25 أيار هذا اليوم المشرق في تاريخ لبنان والمنطقة وأحرار العالم، الذي دحض مع إنبلاج فجره، كل النظريات، والأمثال الإنهزامية البالية، “كالعين لا تقاوم المخرز”، و”قوة لبنان بضعفه، وسواها، بل ثبت فيه بما لا يرتقي الى مستوى الشك، “أن الدم ينتصر على السيف” و”أن قوة لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته”، وأن المقاومة بالدرجة الأولى، هي فعل إرادة لدى الشعوب المظلومة، التي تقاوم إحتلال أراضيها، والهيمنة على قرارها، ومحاولة “تدجين” هذه الشعوب”، وضرب عزيمتهم، وتغيير ثقافتهم، وإذكاء الفتن المذهبية بين مكوناتهم، لإشغالهم عنه.
وهذا ما سعى إليه العدو الإسرائيلي إبان إحتلاله لبنان، ولايزال يسعى ومن خلفه الى ذلك، في سبيل إستمرار حماية كيانه الغاصب، وديمومة بقائه، من خلال ضرب ثقة شعوب المنطقة بالمقاومة، وتشويه صورتها. هذا باعتراف جهة رسمية في الإدارة الأميركية الأكثر دعماً “لإسرائيل”، يوم أقر السفير الأميركي الأسبق في بيروت جيفري فلتمان أمام الكونغرس الأميركي، أن تم صرف 500 مليون دولار، على بعض وسائل الإعلام، و “قادة الرأي” لتشويه صورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعدما فشلت إدارته، واتباعها في المنطقة، في إسقاطه عسكريا، خلال عدوان تموز، 2006 على سبيل المثال لا الحصر.
ولكن التجارب التاريخية أثبت دوماً إنتصار حركات المقاومة في العالم على القوى العاتية والطاغية، وكان أبهى هذه التجارب إنتصار المقاومة على الإحتلال الإسرائيلي في لبنان، وأسهم في ذلك، إحتضان شعبها، ومساندة جيشها، ودعمه لها، رغم كل المؤامرات، التي حاكها بعض الساسة اللبنانيين، لإنهائها، بل لحرقها بواسطة “lance flame”، الذي يستخدم لحرق العشب وما شاكل، بحسب “أوامر” رئيس حكومة أسبق، لقائد الجيش اللبناني في تسعينيات القرن الفائت، العماد إميل لحود، باعث المعادلة الذهبية: “شعب وجيش ومقاومة”، كأجدى إستراتجية دفاعية، لحماية لبنان، التي ثبت عملانياً نجاحها، وفاعليتها.
هذا القائد إبن العائلة السياسية المارونية العريقة في جبل لبنان، الذي لم يستهوه العمل السياسي منذ شبابه، بل وجد في الجيش، المكان الأنجع، لترجمة قناعاته، وتحقيق طموحه، وما قبل تسلمه قيادة الجيش، لم يقم أي حساب للمكاسب، و”التوازنات السياسية”، و”الطائفية”، القائمة في البلد اليوم، بل كان نصب عينيه بناء جيش لا طائفي، عقائدي، مناقبي، وقوي، عدوته، “إسرائيل”. هذه القناعات والمبادىء، الذي نشأ عليها، وآمن بها في حياته العسكرية، شكلت العائق الأساس، في وجه “مشاريع” المتآمرين على المقاومة في الداخل والخارج، خصوصاً يوم رفض تعليمات رئيس الحكومة، والقرارات الإقليمية والدولية بضرب المقاومة في العام 1993، والسبب الوحيد أنها تخالف قناعاته، وضميره، وفضل الإستقالة من الجيش، من دون أن تربطه أي علاقة مباشرة مع قادة هذه المقاومة، والقيادة السورية في دمشق في حينه، التي وثقت فية وفي تطلعاته ورؤيته الوطنية، خصوصاً بعد إجراءه عملية دمج ألوية الجيش اللبناني في العام 1991.
المقاوم الأول العماد لحود، هذا القائد الإستثنائي في تاريخ لبنان، وضع كل حسابات الربح والخسارة السياسية، والطموح جانباً، والدافع الوحيد لإتخاذه قرار دعم المقاومة وحمايتها، هي إذا قناعاته الوطنية، رغم حجم الهجوم الكبير والمؤامرات التي كانت تحاك ضدها، ولكن بالإرادة الحرة، والعزم والتصميم، تحقق النصر التاريخي في 25 أيار من العام 2000، بإسهام كبيرٍ من فخامة المقاوم، كما لقّبه السيد نصر الله. وتحمل بعدها الرئيس إميل لحود، أعتى الحملات السياسية والإعلامية، التي إستهدفته، وعائلته، خصوصاً غداة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، فتحملها بصدره، ولم يتزحزح قيد أنملة عن نهجه.
وفي المناسبة، وبعد غرق معظم الأفرقاء السياسيين، في الحسابات السياسية، الرئاسية والوزارية، والنيابية، وإغراق البلد معهم، كم يحتاج لبنان راهناً، قادة من أصحاب القرارات الحرة، للتصدي لمؤامرات التي تستهدفه، وفي طليعتها عرقلة عودة النازحين السوريين الى بلادهم، ومحاولة فرض توطين اللاجئين الفلسطينين في لبنان، بعد ضرب بنيته الإقتصادية والمالية. واليوم نستلهم من هذه الذكرى المباركة، أنه حين تتوافر إرداة شعوب حرة، يلاقيها حرية في القرار، وثبات في الموقف من قادةٍ أحرار، تسقط عندها كل أشكال المؤامرات والعدوان.
-الثبات-