من بوابة «تفعيل العلاقات اللبنانية السعودية»، سعت الرياض إلى حلّ إحدى مشكلاتها المرتبطة بالأزمة السورية على حساب لبنان.
فمن خارج مسودة جدول الأعمال الذي أرادت أن تناقشه اللجنة الاقتصادية الفنية المشكّلة من البلدين (عقدت اجتماعاتها في الرياض في العاشر من آذار الحالي)، اقترح السعوديون إضافة بند إلى الجدول يتعلق بإبعاد السوريين المحكومين إلى بلدهم عن طريق لبنان. كان هذا الاقتراح مفاجئاً للوفد اللبناني، الذي سارعت رئيسته المديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس إلى رفض التفاوض بشأنه، انطلاقاً من كونه ليس موجوداً على جدول الأعمال، ولا تملك تفويضاً بشأنه من الحكومة اللبنانية.
وبالرغم من أن موقف عباس أسقط المحاولة السعودية، إلا أن ذلك لم يحل دون التوقف عند هذه الخطوة ومبرراتها وأسبابها. فهل تفعيل العلاقات مع لبنان يتم من خلال إضافة أزمة جديدة إلى أزماته، وخاصة تلك المتعلقة بالنزوح السوري؟ إذ يبدو جلياً أن السعودية، بتصرفها هذا، إنما أرادت أن تفتعل مشكلة في لبنان، أولاً لأنها تدرك أن وصول المحكومين إلى بيروت لا يلزم سوريا بالموافقة على استقبالهم، وثانياً لأنه لو كانت سوريا موافقة على استعادة مواطنيها، لما طلبت السعودية ترحيلهم من لبنان، بل لكانت اختارت الطريق الأسهل، أي عبر الأردن الذي يملك حدوداً مشتركة مع السعودية ومع سوريا.
ولأنه يصعب افتراض أن السعودية أرادت من اقتراحها أن يقوم لبنان، بالنيابة عنها، بالتفاوض مع سوريا بشأن استعادة مواطنيها بعد أن يكونوا قد صاروا على أراضيه، فمن الطبيعي الاستنتاج أن الطلب يقتصر على أن يوافق لبنان على أن يكون محطة العبور، لتنفيذ اتفاق جرى بين السعودية وسوريا لاسترداد المحكومين. لكن عندها يصبح السؤال مشروعاً مرة جديدة عن سبب عدم نقلهم عبر الأردن أو حتى بالطائرة مباشرة إلى دمشق. أما إذا كان الأمر لم يناقش مع القيادة السورية، وهو المرجح، فهذا يعني أن السعودية أرادت إبعاد هؤلاء من أراضيها، بصرف النظر عن وجهتهم، فظنت أن لبنان لن يرفض لها طلباً، وهو ما يخالف القوانين الدولية، التي تلزمها إعادتهم إلى بلدهم أو إلى البلد الذي وصلوا منه.
في المقابل، إذا كانت السعودية تتبنى الخطاب الغربي الحذر تجاه عودة النازحين إلى سوريا قبل بدء «العملية السياسية»، فلماذا لم تنتظر هذه العملية حتى تُنفّذ عملية الإبعاد؟ أما إذا كانت مؤمنة بـ«العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين»، على ما قال وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير في كلمته أمام مؤتمر بروكسل لدعم اللاجئين، فهل هي باتت تعتقد بأن الوضع في سوريا صار آمناً لكي تسلمها مواطنين كانوا في عهدتها؟
7 مليارات دولار للنازحين
انتهت المحاولة السعودية قبل أن تبدأ، إلا أن محاولة «المجتمع الدولي» تثبيت النازحين في لبنان لم تهدأ، وآخر فصولها كان مؤتمر بروكسل، الذي سعى إلى إبهار لبنان بالأموال لدعم بقاء النازحين حيث هم، فلم يجد رئيس الحكومة سعد الحريري آذاناً صاغية عندما شدد، في كلمته خلال المؤتمر، على أن الحل الوحيد لأزمة اللاجئين السوريين هو بعودتهم الآمنة الى بلادهم مع احترام القوانين والمعاهدات الدولية، مؤكداً التزام الحكومة اللبنانية بالعمل مع هيئات الأمم المتحدة بشأن أي مبادرة لعودة النازحين، بما في ذلك المبادرة الروسية. لكنّ الموقف الأوضح عبّر عنه من بيروت، وزير الخارجية جبران باسيل الذي قال أمس إن «دولاً كبيرة تضغط لمنع عودة النازحين السوريين إلى بلادهم! ليست صدفة أنا اليوم معكم، ولست في مؤتمر النازحين ببروكسل، لأن هذه المؤتمرات تموّل بقاء النازحين في مكانهم. ونحن نريد أن تمول عودتهم لبلدهم بكل بساطة».
وبدا موقف باسيل تعبيراً عن انقسام كبير داخل الحكومة، إذ يصر التيار الوطني الحر وقوى 8 آذار على العمل لإعادة النازحين إلى بلادهم، في مقابل تمسّك الحريري وحلفائه بالأجندة الدولية الراغبة بإبقاء السوريين حيث هم، تمهيداً لاستخدامهم في معارك سياسية مقبلة، سواء في دمشق أو في بعض الدول المضيفة. ويكتسب كلام باسيل، الذي أطلقه في العشاء السنوي للتيار، المزيد من المعاني السياسية، كونه لم يقتصر على التعبير عن الانقسام السياسي حيال ملف النزوح السوري. فوزير الخارجية أعاد التذكير بأدبيات تياره بشأن غالبية الملفات الخلافية، وأبرزها ملف الحسابات المالية، قائلاً: «صار الإبراء المستحيل قانوناً، وحشرْنا الفساد واضطر الى أن يتغطى بالمذهبية»، في إشارة واضحة إلى الرئيس السابق للحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وفيما وعد باسيل بـ«إزالة كارتيل المال والنفط والترابة والزبالة والمولدات»، ركّز على ضرورة خفض عجز الموازنة من خلال «خفض حجم القطاع العام، وخفض الفوائد وخدمة الدين العام، وخفض عجز الكهرباء». وأكّد رئيس التيار أن حل أزمة الكهرباء لن يكون عبر البواخر، بل عبر «المصدر الأرخص، براً أو بحراً أو جواً، أو من سوريا أو الأردن أو مصر».
وبالعودة إلى بروكسل، فقد ركّز الحريري على ضرورة حصول لبنان على دعم يضمن استمرارية المشاريع لسنوات عدة كتأمين وصول التعليم إلى الجميع، فضلاً عن التخفيف من أثر العوامل السلبية.
وأوضح أن خطة لبنان للاستجابة للأزمة تتطلب تأمين تمويل بـ 2,6 مليار دولار أميركي للعام الجاري، مشيراً إلى أن مساهمات المانحين بلغت، في عام 2018، 1,2 مليار دولار أميركي، تمثل حوالى 45 في المئة من إجمالي المبلغ الذي كان مطلوباً.
وبحسب البيان الختامي للمؤتمر، فقد تعهدت الدول المانحة بتأمين 7 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين، مع الإبقاء على أموال إعادة الإعمار «رهناً بعملية سلام ذات صدقية»، علماً بأن الأمم المتحدة تقدّر التمويل للعام الجاري بنحو 8.8 مليارات دولار، 5,5 مليارات منها لمساعدة حوالى 5,6 ملايين لاجئ سوري خارج بلادهم (في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر) و3,3 مليارات دولار للنازحين داخلياً.
وجاءت المساهمة الأبرز من ألمانيا مع مبلغ 1,44 مليار يورو. وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 350 مليون يورو، بينما تعهدت المملكة المتحدة بمبلغ 464 مليون يورو. وخصصت إيطاليا مبلغ 45 مليون يورو لعام 2019 و45 مليون يورو لعام 2020 وبلجيكا 24 مليون يورو، والنمسا 9 ملايين يورو. كما خصص الاتحاد الأوروبي ملياري يورو من الميزانية المشتركة.
أما حصة لبنان من هذا المبلغ، فلم تعرف بشكل دقيق بانتظار عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت.
-الأخبار-