نور أيوب-
تحمل الزيارات الأخيرة التي قام بها فالح الفياض إلى كل من دمشق وأنقرة وأربيل إشارات متعددة إلى الاستراتيجية العراقية المقبلة إزاء ملف الحدود مع سوريا. استراتيجية يبدو أنها تتحرك في اتجاهين: الأول عسكري ـــ أمني يقوم على تعزيز التنسيق تمهيداً لـ«عملية مشتركة كبيرة»، والثاني سياسي ـــ اجتماعي يقترح استنساخ تجربة الحشد العشائري العراقي في منطقة شرق الفرات.
ما إن أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الشرق السوري، حتى سارع المعسكر المناوئ للولايات المتحدة إلى دراسة خياراته. بين بغداد ودمشق نشطت في الآونة الأخيرة اجتماعات «اللجنة الرباعية» (روسيا، إيران، العراق، سوريا)، والتي خلصت ـــ وفق مصادر متابعة ـــ إلى جملة قرارات تستهدف ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الأميركي:
1- الإمساك بالأراضي المحرّرة في المقلبين العراقي والسوري، وتعزيز نقاط انتشار القوات على خطوط التماس، إضافة إلى القواطع الخلفية.
2- البدء، في المرحلة الأولى، بـ«عمليات تنظيف» على الجانبين العراقي والسوري (عكاشات ومحيطها عراقياً/ جبل غراب ومحيطها سورياً).
3- إطلاق عملية مشتركة كبيرة (في المرحلة الثانية) بين القوات العراقية من جهة، والقوات السورية وحلفائها من جهة أخرى، من محيط المثلث الحدودي (العراق ــــ سوريا ـــــ الأردن) جنوباً، إلى القائم (العراق) والبوكمال (سوريا) شمالاً، على أن تدخل القوات العراقية مسافة كيلومترات داخل العمق السوري، وبتنسيق مع دمشق، ويتم إنشاء خط تماس جديد، من شأنه منع عمليات تسلّل مسلحي «داعش»، أو إغارتهم على أي من النقاط الحدودية هناك.
هذه الخطة، التي تستهدف القضاء على 3500 مسلح وفق التقدير العراقي و1500 مسلح وفق التقدير السوري، «ستكون منسقة بشكل كبير» بتعبير مصدر متابع، يوضح في حديث إلى «الأخبار» أن «الأمر مرهون ببعض الترتيبات اللوجستية، لأن الإطباق على المسلحين في ذلك الجيب سيكون مشتركاً».
أعربت أربيل عن تفهّمها للحراك الحاصل على خط بغداد ـــ دمشق
ولئن كان التقدير لدى الجهات العسكرية والأمنية المعنية يفيد بأن انحسار «داعش» بات مرهوناً بعامل الزمن، فإن الحراك الحالي على خط بغداد ـــ دمشق يبدو أكثر ارتباطاً بمرحلة ما بعد «داعش»، والسؤال المطروح حول حقيقة الانسحاب الأميركي من المنطقة. في هذا الإطار، تبرز اللقاءات التي عقدها مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفيّاض، على مدى الأسبوعين الماضيين، مع الرئيس بشار الأسد في دمشق، ووزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات التركيين خلوصي أكار وحقان فيدان في أنقرة، ومن ثم زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» مسعود برزاني في أربيل.
هذه الزيارات أرادت منها بغداد ـــ وفق مصادر حكومية ـــ تأكيد «دورها في صياغة الحلول إزاء مشكلات المنطقة»، خصوصاً أنها جاءت بعد زيارة بعيدة من الأضواء إلى طهران، وإبراز «محاولة الجانب العراقي بلورة موقف واضح يعكس سياسة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الوسطية إزاء التطورات المتسارعة»، وأيضاً «إظهار الفياض بمعزلٍ عن الخلاف الداخلي حول مستقبله الحكومي على أنه المعني الأول بالعلاقة مع دمشق والمحيط».
من جهتها، تقول مصادر مطلعة على جولة الفياض إن الأخيرة استهدفت «فرض حضور بغداد كلاعب إقليمي في لحظة إعادة رسم المشهد في المنطقة»، خصوصاً أن «ملامح انتهاء الحرب السورية قد بدأت، وهذا يفرض على الجميع العودة إلى دمشق، وسنكون بوابة لمن أراد وساطتنا». وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن اللقاء بين الفياض والأسد، والذي نتج منه منح العراق الإذن بالشروع في عمليات ضد «داعش» داخل الأراضي السورية، تطرّق إلى مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، وتهيئة الأرضية للإمساك بها في المرحلة المقبلة. في هذا الإطار، كان الاقتراح العراقي، والذي لقي ارتياحاً أولياً لدى دمشق، أن «الأرض تُمسَك من أبنائها عبر حشد عشائري، أو تعبئة محلية، من دون أي تدخّل أجنبي»، بشرط أن تكون تلك القوى «محصورة القرار بيد الدولة السورية وجيشها». وتضيف المصادر أن لـ«بغداد ودمشق مشروعاً آخر لشرق الفرات، بالتعاون مع الدولة والبنية العشائرية الاجتماعية هناك»، واصفةً ذلك بـ«المشروع المهم جداً… قوامه نقل التجربة العراقية إلى المقلب السوري».
أما في أنقرة، فقد ناقش الوفد العراقي مع الجانب التركي القضية نفسها. ووفقاً للمصادر، فإن الأتراك أوحوا للعراقيين بأنهم في انتظار الجهد العراقي ـــــ السوري في تأسيس القوة المشار إليها، غير أن «المفاجآت ستكون مصاحبة للموقف التركي، والمرتبط بالموقف الروسي، وما ستقوم به موسكو في المناطق الواقعة غرب الفرات». وفي هذا الإطار، يقول مصدر عراقي شارك في اللقاءات الأمنية إن «الأتراك يريدون منطقة صغيرة، ويتخوفون من مقاومة ضدهم يشترك فيها السوريون والأكراد والعراقيون بغطاء إيراني وعدم رضى روسي، وعليه سيكتفون بحزام أمني محصور في المناطق الكردية، والقريبة من المثلث الحدودي (التركي، العراقي، السوري) لتأمين أي تهديد من منطقة سنجار».
وفي أربيل، جاء موقف البرزاني متفهّماً للحراك الحاصل، خصوصاً أن اللقاء الأخير بين الرئيس العراقي برهم صالح، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، تطرّق إلى ضرورة منع أي خطوط اتصال لـ«حزب العمال الكردستاني»، الذي تنظر إليه أنقرة بوصفه تهديداً، ما بين المقلبين العراقي والسوري.
-الأخبار-