌ الآبُ سيِّدُ العهدينِ القديم والجديدِ؛ وربٌّ واحدٌ، يسوع المسيح، الذي تنبأَ عنه العهد القديمُ وظهرَ في العهدِ الجديد؛ وروحٌ واحدٌ قدّوسٌ، بَشَّرَ بواسطةِ الأنبياءِ ما يخصُّ المسيح. ولما جاء المسيحُ نزلَ عليهِ وأعلنهُ (متى 3/ 16).
(العظة 16) (زمن القيامة المجيدة – الكسليك، لبنان 1997)