عَ مدار الساعة


بعد فشل الساحر بإخراج أرنب سوريا من كم قميصه هاهو يحاول مع أرنب ليبيا (نسيم بو سمرا)

– بري يحضر عشرات القمم العربية بغياب سوريا وشارك في قمة بيروت التي حضرها وفد عن القذافي

***

في وقت شهدت المنطقة الحدودية أمس استنفاراً للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل اللذين استقدما تعزيزات كبيرة إلى المنطقة، ونفذا انتشاراً في الجهة المقابلة للمنطقة التي واصلت إسرائيل فيها إنشاء جدار إسمنتي في نقاط على الخط الأزرق متحفظ عليها لبنانياً، فاقمت الاستفزازات الإسرائيلية من مخاوف خبراء عسكريين ربطوا بينها وبين التصعيد الأميركي في وجه حزب الله، الذي ترجم بالمواقف التي أطلقها وزير الخارجية مايك بومبيو الذي يجول في المنطقة، والتي اعتبر فيها أنه لا يمكن القبول بالوضع الراهن للحزب في لبنان، في حين لا يقل الاشتباك الداخلي حدة عن الاشتباك مع العدو الاسرائيلي على الحدود، يترجم باحتدام السجال السياسي نتيجة اعتراض رئيس المجلس النيابي نبيه بري على دعوة ليبيا الى القمة الاقتصادية التنموية العربية في بيروت، بعدما كان طالب بتأجيلها لعدم مشاركة سوريا؛ في حين عبّر رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، عمّا يحصل على خلفية طلب تأجيل القمة بهذه الحجة بالذات، مشدّدا على أنّ “علاقتنا مع سوريا تصب في مصلحة لبنان بكل مكوناته، ولا يمكن أن تكون هذه العلاقات موضع مزايدة داخلية يستخدمها طرف ما يريد أن يحسن علاقته الخاصة بسوريا فيزايد على حساب لبنان”؛

في حين أن الرد على بري جاء من الرئيس السوري بشار الاسد صاحب المصلحة نفسه، وفق ما كتب الصحافي جورج عبيد في مقالة له،  حين سئل حول مسألة عدم دعوة سوريا إلى القمة الاقتصاديّة العربيّة لكونها ستبحث عن الإعمار فيها، أجاب: أنا والرئيس عون متفقان، ولا أحد يستطيع أن يفرّق بيننا. لاحظوا كيف أنّ من تآمروا على سوريا وشنوّا الحرب عليها بتحالف شيطانيّ محكم يعودون إلى أحضانها، هي منتصرة وهم منكسرون صاغرون، هي شامخة وهم زاحفون، وسوريا قلب العروبة وقلب المشرقيّة كما يطيب للرئيس عون القول. فلا أحد يقدر أن يضرب عمق العلاقة، وللبنان مصلحة أن تنعقد تلك القمة على أرضه فلتنعقد بلا عثرات ولا تأزّمات، ونحن سنواكبها، وغالبًا سنكون على موعد مع القمة العربيّة المقبلة في تونس…” وحين سئل عن عدم زيارة عون لدمشق أجاب سوريا بلده الثاني، وهو محبوب من شعبها ومقدّر منّا جميعًا. وهو مرحّب به دائمًا ساعة يشاء. وأنا جدًّا متفهّم لظروفه وفخامته يعلم أنني متفهّم، وسيأتي اليوم الذي فيه ترونني قريبًا في بيروت وبعبدا وترون الرئيس عون في دمشق وصولاً إلى حلب وبراد… هذه بلاده كما لبنان فأهلا وسهلا به ساعة يشاء”. وعن مسألة النازحين أكّد الأسد بأنهم سيعودون ويجب ان يعودوا ولا شيء يمنعهم من العودة ونحن على تواصل مع لبنان في هذا الشأن.

إذاً المشهد الداخلي يزداد تعقيداً في ظل استمرار المراوحة على الجبهة الحكومية، وتظهر صورة معبّرة في هذا الاطار، ان بعدما فشل الساحر بإخراج أرنب سوريا من كم قميصه وهو الذي حضر عشرات القمم كرئيس مجلس نواب لبنان في الدول العربية، تغيبت عنها سوريا طبعا بسبب تجميد عضويتها في الجامعة العربية، ولم يقاطع هذه القمم ولم يطالب بالتأكيد بتأجيل انعقادها، ها هو يحاول إخراج أرنب ليبيا من الكم اللبناني، لإفشال القمة، التي ما زالت قائمة في موعدها، ويصر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على عقدها، وربما تندرج محاولات إفشال القمة، بمسار عام قائم على تعطيل العهد ومنعه من تحقيق أي إنجاز للبنانيين، بهدف القضاء على مشروعه نهائياً، مع العلم أنه مشروع إنقاذي، يشكل فرصة للبنان يمكن ألا تتكرّر في المدى المنظور، ويصب لصالح الوطن ككل وللبنانيين جميعا، لا لفئة أو فريق واحد.

ولكن لانعاش ذاكرة اللبنانيين الذين يقع الكثير منهم بسهولة في الخطأ عند اولى محاولات الغش الذي يمارسه بعض “الحرّيفين” كما يقال في السياسة اللبنانية، لأنهم يعتبرون ان الشعب اللبناني يملك ذاكرة جماعية قصيرة المدى، فيما نذكّر هؤلاء ان نحن شعب لبنان العظيم نتذكر جيدا كيف قبلوا بحضور ليبيا للقمة العربية المنعقدة في بيروت في العام 2002، في ظل نظام الوصاية آنذاك، وعلى رأس المشاركين بها كان الرئيس بري، حاضرا في القاعة وعلى بعد أمتار من وفد ليبي رفيع المستوى، مثّل حينها الزعيم معمّر القذافي نفسه، الذي كان ما زال يحكم ليبيا، وهو المسؤول المفترض عن اخفاء الامام السيد موسى الصدر، فيما اليوم، الذين سيحضرون القمة الاقتصادية هم حكام ليبيا الجدد الذين ساهموا بالاطاحة بالقذافي ونظامه البائد، فبدل الترحيب الرسمي والشعبي، بممثلي ليبيا في لبنان، وتقدير جهودهم بمحاولة انتشال ليبيا من الفوضى التي ادخلتها اليها دول اوروبا الغربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، ليس كرمى للشعب الليبي بهدف التخلص من الديكتاتور الليبي، بل طمعا بخيرات ليبيا وبالثروات التي يملكها في أرضه الشعب الليبي، نرسل رسالة سيئة الى الشعب الليبي بالاخص، الذي يعاني ما يعانيه من فقدان الامان وغياب أدنى مقومات العيش الكريم، مفادها انه غير مرحّب بمسؤوليه في لبنان، وحججهم الواهية دائما في هذا الاطار، هي قضية الامام المغيب السيد موسى صدر، وهو بالمناسبة إمامنا جميعا ورمزيته محفوظة لدى جميع اللبنانيين وليست حكراً على الشيعة في لبنان والعالم العربي وإيران.

في المحصلة، من المستغرب ان يدور الجدال حول قمة هدفها اقتصادي، تعطي الامل للشعب اللبناني بأن الدول العربية مهتمة بمساعدة لبنان على تخطّي أزمته الاقتصادية، وهم الذين يعميهم حقدهم على العهد القوي ورئيسه، يستكترون على لبنان انجاز قمة، ستصب بالنتيجة لصالح اللبنانيين كما كل العرب، وستكون أيضا لصالح سوريا على رغم غيابها عن القمة لأسباب خارجة عن ارادة لبنان، وذلك من خلال وضع القمة هذه، أسس المشاركة في اعادة إعمار سوريا.