علي فرحات-
محاولة انقلاب فاشلة خاضها خوان غوايدو أمس، لم تكن إلا دليلاً جديداً على قصوره، ومن ورائه واشنطن، في بسط سيطرتهما على فنزويلا. إلا أن الدلالة الأخرى التي أكدتها محاولة الانقلاب هذه، جهل غوايدو والإدارة الأميركية أو تجاهلهما لواقع فنزويلا، وخصوصاً المؤسسة العسكرية فيها.
فوز دو إيغواسو | بخلاف المرات السابقة، كانت واشنطن تعوّل كثيراً على خطة الانقلاب العسكري التي خُطِّط لها بعناية فائقة. خطة كانت تهدف إلى افتعال عنصر المفاجأة المقرونة بمشاهد ذات دلالات عسكرية وسيادية، فيما اقتضت أن يُستفاد من المجموعة العسكرية المحدودة التي استطاع خوان غوايدو إقناع قادتها بمساندته في قلب نظام الحكم. المرحلة الأولى تقتضي إرسال جزء من هذه القوة إلى منزل الزعيم المعارض ليوبلدو لوبيز، وإطلاق سراحه من الإقامة الجبرية ثم التوجه إلى قاعدة كارلوتا العسكرية في كاراكاس. أما المرحلة الثانية، فتفترض احتلال القاعدة المهجورة أساساً، التي تُستخدم في أعمال الصيانة، بينما تتمحور المرحلة الثالثة التي تُعَدّ الأهم، حول إعلان خوان غوايدو السيطرة على الأمور بمشهدية عسكرية لافتة، وإلى جانبه لوبيز، للإيحاء بأن البلاد قد خضعت لسيطرة المعارضة.
لم تمرّ ساعة على بدء هذا السيناريو، حتى خرج مهندس الانقلاب، السناتور الأميركي ماركو روبيو، ليكمل محاولة إيهام الشعب الفنزويلي وقطاعاته الأمنية، فهنّأ صديقه غوايدو، ونشر تغريدة لافتة قال فيها إن «مصير الوطن وشعبه بات بين يديك، لقد حانت لحظة الحرية لإنقاذ بلدك ونيل حريتك». إلا أن مصدراً إعلامياً قريباً من المعارضة أكد، لـ«الأخبار»، أن «أسوأ توقعات واشنطن لم تصل إلى الحقيقة المرة التي تجرّعها غوايدو ومن خلفه، فالأجواء كانت توحي بأن هذه الصدمة ستحقق إرباكاً داخل النظام الحاكم ومؤسسته العسكرية، كذلك ستفتح الباب واسعاً أمام مناصري المعارضة للتوجّه إلى القاعدة العسكرية، لكن القطاعات الشعبية المعارضة فقدت الثقة بزعيمها المتهوّر، ما دفعها إلى التأني في التحرّك». المشهد لم يكن كذلك داخل الأروقة العسكرية الموالية لمادورو، حيث اتُّخذ القرار النهائي بالمواجهة. ساعات قليلة كانت كفيلة بكشف الانقلاب الوهمي، واعتقال الضباط والجنود المشاركين الذين أكد أكثرهم أن مشاركتهم جاءت بناءً على أوامر غير واضحة، وأنهم لم يُبلَّغوا بأي عملية انقلاب على حكومة مادورو.
توعّد مناصرو مادورو بمواجهة الحرب المفروضة على الثورة البوليفارية
حين أُشيع نبأ الانقلاب، الذي نشره وزير الإعلام ودعا فيه الشعب إلى مساندة الجيش في حماية البلاد من الفوضى، احتشد عشرات الآلاف من مناصري الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، أمام القصر الرئاسي في ميرا فلوريس، وجابوا شوارع كاراكاس، مندّدين بما سمّوه «الانقلاب الأميركي ـــ الكولومبي»، ومتوعدين بمواجهة الحرب المفروضة على الثورة البوليفارية. الرئيس مادورو، في أول تغريدة له بعد محاولة الانقلاب، أكد أن القيادة العسكرية متماسكة ووفية للوطن وللدستور، داعياً أنصاره إلى الالتفاف حولها لإفشال المؤامرات على بلاده. خطابه بدا هادئاً أمام عاصفة يقول الأمنيون إنها مرّت بسلام على كاراكاس، وانتهت بهزيمة قاسية لواشنطن وبوغوتا.
محاولة الانقلاب استدعت، أيضاً، ردود فعل إقليمية ودولية، أبرزها الموقف الإسباني الذي عارض الانقلاب، داعياً إلى إجراء انتخابات نزيهة، تلافياً للمزيد من الاضطرابات. كذلك، أدانت كلّ من بوليفيا وكوبا التعرّض للأمن الفنزويلي، وحثّت المكسيك على فتح أفق الحوار بدلاً من توتير البلاد ووضعها أمام منعطفات خطيرة. أما البرازيل، فقد دعت على لسان رئيسها جايير بولسنارو، إلى اجتماع عاجل من أجل التباحث في تطوّرات فنزويلا، فيما علمت «الأخبار» أن القيادة العسكرية البرازيلية أعربت عن استيائها الشديد من تصرّفات الحكومة البرازيلية حيال الملف الفنزويلي، وحذرت وزير الخارجية أرنستو آراووجو من التماهي مع واشنطن في أي عمل عدائي ضد كاراكاس.
يرى أستاذ العلوم السياسية الأميركي، إيان بريمر، أن واشنطن فشلت، خلال الأشهر الماضية، في إسقاط الرئيس مادورو الذي يتمتع بدعم كامل من المؤسسة العسكرية، معتبراً أن «محاولاتها المستمرة ستبوء بالفشل ما لم تكسب هذه المؤسسة إلى جانبها، من خلال رعاية نفوذها ومصالحها في المرحلة المقبلة». حديث تقول المؤسسة العسكرية الفنزويلية إنه يقارب نصف الحقيقة في الوقوف إلى جانب الشرعية الدستورية؛ لكونه لا يراعي التجربة العسكرية الفنزويلية التي لم تتغيّر ولم تتأثر في أصعب الأوقات، ولا بفعل الإغراءات التي تدفّقت عليها منذ اندلاع الأزمة.
-الأخبار-