أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الصلاة تجعلنا نرى الحقيقة أمام الله.. وهي تهرب من الكذبة ♱

– “أنا” لا تظهر بصلاة التي علّمها يسوع.. الصلاة الحقيقية تتم في سرّ الضمير 💒

***

“عندما يصلّي في سرّ ضميره، لا يبتعد المسيحيّ عن العالم، بل يحمل في قلبه الأشخاص والأوضاع”: هذا ما أكّده البابا فرنسيس صباح 13 شباط 2019 خلال المقابلة العامة التي أجراها مع المؤمنين في قاعة بولس السادس.

 

مُتابِعاً سلسلة تعاليمه حول صلاة الأبانا، أشار الأب الأقدس إلى أنّ كلمة “أنا” لا تظهر في الصلاة التي علّمنا إيّاها يسوع، “فالمسيحيّ يعبر من الـ”أنت” إلى الـ”نحن” لأنّه مسؤول عن الآخرين. وفي الواقع، في الصلاة المسيحيّة، لا أحد يطلب لنفسه، بل تكون صلاة جماعة إخوة وأخوات”.

وأصرّ الحبر الأعظم على أنّ الصلاة ليست كالبنج المخدّر، لكنّها يجب أن تجعلنا نشعر بالتعاطف مع الآخر، “على مثال يسوع الذي شعر بالتعاطف أمام بؤس هذا العالم، وكالسامريّ الذي اقترب من المُصاب، على عكس مَن قلوبهم قاسية”.

كما وقال البابا إنّ في أساس صلاة الأبانا “حواراً صامتاً وتبادلاً للنظرات بين شخصين يحبّان بعضهما البعض: الإنسان والله. والصلاة تجعلنا نرى الحقيقة أمام الله، وهي تهرب من الكذبة”.

وسأل: “عندما أصلّي، هل أنفتح على صرخة العديد من الأشخاص القريبين أو البعيدين؟ إنّ يسوع يطلب منّا أن نصلّي لِمَن لا يبحثون عن الله ظاهريّاً، لأنّ الله يبحث عنهم أكثر من غيرهم، بما أنّه طيّب دائماً مع الجميع”.

البابا فرنسيس في مقابلته العامة المعتادة مع وفود الحجاج والمؤمنين في قاعة البابا بولس السادس بالفاتيكان تابع سلسلة تعاليمه الأسبوعية حول صلاة الأبانا.

تمحورت كلمات البابا حول مقطع من إنجيل القديس لوقا البشير الفصل العاشر “وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال: «أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم أيها الآب، لأن هكذا صارت المسرة أمامك … كل شيء قد دفع إلي من أبي. وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب، ولا من هو الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له».

قال البابا فرنسيس: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء دعونا نتابع مسيرتنا كي نتعلّم بشكل أفضل الصلاة التي علّمنا إياها يسوع الذي دعا تلاميذه للدخول إلى مخدعهم والانزواء عن العالم والصلاة إلى الله داعين إياه “أبانا”. ولم يشأ يسوع أن يكون تلاميذه كالمراءين الذين يصلون وهم واقفون في الساحات كي يراهم الناس. وشدد فرنسيس على أن الصلاة الحقيقية هي التي تتم في سرّ الضمير، في القلب الذي لا يراه أحد سوى الله. إن الصلاة تبتعد عما هو مزيّف لأنه من المستحيل أن يخدع الإنسان الله. يكمن في جذور الصلاة حوار صامت، كتقاطع النظرات بين شخصين يحبان بعضهما البعض: الله والإنسان. مضى البابا إلى القول: مع أن صلاة التلميذ سرية فهي لا تقتصر فقط على الناحية الحميمية للمؤمن. في سر الضمير لا يترك المسيحي العالمَ خارج باب مخدعه، لكنه يحمل في القلب مختلف الأشخاص والأوضاع.

ولفت البابا فرنسيس بعدها إلى وجود شيء ما تفتقر إليه صلاة الأبانا. إذ تنقص كلمة يوليها الجميع أهمية كبيرة في زماننا الحاضر، كما في الأزمنة الغابرة. تنقص كلمة “أنا”. لقد علمنا يسوع أن نصلي متفوهين بكلمة “أنت” لأن الصلاة المسيحية هي حوار.ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك“. بعدها تنتقل الصلاة في جزئها الثاني إلى صيغة الـ”نحن”: اعطنا خبزنا اليومي، اغفر لنا ذنوبنا، لا تدخلنا في التجارب، نجنا من الشرير. حتى المطالب الأكثر بديهية للإنسان موجودة في هذه الصلاة بصيغة الجمع، ومن بينها طلب الطعام لسد الجوع. في الصلاة المسيحية، قال البابا، لا أحد يطلب الخبز لنفسه: إنه يطلبه من أجل فقراء العالم كافة. لا توجد فسحة للفردانية في الحوار مع الله، لا يوجد عرض لمشاكلنا الخاصة كما لو أننا نتألم وحدنا في هذا العالم. لا توجد صلاة تُرفع إلى الله إن لم تكن صلاة جماعة من الأخوة والأخوات.

مضى البابا فرنسيس إلى القول إن المسيحي، وفي الصلاة، يحمل صعوبات كل الأشخاص المقيمين من حوله. عندما يحل المساء يُحدّث الله عن الآلام والمعاناة التي التقى بها في ذلك اليوم. يضع أمامه أوجه العديد من الأصدقاء وغير الأصدقاء، ولا يُبعدها عن ذهنه لأنها تُلهيه عن الصلاة. إن لم يشعر الإنسان بوجود أشخاص كثيرين يتألمون من حوله، إن لم يحن قلبه أمام دموع الفقراء، إذا كان غير مبال أمام ما يحصل فهذا يعني أن قلبه صار حجراً. في هذه الحالة ينبغي أن يتضرع الإنسان إلى الله كي يلامسه بروحه ويليّن قلبه. وذكّر البابا المؤمنين بأن المسيح لم يقف غير مبال أمام مآسي العالم: في كل مرة كان يرى فيها الوحدة وألم الجسد والروح كان يشعر بالرأفة، والشعور بالرأفة هو عبارة أساسية في الإنجيل: هذا ما دفع السامري الصالح إلى الاقتراب من الرجل الجريح على قارعة الطريق، خلافا للآخرين الذين كان قلبهم صلباً. هذا ثم دعا البابا المؤمنين ليسألوا أنفسهم ما إذا كانوا ينفتحون، وقت الصلاة، أمام صراخ العديد من الأشخاص القريبين والبعيدين. أم أنهم يفكرون بالصلاة كنوع من المخدّر يمنحهم الطمأنينة. في هذه الحالة لا تكون الصلاة مسيحية، لأن كلمة “نحن” التي علمنا إياها يسوع تمنعني من العيش بسلام لوحدي، وتجعلني أشعر بالمسؤولية حيال الأخوة والأخوات.

بعدها أشار البابا فرنسيس إلى وجود أشخاص لا يبحثون عن الله، ويدعونا يسوع للصلاة من أجلهم، لأن الرب لم يأت من أجل الأصحاء بل من أجل المرضى والخطأة. لقد جاء من أجل الجميع. إذا عملنا من أجل العدالة يجب ألا نشعر أننا أفضل من الآخرين: لأن الآب يشرق شمسه على الصالحين والأشرار. دعونا نتعلّم من الله كيف نكون طيبين مع الجميع.

وفي ختام مقابلته الأربعاء العامة حيا البابا فرنسيس وفود الحجاج والمؤمنين الحاضرين في قاعة بولس السادس والقادمين من إيطاليا ومختلف أنحاء العالم، وقال في تحيته إلى الحجاج الناطقين باللغة العربية: أرحب بالحجاج الناطقين باللغة العربية، لاسيما القادمين من سوريا ولبنان والشرق الأوسط. إن الله أب للجميع وجعل منا إخوة في البشرية الواحدة. هناك اليوم الكثير من إخوتنا في العالم الذين يعانون، وهم بحاجة لأن نعمل من أجلهم وأن نحملهم في صلاتنا.