– العماد عون في مواجهة “الدولة العميقة” (ليلى نقولا)
***
يسود القلق في لبنان مما يعلنه المسؤولون حول تخفيض الرواتب والأجور وإعادة النظر بسلسلة الرتب والرواتب، والإجراءات التقشفية غير الشعبية… وبالرغم من التطمينات، يبقى أن المواطن اللبناني يخشى بشكل كبير مما تحيكه له “الدولة العميقة” في لبنان، والتي لا يتحدث عنها كثيرون وكأنها غير موجودة.
ما هي الدولة العميقة؟ وما هي مكوناتها اللبنانية؟
يعود مصطلح “الدولة العميقة” الى كتاب أصدره موظف في الكونغرس الاميركي مايك لوفغرين بعنوان “الدولة العميقة: سقوط الدستور وظهور حكومة الظل”، الصادر عام 2013، وفيه يعتبر أن هناك حكومتان في واشنطن؛ واحدة ظاهرة وأخرى مخفية. ويعرّف هذه الدولة أو حكومة الظل كما يصفها، بأنها “مجموعة مختلطة من عناصر حكومية وجماعات صناعية ومالية قادرة على حكم الولايات المتحدة الأميركية دون العودة أو الاهتمام بمصالح المحكومين كما هو معبر عنها في العملية السياسية الرسمية”، ويحدد عناصر هذه الدولة الأقوياء، بأنهم” وال ستريت، سيليكون فالي، المجمع الصناعي العسكري، وكالات الأمن القومي”.
وكما في الولايات المتحدة، كذلك في تركيا ومصر، انتشرت مصطلحات “الدولة العميقة” في خضم تطورات سياسية هامة. ففي مصر، انتشر هذا المصطلح للدلالة على القوى التي حكمت مصر لفترة طويلة والتي ساهمت في “الثورة المضادة” التي أطاحت بحكم مرسي. أما في تركيا، فيشير مصطلح الدولة العميقة الى القوى التي ارتبطت تاريخيًا بالحكم العلماني، والتي كانت تحافظ على الحكم السائد وتمنع تغييره بالقوة.
أما في لبنان، فنجد أن الدولة العميقة، تتكوّن بشكل أساسي من المصارف، بالاضافة الى مجموعة من السياسيين التاريخيين يدعمهم رجال دين، أي مجموعات الاقطاع المالي والسياسي والديني، بالاضافة الى مجموعات متغلغلة في الإدارة والأمن والقضاء والاعلام، تمرر لبعضها البعض التلزيمات والصفقات وتمنع أي تغيير أو تهديد يمسّ بمصالحها، فتحرّض في الاعلام وتهدد بالشارع وزعزعة الاستقرار كلما حاول أحدهم المسّ بمصالحها.
من هنا، فإن الخوف اليوم من هذه “الدولة العميقة” بالذات، فوصول الوطن الى هذا المستوى من الانهيار غير المسبوق يعود الى طمع وجشع وسرقات موصوفة قامت بها هذه الفئات، وتحاول اليوم أن تدخل الى عناوين “مكافحة الفساد” لتفرّغها من مضمونها، وتمنع أي قدرة فعلية لقوى التغيير الجديدة من أن تمسّ بمصالحها أو تكشف فضائحها.
منذ وصول العماد عون الى سدّة الرئاسة، تتكالب أطراف الدولة العميقة لإفشال العهد وإسقاطه قبل أن يبدأ، فبدأت حملات منهجية سياسية وإعلامية لزرع الياس في نفوس المواطنين من أي أمل بالتغيير او بمكافحة الفساد، وأتت الاجراءات المالية غير المسبوقة لتكبل الاقتصاد اللبناني، بعدما توقفت القروض الاسكانية، وارتفعت معدلات الفائدة فتوقف كل من الاستهلاك والاستثمار معًا.
في المحصلة، قد يكون بعض الاطمئنان دخل الى قلوب اللبنانيين بعد حديث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وطمأنته اللبنانيين أن لا اقتطاع من رواتب الفئات الفقيرة، وإن الضرائب فقط ستطال من يجب أن تطالهم… ولكن هل يستطيع العماد ميشال عون مواجهة الدولة العميقة ومنعها من هدم الهيكل على من فيه؟ أظن أنه حاز دائمًا على ثقة اللبنانيين، ولن يخذلهم هذه المرة.