– هيا بنا. أنتم كلكم، حددتم مصيركم..
* ♰ *
بطرس الذي يتكلم باسم الجميع: “يا معلّم، أنت تعلم أنك لا تزال المعلّم بالنسبة إلينا، لكن المسألة اننا منذ أمس مثلَ شخصٍ تلقى ضربة كبيرة على رأسه. كل شيءٍ يبدو أنه كان لنا حلماً. وأنت، نرى ونعلم أنك حقاً أنت، إنما تبدو لنا.. كأنك غدوت بعيداً.. منذ اللحظة التي تحدثت فيها إلى أبيك قبل أن تُنادي لعازر، ومنذ اللحظة التي أخرجته فيها من هناك، مربوطاً على تلك الصورة، بسبب مشيئتك وحدها، وجعلته فيها حيّاً بقوة قدرتك وحدها. إنك تُخيفنا تقريباً. إنني أتكلم عن نفسي… لكنني أعتقد بان الأمر هكذا بالنسبة الى الجميع.. الآن بعد ذلك.. هذا الرحيل السريع جداً والغامض جداً.
يسوع: أبكم خوفٌ مضاعف؟ أتشعرون بأخطر أكثر تهديداً. ألا تملكون، أتشعرون بأنكم لا تملكون قوة مواجَهة المِحن الأخيرة والتغلُّب عليها؟ أَفصحوا عن ذلك بأكبر حرية. إننا لا نزال في اليهودية. اننا قرب الطرق الواطئة إلى الجليل. يستطيع كلّ واحدٍ أن يذهب إذا أراد ذلك، ويرحل في الوقت المُناسب لئلا يتعرّض لحقد المجلس الأعلى..”.
هذه الكلمات تهزّ الرسل، فيجلس مَنْ كانوا مُمدَّدين تقريباً على العشب الذي دفأته الشمس؛ وينهض الآخرون الذين كانوا جالسين.
يسوع يتابع: المسألة هي أنني المُضطَّهد الشرعي بدءاً من اليوم. إعلموا هذا. ففي هذه الساعة، سوف يقرأون في معابد أورشليم الخمسمئة وأكثر، وفي معابد الموت التي أمكنها تلقّي القرار الصادر أمس في الساعة السادسة.. واجب إبلاغ المجلس الأعلى عني لأُوقَف…”
الرسل يصيحون كأنهم كانوا يرونه مقبوضاً عليه. يوحنا يتعلّق بعنقه نائحاً: آه، لقد توقّعت هذا دوماً!! وينتحب بصوتٍ عالٍ جداً. البعض يحتدّون ضد المجلس الأعلى، ويبتهل آخرون إلى العدالة الإلهية، ويبكي آخرون، ويلبث آخرون مثل تماثيل.
يسوع: إصمتوا. أنصتوا. انني لم أخدعكم أبداً. لقد قلت لكم الحقيقة دوماً. ودافعت عنكم وحميتكم حين أمكنني ذلك. وجودكم قربي كان مُفرحاً مثل وجود الأبناء. انني لم أُخفِ كذلك ساعتي الأخيرة عنكم… أخطاري… آلامي. لكنها كانت أموراً تخصّني حصراً… إفترضوا بما أنني أحلّكم من كل التزامٍ نحو الله ومسيحه. إفترضوا أننا التقينا تواً هنا للمرة الأولى، وأنكم قدّرتم، بعدما أنصتّم إليَّ، إن كان يُناسبكم أم لا أن تتبعوا الإنسان المجهول الي أثّرت أقواله فيكم. تصوروا أنكم تسمعونني وتَرونني للمرة الأولى، وأنني أقول لكم: إنتبهوا إلى أنني مُضطهَد ومكروه، وإلى أن مَنْ يُحبّني مُضطهد ومكروه مثلي، في شخصه، في مصالحه، في مشاعره. انتبهوا إلى أن الإضطهاد يمكن أن ينتهي حتى بالموت ومُصادرة الأموال العالية. فكروا، قرروا. وسوف أُحبّكم سواء بسواء، حتى لو قلتم لي: يا معلّم، ما عدت أستطيع أن آتي معك. أَتغتمّون؟ لا، يجب ألا تفعلوا.
نحن أصدقاء طيّبون يُقرِّرون بسلامٍ وحُبٍّ ما ينبغي أن يُفعل، بمحبة وشفقة متبادلة. أنا لا أستطيع ترككم تمضون الى المستقبل من دون أجعلكم تُفكرّون. إنني لا أستخفّ بكم. انني أُحبّكم كلّكم، لكني المعلّم. من الواضح أن المعلّم يعرف تلاميذه. أنا الراعي، ومن الواضح أن الراعي يعرف خرافه. انني أعلم أن تلاميذي يمكن أن يضعفوا أو لا ينتصروا على الأقل مثل رياضيين في ملعبٍ، وقد أقتيدوا إلى إختبارٍ من دون أن يكونوا مُعدّين له ما يكفي، ليس فقط في الحكمة الآتية من المعلّم، والتي هي صالحة وكاملة، بل أيضاً في التفكير الذي يجب أن يأتي منهم… يجب أن أقول لخرافي: “ها إنني أتقدّم الآن في بلاد ذئابٍ وعقبان، فهل تملكون قوة الذهاب وسطها؟ يمكنني أن اقول لكم أيضاً.. أُطمئنكم وأُؤكد لكم إن ما من أحدٍ منكم سيسقط بيد الجلادين الذين سيُضحّون بحَمَل الله…
يسوع يضيف: كنت أقول لكم، سابقاً: “لا تخافوا من يقتلون. كنت أقول لكم: “من يلتفت إلى الوراء، بعد ان يضع يده على المحراث، ليتأمل الماضي وما يمكنه أن يخسره أو يكسبه، ليس جديراً برسالتي”. لكنها كانت قواعد لأُعطيكم قَدَر ما معنى أن تكونوا تلاميذي، وقواعد للمستقبل.. – اتحدث عن روحكم – لا تزال قليلة للغاية بالنسبة إلى عِظَم التجربة. آه لا تفكروا في قلبكم: لقد أغضبنا المعلّم! فأنا لست غاضباً. لا تغضبوا من ضعفكم. ففي كل الأزمنة الآتية، سيكون بين أعضاء كنيستي، خرافاً كما رعاة عبدة أوثان ومؤمنون عبدة أوثانٍ أكثر من رعاة حقيقيين ومؤمنين حقيقيين.
يسوع يكمل: أحقاب كسوفٍ لروح الإيمان في العالم. إنما كسوفٌ ليس موت نجم… بعد ذلك، يعود جماله الى الظهور، ويبدو اسطع. هكذا سيكون أمر حظيرتي. أقوللكم: فكّروا. أقوللكم ذلك معلماً، راعياً، وصديقاً. انني اترككم تُناقشون في ما بينكم بكل حريّة. وأمضي إلى هنالك، الى ذلك الدّغل، لأصلي. واحداً، واحداً، تأتون لتقولوا لي رأيكم، وأنا أُبارك استقامتكم الصادقة مهما كانت. وسوف أُحبكم لأجل ما منحتموني حتى الان. وداعاً. ينهض ويمضي.
الرسل المُنذهلون، مُرتبكون، مُضطربون. في البدء، لم يعودوا يُحسنون حتى الكلام، ثم يقول،
بطرس أولاً: لتَبتعلني الجحيم، إن رغبت أنا في تركه! انني واثق بنفسي. حتى لو هاجمتني كل الشياطين التي في جهنم، واللوياثان على رأسها، لن أبتعد عنه بدافع خوف!”.
فيليبس: وأنا كذلك. أعليّ أنا، أن أكون أدنى من بناتي؟
يهوذا الإسخريوطي يقول بوقاحة: أنا متأكد من أنهم لن يفعلوا له شيئاً. إن المجلس الأعلى يُهدِّد، لكنه يفعل ذلك ليُقنع نفسه بأنه لا يزال موجوداً. انه يعلم أولاً أنه لا شيء إن لم تُوافق روما على ذلك. إداناته! روما هي التي تدين”.
اندراوس ملاحظاً: لكنه لا يزال المجلس الأعلى، بالنسبة الى الشؤون الدينية.
بطرس يحذّر بتهديد: أَأنت ربما خائف، يا أخي؟ انتبه إلى أن لا جبناء أبداً في العائلة.. (يشعر بأن في قلبه ميلاً الى الخصام).
اندراوس: لست خائفاً، وآمل بالتمكُّن من إثبات ذلك. لكنني أُبدي رأيي ليهوذا الإسخريوطي.
يهوذا: معك حق. لكن خطأ المجلس الأعلى هو إبتغاؤه استخدام السلاح السياسي لئلا يُلمِّحوا هم، ولئلا يُقال لهم أنهم رفعوا يدهم على المسيح. أنني اعلم ذلك بيقين. هم يوّدون أو بالأحرى كانوا ليرغبون في إيقاع المسيح في الخطيئة، ليجعلوا منه مادةً إزدراء بالنسبة الى الجميع. أما قتله، هم؟ هِهّ لا! إنهم يخافون! خوفاً لا يمكننا مُقارنته بخوفٍ بشري، لأنه خوفٌ نفسي. إنهم يعلمون جيداً، أنه هو المسيح المنتظر!.. يبحثون عن حجة ليكون الوالي، لتكون روما التي تقتله. لكن المسيح لا يُؤذي روما، وروما لن تُؤذيه. وعبثاً يُصيّح المجلس الأعلى”.
إذاً أتبقى معه؟
يهوذا: بالتأكيد اكثر من الجميع!
الزيلوتي يقول: أنا ليس لديّ شيء أخسره أو أربحه بالبقاء أو بالرحيل. لديَّ فقط واجب أن أحبّه. وسأفعل ذلك.
نتنائيل: أنا أعترف بأنه المسيح المُنتظر، وبالتالي أتبعه.
يعقوب زبدى: أنا أيضاً، أُؤمن به هكذا، بما أن يوحنا المعمدان دلّني إليه على أنه هكذا.
يهوذا تادِّيوس: نحن أخواه. نجمع إلى الإيمان حُب الدم. أليس كذلك يا يعقوب.
يعقوب حلفى يجيب: هو شمسي منذ أعوام. أنني أتبع سيره. وإذا سقط في الهوّة التي حفرها أعداؤه. فسوف أتبعه.
متى: وأنا ايمكنني أن أنسى أنه إفتداني؟
توما: ان أبي سوف يلعنني سبعاً وسبعَ مراتٍ إذا تركته. وعلى كلّ حالٍ، لن أنفصل أبداً عن يسوع، حُبًّا بمريم على الأقل”.
يوحنا لا يتكلّم، ويلبث خافض الرأس، مُضني. الآخرون يعتبرون موقفه ضعفاً، وكُثُرٌ يسألونه.. وأنت؟ أَأنت تُريد الرحيل؟
يوحنا يرفع وجهه، الشديد النقاء أيضاً في وضعه ونظراته، ويقول مُحدّقاً في مَن يسألونه، بعينه الزرقاوين الفاتحتين، الصافتين: “كنت أصلّي لأجلنا، كلّنا، لأننا نريد أن نفعل ونقول، ونُعوّل على أنفسنا، ولا نُدرك ونحن نفعل ذلك أننا نشكّ في أقوال المعلّم. فإذا قال هو أننا لسنا مُعدّين، فتلك علامة على أننا لسنا كذلك. وإذا لم نكن مُعدّين بعد 3 أعوام، فلن نكون كذلك خلال بضع أشهر…
الرسل: ماذا تقول؟ خلال بضع أشهر؟ وما أدراك؟ أأنت نبي يا ترى؟ وينقضّون عليه، كما للومه..
يوحنا: انني عدم.
يهوذا كيريوت يقول حسوداً: إذاً؟ ماذا تعلم؟ أهوَ قال لك ذلك، ربما؟ انك تعرف دوماً أسراره..
يوحنا: لا تحقُدْ، يا صديقي، إذا كنت أُحسِن إدراك ان الزمن الزمن المُشرق انتهى. متى سيكون ذلك؟ لا أعلم. أعلم أن ذلك سيكون. هو يقول ذلك. كم مرةٍ قال ذلك! نحن لا نريد أن نصدّق. لكن حقد الآخرين يُثبّت أقواله.. وأُصلّي إذاً، لأن ما من شيءٍ آخر ينبغي فعله. الصلاة الى الله ليجعلنا أقوياء. ألا تذكر يا يهوذا، أنه قال لنا… كلّ قوة تأتي من الله. إنني أقتدي بمعلمّي..
بطرس: لكنك في الخلاصة تبقى؟
يوحنا: وإلى أين تُريدني أن اذهب إنْ لم أبقَ معه هو حياتي ومالي؟ لكن بما أنني طفل مسكين، أكثر الجميع بؤساً، أسأل الله، أبا يسوع وأبانا، كل شيء”.
بطرس: قُضي الأمر. إذاً نبقى كلّنا! هيا بنا نقصده. انه حزينٌ بالتأكيد. لكنه ينهض حين يسمع صوت الخطى، وينظر الى خاصتّه الإثني عشر. ينظر إليهم بمظهر وقور وحزين قليلاً.
بطرس، يقول: كُن مسروراً، يا معلّم، فما من أحدٍ منا يتخلّى عنك.
يسوع: لقد قرّرتم سريعاً جداً و…
بطرس: الساعات أو القرون لن تُبدّل فكرنا.
يهوذا يصرّح: ولا التهديدات حُبّنا.
يسوع يكفّ عن النظر إليهم جملةً، ويُحدّق فيهم واحداً واحداً. نظره يُركّز خصوصاً على الإسخريوطي الذي ينظر إليه بثقةٍ بالنفس أكثر من الجميع. ويفتح ذراعَيه بحركةِ إستسلام ويقول: هيا بنا. أنتم كلكم، حددتم مصيركم.
(لحظات مهيبة، أثناء مغادرة يسوع مع تلاميذه مدينة أورشليم باتجاه الحدود اليهودية باتجاه السامرة، افرائيم، ونقل يوسف الرامي سراً ليسوع عزم المجلس الأعلى النهائي لقتله..)
الإنجيل كما كُشف لي أو قصيدة الإنسان – الله للرائية ماريا فالتورتا ، (المجلّد 8 ، العام الثالث من الحياة العامة – ص: 136-141 ؛ ترجمة اسكندر شديد)
* ♰ *
قصيدة الإنسان – الإله / ماريا فالتورتا
Il Poema Dell’ Uomo-Dio / Maria Valtorta
The Poem Of The Man-God
بالفرنسية: (الإنجيل كما أوحي به إليّ) L’Évangile tel qu’il m’a été révélé
ترجمه إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح…
يمكن قراءة كتب ماريا فاتورتا مجاناً بالضغط على الرابط (هنا)