عَ مدار الساعة


معركة مكافحة الفساد يجب ان تبدأ في الجسم الصحافي قبل السياسي- نسيم بو سمرا

كان يجب ان يتصدر مؤتمر بيفاني عناوين الصحف ومواضيع المقالات

***

كنا نتوقع ان يشغل المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني، ردا على اتهام رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة له بالتقصير، الرأي العام، وأن يتصدر ما ورد فيه عناوين الصحف، وأن تتناول معظم المقالات الوقائع التي كشفها بيفاني عن المرحلة السابقة وما شابها من مخالفات دستورية وقانونية لوزير مال سابق ورئيس حكومة سابق، من المفترض انه المدافع الاول عن المال العام والمؤتمن على مصالح اللبنانيين، إلا ان غياب الاضاءة شبه الكلي على هذا الموضوع، الذي يعتبر حدثاً، يطرح علامات استفهام عدة، إذ انها المرة الاولى التي يكشف فيها موظف بهذا المستوى في الدولة اللبنانية بالوقائع، ان رئيسه كان يمنعه من القيام بواجباته الوظيفية، وهذه بحد ذاتها مخالفة جسيمة، فإذا كان رأس الهرم في السلطة التنفيذية والمسؤول عن مالية الدولة، يشجّع الموظفين على مخالفة القوانين لا بل التزوير، فهذا يثبت الحجم غير المسبوق للفساد في الدولة اللبنانية، وكان يجب على الاقل من الصحافيين اليوم الافتخار بمدير “آدمي” في الدولة اللبنانية، والثناء عليه، وهو الذي اعتبر ان الحسابات المنجزة من ستة اشهر هي فخر للادارة في الوزارة قائلا ان فريق العمل وضع حدا لعدم امكانية كشف الاستهتار بالمال العام، فضلا عن ان كل مخالفة تمكن بيفاني من توثيقها، احالها الى الهيئات الرقابية والقضائية، وحسابات المهمة وقطوع الحساب اصبحت متوفرة في عهدة القضاء، قائلا انه لا يجوز ان تبقى الادارة مكسر عصا، متحدثا عن مسار طويل لضرب الادارة وتقييده وثنيه عن القيام بعمله متوجها بالسؤال الى الذي يتجرأ على مهنيته غامزا من قناة السنيورة.

المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني

ولكن الذي يفاجؤنا أكثر من المسؤول الفاسد، هو الجسم الصحافي الساكت، والذي تحول دوره من كاشف للحقيقة الى شاهد زور ومروج للشائعات، أي اختلاق وقائع غير موجودة، فيما يسكت في المقابل عن وقائع واضحة جاءت على لسان مدير عام، مرّ على وجوده في مركزه 20 عاماً، أي انه يعرف الشاردة والواردة، ويجب الاهتمام بكل فاصلة ذكرها في مؤتمره أمس، لا التغاضي عن العناوين الصادمة التي أبرزها، والتي كما هي إخبار الى القضاء وباتت بعهدته، وضعت ايضا برسم الرأي العام، الذي يجب ان يحاسب المرتكب استنادا الى هذه المعلومات المقدمة، وهي معلومات تقدّم تباعاً في الفترة الاخيرة، من جهات عدة في الادارة العامة، كان آخرها امس ما أعلنه بيفاني في ما خص وزارة المال.

إذا يبدو ان الفساد في الجسم الاعلامي والصحافي، وتورط معظم الصحف والكثير من الصحافيين مع الفاسدين، بات أعمق ممّا كنا نتوقع، والا ما هي الحجة للتعتيم عن موضوع بهذا الحجم والحساسية، والمرتبط بمصير كل اللبنانيين، فيما يبرز الاهتمام بمواضيع هامشية والسعي لتكبيرها، في مقابل تحجيم الانجازات الحاصلة في هذا العهد منذ اليوم الاول لتبوء الرئيس العماد ميشال عون سدة الرئاسة في قصر بعبدا، وتسخيف بطولاته.

في كل الانظمة الديمقراطية، الرأي العام هو المراقب الاول والافعل لاداء السلطة السياسية، ومن المعروف ان الرأي العام هذا، يوجّه عادة من الاعلام، فتخيلوا حين يغيب الاعلام او الاخطر حين يتواطأ هذا الاعلام مع السياسيين الفاسدين، ماذا ستكون النتيجة؟ ضياع وفوضى وتجهيل الفاسدين وضرب الاصلاحيين، ما يعيق نجاح أي عملية اصلاحية ويقضي على أي أمل في معركة مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين، ولذلك يبدو ان معركة مكافحة الفساد يجب ان تبدأ في الجسم الصحافي، قبل السياسي.