– ترامب مزق الاتفاق النووي ويريد إبرام اتفاق آخر مع إيران
***
أكد الكاتب والمحلل السياسي المحامي جوزيف أبو فاضل أنّ “مخطط إشعال الحرب في سوريا كان يهدف إلى تدمير وتهجير الشعب السوري وتدمير التعليم والمصانع والآثار التاريخية ودور العبادة والمعامل والمصانع بهدف تفتيت سوريا، وتقدر خسائر الحرب بأربعين مليار دولار ولكن سوريا لم تستسلم لأن فيها قيادة وشعبا وجيشا لم يفرطوا بالأمانة”.
واعتبر أبو فاضل “أننا ما زلنا في الحرب، لكننا نقترب من النصر أكثر فأكثر، ولكن لا تزال أمامنا مسافة طويلة تبعدنا عن هذا الانتصار، فالأعداء يريدون تمرير صفقة القرن التي كثر الحديث عنها في العالم، وهي تقوم على الأسس التالية: إلغاء حق العودة نهائياً للفلسطينيين، القدس عاصمة لإسرائيل والضفة الغربية جزء من إسرائيل، والدولة الفلسطينية هي في غزة وسيناء”.
وخلص إلى “أننا اليوم على أبواب حرب جديدة، لكنها ستكون الحرب الأخيرة التي تحقق الانتصار الكبير، الذي سيقضي على صفقة القرن ويعيد رسم خطوط المواجهة الفعلية، وإن انتصارنا في سوريا في المستقبل القريب وانتصار إيران في حربها وصمودها مع أميركا سيكون بداية النهاية لإسرائيل، وهناك أجيال وأجيال من المجاهدين سيجتازون الحدود إلى قلب القدس، وهذا الأمر قد يعتقده البعض حلماً، لكنه حقيقة”.
كلام أبو فاضل جاء خلال لقاء حواري استضافه مركز باسل الأسد الثقافي الاجتماعي في بعلبك، لمناسبة “ذكرى النصر والتحرير”، تحت عنوان “رباعية القطب ودور انتصار سوريا والمقاومة في إعادة بنية النظام الدولي”، في حضور وزير الخارجية جبران باسيل ممثلاً بطوني روفايل، راعي أبرشية بعلبك للروم الكاثوليك المطران الياس رحال، النائب السابق كامل الرفاعي، محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر ممثلاً برئيس قسم المحافظة دريد الحلاني، وفعاليات سياسية واجتماعية.
وفي ما يلي نصّ المحاضرة:
حرب واحدة بوجوه كثيرة
قدرنا أن نولد ونحيا في هذه الأرض الطبيعية، أرض القداسة والإيمان والعطاء والخير، أن نعيش على التراب الطاهرة للسهول والقمم نتنشَق دائماً وأبداً عبير العزة والكرامة، لأننا من هذه الأرض التي اصطفاها الله على سائر الأكوان فخصها برسالته السماوية، التي أوحت لمفكرين وعباقرة فخطوا لنا طرقا في الإصلاح والتقدّم والرقي. فهي مسيرة مستمرة منذ الأزل وستستمر إلى الأبد.
ولأن بلادنا هكذا فقد كانت على الدوام هدفاً للطامعين والغزاة يسعون الى احتلالها والسيطرة عليها واستعبادنا كأحرار فكان أيضاً قدرنا أن نقاتل دفاعاً عن حقّنا فيسقط منا الشهداء والجرحى ونستمر حتى النَصر العظيم.
من أين أبدأ من المغول أو الصليبيين أو المماليك أو العثمانيين وصولا إلى الفرنسيين والإنكليز والأميركيين والإسرائيليين، إنها حرب واحدة بوجوه كثيرة، فنحن واحد أبناء أرض واحدة ومسيرة واحدة، أبناء أمَة عربية واحدة، وهم عدو واحد بأقنعة كثيرة.
كيف بدأ تشكّل المحور المقاوم؟
فمع استبدال الاحتلال العثماني بالاحتلال الفرنسي – البريطاني وتقاسم النفوذ بين سايس وزميله بيكو في تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة وتمهيد الطريق أمام تحقيق وعد بلفور في إنشاء الكيان الصهيوني الغاصب للأرض المقدسة، كانت لنا وقفة وثورة أرغمتهم على الانسحاب لكنهم كرسوا دولتهم الغاصبة التي استطاعت نتيجة تخاذل معظم الزعماء والحكّام العرب على الاستقواء والعدوان حتى كانت حرب تشرين المجيدة عام 1973، الزعيم الراحل حافظ الأسد، الذي أفهم كل أعداء هذه الأمة أن هناك قائد وأمة لن تتهاون بعد اليوم عن حقِها في استعادة الأرض العربية السليبة.
من هنا بدأ تشكُل المحور المقاوم السوري – الفلسطيني – اللبناني، الذي استمد زخمه وقوته مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فزالت سفارة إسرائيل في طهران، وحلَت مكانها سفارة فلسطين.
وفي ظل هذا المحور اللبناني- السوري – الإيراني ولدت المقاومة التي أرغمت إسرائيل وعملائها على الانسحاب من جنوب لبنان، وسطرت بذلك أروع ملحمة بطولية شهدتها أمَتنا في عصرنا الحديث.
زمن الهزيمة ولّى
فقد تكرَسَ فعلا لا قولا تحالف بالدم اللبناني – السوري، وأعلنها صريحة واضحة الرئيس الراحل حافظ الأسد أن زمن الهزيمة قد ولَى وأن زمن الانتصار قادم بفضل هذا التحالف الذي لم ولن تنجح قوى العدوان بفك أواصره وروابطه، فأغمض عينيه مطمئناً أن المسيرة ستستمر وأن خليفته الدكتور بشار الأسد سيكون في الموقع والموقف جنبه إلى جانب المقاومة البطلة.
ولم تطل السنوات حتى جاءت حرب تموز 2006، ليعلن الرئيس الأسد وقوفه قولا وفعلا إلى جانب المقاومة، ولم يبخل بأي شيءٍ من أجل الدفاع عن هذه المقاومة.
فكانت شحنات الأسلحة تعبُر الحدود السورية اللبنانية فتمدُ هذه المقاومة بكل ما تحتاجه وتعرض يومها الرئيس الأسد وسورية لشن أنواع المغريات والتهديدات في آن معاً “أن أوقفوا دعم المقاومة ولكم ما تريدون وما ترغبون”، ولمّا فشلوا عادوا إلى التَهديد والوعيد “بأنَ دعمكم للمقاومة سيرتد عليكم سلباً وستكون سورية هدفاً للحرب القادمة”.
من انتصار إلى آخر
لكن القائد الرئيس بشار الأسد، وشعبه وجيشه العربي السوري وحزبه كانوا كرجال هللا في الميدان “ما بدلوا تبديلا فكان النصر المؤزر والعظيم في حرب تموز واندحر العدو الإسرائيلي وكل من دعمه من قوى الشر والعدوان والرجعية العربية، فأيقنت إسرائيل ومن يقف وراءها أن المقاومة أصبحت ركناً رئيسياً وأساسياً في هذا الصراع ومن الصعب ترويضها وكسرها.
فالمقاومة لم تخض مغامرة كما وصفها بعض الحكام العرب بل خاضت حرباً إستراتيجيّة بدلت قواعد الصراع العربي الإسرائيلي، “فولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصار”، كما قال سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.
فهذا الانتصار كان انتصاراً لسورية – الأسد وانتصاراً للبنان بثلاثيته الذهبية لا بل الماسية (الجيش – الشعب – المقاومة) الذي ساند بمعظمه هذه المقاومة وحصَنها لا سيما من خلال “تفاهم مار مخايل” بين زعيم ومؤسس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون وسماحة السيد حسن نصر الله، الذي حمى المقاومة ومنحها الغطاء الوطني الإسلامي – المسيحي الشّامل، والذي توَج بانتصار آخر عنيت به انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية ليقود رغم كل العقبات والعراقيل والتهديد والوعيد مسيرة إعادة بناء الدولة ومحاربة الفساد والتمسّك بحق لبنان وبمقاومته حتى تحرير أرضنا المحتلّة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي هي لبنانية شاء من شاء وأبى من أبى.
خمس سنوات من الحشد والتحريض
في تلك اللحظة التاريخية المجيدة في انتصار تموز 2006، بدأ التخطيط والإعداد للحرب والعدوان على سورية لكسرها وتدميرها لأنها وقفت إلى جانب المقاومة. ولأنهم اعتقدوا أيضاً أن تدمير سورية سيمكّنهم في حرب قادمة من تدمير المقاومة بعد انتصارهم على سورية.
خمس سنوات من التخطيط والحشد والتحريض بكافة الوسائل … فكانت حرب على سورية على شعبها وأرضها وجيشها وعلى شجرها وبنيانها، اعتقدوا أن هذا العدوان الهمجي الكبير سيمكنهم من الانتصار في غضون أسابيع وأشهر، فتوقعوا انتصاراً في حزيران ثمَ في نهاية العام ثمَ في حزيران وهكذا إذا لم يكن في حزيران سيكون في نهاية العام.
فاليوم بعد انقضاء ثماني سنوات على تلك الحرب الهمجية صمدت سورية، واستمرّت الدّولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد والجيش السوري مدعوماً من المقاومة ومن إيران ومن روسيا وفشلوا في مخططهم.
سورية لم تستسلم
لقد نجحوا في تهجير الشعب السوري وتشريده وتدمير المكتسبات الخدماتية والاجتماعية الصّحية والتعليميّة التي أرستها الدولة السورية منذ العام 1970، وبالسنوات اللاحقة، لقد دمروا البنيان والمصانع والمعامل وسرق بعضها السلطان العثماني حيث قدّرت خسائر هذه الحرب بأربعمئة مليار دولار.
لكن سورية لم تستسلم، برغم كل هذه الخسائر البشرية والمادية المرهقة، لأن هناك قيادة وشعباً وجيشاً يدركون الأمانة التي بين أيديهم فلم يفرطوا بها مهما غلت التضحيات.
أمّا المقاومة من جهتها ردّت الجميل والواجب فكان مجاهدوها جنباً إلى جنب مع جنود الجيش العربي السوري البواسل يسقط منهم الشهيد تلو الشهيد ولا يبالون، بل كلما سقط شهيد زادوا عزماً وقوّة في مواجهة العدوان التكفيري – الإرهابي الذي هو وليد الصهيونيّة وإسرائيل. فالحرب واحدة والعدو واحد بوجوه مختلفة.
روسيا استعادت زمام المبادرة
أما إيران، فكانت كما هي دائماً وأبداً إلى جانب كل من يسعى لتحرير القدس فكانت جسراً لتزويد الجيش العربي السوري في كل ما يحتاجه، والتخفيف من معاناة الشعب السوري اجتماعياً وخدماتياً وهذا ما أزعج مؤخراً بعض العربان المتحالفين مع أميركا ففرضوا حصاراً نفطياً على سورية.
أّما روسيا، فقد استعادت زمام المبادرة وأدركت موقعها ودورها في هذا الصراع الإستراتيجي – العالمي. فوقفت دعماً لسوريا عسكرياً وسياسيًّا وأمميًّا…
وهي تسعى لتعديل الموقف التركي العدائي تجاه سورية، حيث بدأت تركيا تدرك أنّ العدائية تجاه سورية – الأسد، ترتد عليها أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وبالتّالي أصبحت مدركة للجريمة الخطيرة التي ارتكبتها بحق سوريا وشعبها وقيادتها.
نقترب من النصر
نحن اليوم لا نزال في الحرب لكننا نقترب من النصر أكثر فأكثر، ولكن لا تزال أمامنا مسافة طويلة تبعدنا عن هذا الانتصار، فالأعداء يريدون تمرير صفقة القرن التي كثر الحديث عنها في الإعلام وهي تقوم على اسس ثالث:
1- إلغاء حق العودة نهائياً.
2- القدس عاصمة لإسرائيل والضفة الغربية جزء من إسرائيل.
3- الدولة الفلسطينية هي في غزة وسيناء وإليها ينقلُ فلسطين إسرائيل والضفة الغربية.
صيف على درجة عالية من الحرارة
وبعد هذه الأسس الثلاث تكون قد انتهت القضية الفلسطينية وانتهت فلسطين، ولتمرير صفقة القرن هذه يجب استمرار الحرب على سورية – الأسد وإضعافها، وكذلك يجب إضعاف المقاومة ومحاصرة إيران بعد تمزيق الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاتفاق النووي وتشديد وزيادة العقوبات على إيران.
استناداً إلى هذا أنا شخصياً لا أتوقّع صيفاً ملتهباً. ولكنّه سيكون على درجة عالية من الحرارة، التي قد تصل في مرحلة معينة إلى اشتباكات محدودة بين إيران والولايات المتّحدة الأميركية، وقد بدأنا نشهد في الأيام الماضية بعضاً من ملامحها، فتمرير صفقة القرن لن يتحقّق إلا بإضعاف هذا الحلف بين إيران وسوريا والمقاومة.
ولكنه حلف أثبتت الوقائع العسكرية والإستراتيجية والسياسية منذ حرب تموز 2006، والحرب الكونية على سورية اليوم. إنّه حلف من القوة بمكان بحيث يصعب كسره وهزيمته.
الحرب الأخيرة التي تحقق الانتصار الكبير
نحن اليوم إذن على أبواب حرب جديدة، لكنها ستكون الحرب الأخيرة التي تحقِق الانتصار الكبير، الذي سيقضي على صفقة القرن ويعيد رسم خطوط المواجهة الفعلية. فإسرائيل لن تكون دولة قادرة على التوسع والعدوان، بل ستكون مجرد كيان غاصب لأرض لن يتمكّن من الاحتفاظ بها لعقود قادمة.
فانتصارنا في سورية في المستقبل القريب وانتصار إيران في حربها وصمودها مع أميركا سيكون بداية النهاية إسرائيل وهناك أجيال وأجيال من المجاهدين سيجتازون الحدود إلى قلب القدس، وهذا الأمر قد يعتقده البعض حلماً بل هو حقيقة، لقد رأيناها في أيار عام 2000، حيث كانوا الجنود الصهاينة المدجَجين بالأسلحة المحروسين بالدبّابات وتحميهم الطائرات، يفرّون أمام المقاومين الذين لا يعملون شيئاً سوى الإيمان بأرضهم وحقهم.
فهذا الانتصار الذي تحقق في 25 أيار من العام 2000 هو الذي أسس لانتصار تموز 2006 ويؤسس لانتصار قريب في سوريا على كل قوى الإرهاب والتكفير والعدوان، وعلى هؤلاء الذين يخططون في هذه الأيام للإعلان عن صفقة القرن أن يستيقظوا لأننا في شهر أيار، وأننا في عصر قادته بشار الأسد وحسن نصر الله ولّت فيه الهزائم وجاءت الانتصارات.