تعكِس الحركة الأميركية ــ البريطانية تجاه لبنان تعاظُم التهويل الخارجي عليه. ويشي مجمل هذا الحراك بأن التهديدات التي يحملها الموفدون جدية وتهدف إلى ضرب فريق المقاومة بأي ثمن، ولو أدى ذلك إلى زعزعة الاستقرار.
بعدَ زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد للبنان، صارَ مفهوماً أكثر أن القرار البريطاني الأخير بوضع ما يُسمّى الجناح السياسي لحزب الله على لائحة الإرهاب، هو نتيجة للضغوط الأميركية. وبات واضحاً وجود قرار أميركي بزيادة الضغط على حلفاء الولايات المتحدة للدخول في مواجهة مع الحزب. ولا يقتصر هذا الضغط على حلفاء واشنطن في الخارج، بل أيضاً على حلفائها في لبنان. فبعدَ أن سعى الأميركيون إلى ضرب المقاومة في لبنان من خلال التوتير المذهبي بعدَ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، وفشلوا في ذلك، يحاولون اليوم في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع مستوى العدائية ضد فريق المقاومة في لبنان والمنطقة، ولو أدى ذلك إلى ضرب الاستقرار في الداخل اللبناني. ويبدو أن كلام ساترفيلد يعكس قرار الإدارة الأميركية، ولا سيما أن المسؤولين الأميركيين يقولونه في مجالسهم، ومنهم السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيت ريتشارد. وهي التي كانت تُصوَّر في لبنان من قبل الذين يتواصلون معها على أنها من فريق «الحمائم» في الإدارة الأميركية. فريتشارد باتت تعبّر عن مواقف أكثر عدائية في الأيام الأخيرة، وتؤكّد أن «بلادها لن تقبل اليوم بعدم مواجهة حزب الله بذريعة الحفاظ على الاستقرار، حيث تحوّل الحديث عن الاستقرار حجّة عند الحزب لتعزيز مواقعه العسكرية والسياسية داخل لبنان، وصولاً إلى السيطرة على القرار السياسي اللبناني مستقبلاً».
كذلك يُعَد كلام وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط ووكالة التنمية الدولية، البريطاني أليستر بيرت، الذي زار لبنان في اليومين الماضيين عن «استمرار الدعم البريطاني للبنان البالغ 200 مليون دولار أميركي سنويّاً. لكن يجب ألّا يكون هناك وهم في شأن قلقنا الشديد تجاه أعمال حزب الله المهدّدة للاستقرار» بمثابة شرط لضرب واقع الاستقرار الحالي، كما بات واضحاً قرار بلاده رفض عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
لم يتوقف التهويل الأميركي ــ البريطاني ضد ما يسمونه اندفاعة للرئيس عون تجاه روسيا
ومنذ أكثر من سنة، لم يتوقف التهويل الأميركي – البريطاني ضد ما يسمونه اندفاعة للرئيس ميشال عون تجاه روسيا. وقد وصلت ذروة غضبهم قبلَ أيام من تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، نتيجة توقيع الوزير سيزار أبي خليل اتفاقاً باسم الدولة اللبنانية مع شركة «روسنفت» الروسية. ويومها تولّت السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيت ريتشارد والسفير البريطاني كريس رامبلنغ التعبير عن غضب بلادهما، وتحركا بوقاحة عبرَ إجرائهما اتصالات مع مسؤولين لبنانيين، منهم رئيس الحكومة، للاعتراض على توقيع الاتفاق، ومارسا التهويل على الدولة اللبنانية من هذا المنطلق. وعلى الرغم من أن فرنسا تحاول التمايز عن الموقفين الأميركي والبريطاني بوضع الحزب على لائحة الإرهاب، وترى أن الدعوات الأميركية تفتح الباب أمام مخاطر زعزعة الاستقرار، إلا أنها تبدو بلا حيلة. وتتقاطع كل هذه التطورات مع خطوات إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من الحدود مع لبنان، مع ارتفاع مستوى الدعم الأميركي المباشر للعدو، خاصة في مجال منظومات الدفاع الصاروخي.
وقد باتت هذه الوقائع تفرض أسئلة كثيرة بشأن السياسة الأميركية الجديدة في لبنان، التي لطالما سوّق مسؤولون أميركيون ولبنانيون أنها تقوم على «الحفاظ على الاستقرار»، ولا سيما أن أي قرار أميركي بالمواجهة يحتاج إلى أدوات داخلية، فهل ثمّة في الداخل اللبناني من أظهرَ استعداده للتورط في مغامرة لا شكّ في أنه سيخرج منها مهزوماً؟
وإذا لم تتوافر هذه الأدوات لضرب الاستقرار، فهل ما يقوم به الأميركيون يدخل ضمن إطار التمهيد لمغامرة عدوانية عسكرية إسرائيلية ما؟
وهل يعتقد الأميركيون والبريطانيون أن بإمكانهم الدخول في هذه المواجهة من دون تعريض مصالحهم في لبنان والخارج لضرر شديد؟
-الأخبار-