– أزمتنا الاقتصادية سببها الاضطرابات الخارجية والنزوح السوري والفساد
***
إن تاريخ الشعوب لا تكتبه أقلام متشائمة تنظر الى الحياة فقط بعين الربح ولا تفكر الا بطريقة نفعية، فإذا كان الاقتصاد أساس في ازدهار الدول، إلا ان الشعور بالانتماء، هو الاهم، والا لما كان هناك أوطان ولسقطت الحدود، ولدبّت الفوضى وانهارت القيم، فالتعلق بالارض والحفاظ على العادات والتقاليد، والاخلاص للأجداد، هو أساس استمرار الشعوب، وتاريخ لبنان الذي قلّما تمتّع بالاستقرار السياسي وحتى الاجتماعي، يشهد على ان عامل الارض والتشبث بالتراث هو ما حافظ على كيان متماسك، ليتحول في العصر الحديث الى وطن.
على رغم الصعوبات التي يمر فيها لبنان اليوم؛ نتيجة الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الاقتصاد اللبناني، والتي تعود جزئياً إلى استمرار الاضطرابات الإقليمية كما لأسباب داخلية أهمها السياسات الاقتصادية الخاطئة طوال السنوات الثلاثين الماضية والقائمة على النظام الريعي، الذي بدأنا اليوم بتحويله الى نظام منتج وفق خطة “ماكنزي”، بالاضافة الى تفاقم التحديات الاجتماعية بسبب استمرار وجود مليون ونصف مليون نازح سوري للسنة الثامنة على التوالي، من دون أن يظهر في الافق امكان إعادة النازحين سريعاً الى وطنهم، فضلاً عن استمرار منظومة الفساد بالعمل على كل المستويات، من دون ان نتمكن حتى الان من وقفها؛ تُجمع المواقف السياسية في لبنان على التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة، التي ستسرّع الحلول لكثير من المعضلات وعلى رأسها النزوح السوري الذي يستفذ كل الموارد، وتفعيل عملية محاربة الفساد، وقد تلقّى اللبنانيون امس رسالة ايجابية أتت على لسان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في منتدى الاستثمار اللبناني- البريطاني في لندن، مؤكداً في كلمته ان “الخطة التي تم تقديمها في مؤتمر (سيدر) لإعادة تأهيل وتحديث بنيتنا التحتية، توفر فرصاً كبيرة للاستثمار فيما الحكومة تسعى إلى إنفاق نحو ملياري $ سنوياً على مشاريع البنى التحتية، ما سيحرك الدورة الاقتصادية بشكل كبير، نتيجة عملية تأهيل كبير للبنى التحتية والاقتصاد”، كما طمأن وزير الخارجية جبران باسيل بدوره اللبنانيين في كلمته، الى “ان الشراكة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ستؤدي حتماً إلى تشكيل حكومة جديدة رغم العقبات، ما يؤشر إلى مرحلة مقبلة من الازدهار”.
إذاً فلتوقف البوميات نعيقها، لأن اللبنانيين أقوياء، وهم ينهضون مجددا في كل مرة مثل الاسطورة اللبنانية عن التجدد والحياة المتمثلة بطائر الفينيق، وبخاصة أنهم للمرة الاولى في تاريخهم، بات لهم القدرة على تقرير مصيرهم، بعدما استردّوا سيادتهم ويمارسون استقلالهم، فهم أجروا انتخابات نيابية وفق قانون عصري أقروه بأنفسهم، صحّح التمثيل الشعبي الى حدّ كبير، كما انتخبوا لأول مرة في تاريخ لبنان رئيسهم العماد ميشال عون، من دون الاصغاء الى آراء أحد في العالم، فبات الرئيس صناعة لبنانية 100 في المئة ليوصف بحق “عهد الاستقلال“، وباتت الدولة التي توضع لها اولى المداميك في هذا العهد، من خلال تنظيفها من الفساد وإخراجها من سيطرة الاقطاع والمافيات، تملك قرارها الذي يؤخذ وفق مصلحة شعبها فقط، لتعود مؤسساتها الى الانتاج ومفاصلها للعمل.