ما يقارب 3 مليارات دولار حصيلة الدعم الدولي للبنان في مؤتمر «بروكسل» لدعم النازحين السوريين، فالمليارات بالنسبة لوفد رئيس الحكومة المشارك في المؤتمر أهم من وحدة الموقف الداخلي المنقسم على نفسه حيال ملف النزوح. فحجم الأموال المخصصة للبنان تُفسّر سبب استبعاد وزير النازحين صالح الغريب عن عداد الوفد وتالياً استبعاد وزارته عن أي علاقة بتسلم وصرف هذه المساعدات! إلا أن جملة تساؤلات تطرح: هل نجحت المؤتمرات السابقة في حل أزمة النازحين كي ينجح المؤتمر الحالي؟ ولماذا يستمر لبنان في التعويل على هذه الاجتماعات الدولية؟ فالمال لن يحل الأزمة ولن يوفر عودة آمنة للنازحين الى بلدهم كما اشتهى وتمنّى رئيس الحكومة خلال كلمته في المؤتمر، فكأن الرئيس سعد الحريري كان يُغرّد خارج سرب الجهات المانحة، فهو يريد العودة الآمنة للنازحين وهم يريدون إبقاءهم ودعمهم في لبنان ويعلنون ذلك جهاراً، فهل تبنى المجتمع الدولي رؤية رئيس الحكومة؟ ولماذا لا تُقدَّم هذه الأموال الى النازحين في سورية؟ لماذا لا تسلك الحكومة الطريق الأقرب والأسهل لحل أزمة لبنانية تُهدد الوطن في أمنه القومي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي؟ لماذا لا يتخذ لبنان خطوة تاريخية باتجاه التنسيق مع الدولة السورية بلا عناء المؤتمرات والمليارات المرفقة بشروط مختلفة؟ فهل طلب رئيس الحكومة أو حكومته رسمياً من الحكومة السورية التنسيق لإعادة النازحين كي يطلب الحريري من المجتمع الدولي الضغط على النظام في سورية لإعادة نازحيه؟ علماً أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أكد مراراً وللحريري نفسه بأن السلطات السورية أبلغته بأنها جاهزة للتعاون واعادة جميع النازحين الى سورية!
مصادر وزارية متابعة لملف النازحين قالت لـ»البناء» إن «مؤتمر بروكسل بجوانبه كافة سيكون محل نقاش واسع في جلسة مجلس الوزراء المقبلة لا سيما طريقة تشكيل الوفد المشارك وآلية تسليم المساعدات وطريقة توزيعها وإخضاعها للأجهزة الرقابية اللبنانية لا الدولية لأن هذا الموضوع شأن سيادي»، متوقعة «حصول خلاف بين لبنان والجهات المانحة حول هذه النقاط وبين مكوّنات الحكومة أنفسهم»، وأشارت الى الى أن «المساعدات في المؤتمرات السابقة يشوبها فساد كبير إذ لم يمر منها عبر المؤسسات اللبنانية سوى القليل».
وشدّد الحريري في كلمته خلال المؤتمر، على ان «الحل الوحيد لأزمة اللاجئين السوريين هو بعودتهم الآمنة إلى بلادهم مع احترام القوانين والمعاهدات الدولية»، مؤكداً «التزام الحكومة اللبنانية بالعمل مع هيئات الأمم المتحدة حول اي مبادرة لعودة النازحين من بينها المبادرة الروسية».
وحذّر من أن التوترات قد تزداد وتؤدي الى خطر الاعمال العنفية ما سيؤثر على استقرار لبنان ويحفز اللاجئين على البحث عن ملجأ آخر، دعا الى «تأمين تمويل لخطة لبنان للاستجابة للأزمة، وشدد على ان لبنان لا يستطيع أن يستمرّ بتحمّل الآثار الاقتصادية والاجتماعية لاستضافة مليون ونصف مليون نازح».
وقال الخبير المالي والاقتصادي الدكتور حسن خليل لـ»البناء» إن «السخاء الأوروبي بمساعدة لبنان لا يدعو الى الاطمئنان بل الى القلق»، موضحاً أن «رفض المجتمع الدولي إرسال هذا الدعم المالي الى النازحين في سورية يؤكد وجود مخطط دولي لإبقاء النازحين في لبنان بهدف التغيير الديمغرافي واستخدامهم في اللعبة الإقليمية».
ولفت خليل الى أن «هذه المساعدات لن تمرّ في المؤسسات المالية والوزارية اللبنانية إذ إن المجتمع الدولي ليست لديه ثقة بالحكومة ويضع نظام وآليات مراقبة دقيقة على كيفية صرف الأموال، كما هو حاصل في مؤتمر سيدر، كما أن جزءاً كبيراً لن يذهب إلى النازحين بل سيستخدم بصفقات للاستعمال الشخصي والسياسي».
لكن خليل يحذّر من أن «لبنان لن يحصل على هذه المساعدات قبل تعهّد المسؤولين اللبنانيين الالتزام بتنفيذ الأجندة الأوروبية»، ويربط بين استبعاد وزير النازحين وكلام رئيس الحكومة بأنه هو يمثل لبنان يعني أنه مسؤول عن صرف الأموال وليس وزارة النازحين، ما يخفي وجود صفقات، مشيراً الى أن «ذلك يؤكد بأن نظام الفساد في لبنان مستمرّ حتى في القضايا الإنسانية، وأموال بروكسل باب جديد للفساد».
ونقلت مصادر عن الرئيس عون قوله لـ»البناء» إنه «يعلق الآمال على نتائج زيارته الى روسيا لا سيما أزمة النازحين السوريين وحماية مسيحيي الشرق وتفعيل العلاقات التجارية بين البلدين وإشراك روسيا في عملية التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية».
وفي سياق ذلك، شدّد السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين على أنه «يجب التعاون مع الحكومة السورية لتأمين عودة النازحين إلى بلادهم»، مؤكداً «أهمية التواصل مع الدول المجاورة لسورية لإعادة بناء المرافئ والبنى التحتية والمدارس».
ولفت زاسيبكين، في حديث تلفزيوني، إلى أنه «تمّت إعادة بناء عدد كبير من المنشآت في سورية يمكنها أن تستقبل مليوناً ونصف المليون نازح»، موضحًا أن «إثارة العودة الطوعية تهدف الى تخويف النازحين». ورأى أنه «يجب على الدول الغربية تغيير موقفها حيال ملف العودة»، مؤكدًا أن «ربط عودة النازحين بالتسوية السياسية يعرقل الملف أكثر ما يساهم في حلّه».
الى ذلك كانت لافتة الحملة الإعلامية المحلية الاستباقية والتهويلية لإعلام الفريق الأميركي السعودي في لبنان عشية زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى بيروت، مثال أن «بومبيو سيخيّر لبنان بين محور الممانعة ومحور الاقتصاد».
في المقابل لفت عون بحسب مصادر «البناء» الى أنه «أبلغ كل المسؤولين الدوليين الذين زاروا لبنان لا سيما الأميركيين بأن لبنان وضعه حساس ودقيق وتجب مراعاة هذه التوازنات الداخلية وقربه من الأزمات المتفجرة في الإقليم وتحمله الكثير من تبعاتها، وأنه لمس تفهماً من المسؤولين الأميركيين ما يحد من الضغوط الاميركية على لبنان». كما سيؤكد عون لبومبيو تمسك لبنان بحقه الكامل في الاستفادة من الثروة النفطية كما حقوقه البرية والبحرية ولن يتنازل عن حقوقه السيادية الوطنية ويرفض أي تعد اسرائيلي في هذا الأمر وهناك قوانين دولية تحمي حقوق لبنان وإجماع داخلي وموقف وطني في المواجهة بالوسائل كافة». وعلمت «البناء» أن «لبنان طلب من السلطات القبرصية تعديل المنطقة الثلاثية الحدودية المشتركة A بين لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة ما يعزز الموقف التفاوضي للبنان».
-البناء-