عَ مدار الساعة


البلد ما طار ولن نسكت عن الذم بالوطن فكرامة الشعب فوق كل اعتبار- نسيم بو سمرا

– مش البلد اللي طار بل عقلاتو لراغب طاروا

***

التعاطي في الشأن العام مسؤولية، وتكبر هذه المسؤولية بحسب الموقع الذي يشغله صاحبها، وعلى النخب في المجتمع من سياسيين أوادم ومثقفين واعلاميين وفنانين، نقل الواقع كما هو بحسناته وسيئاته، وليس فقط المبالغة بالسيئات لتيئيس الناس، فالعهد القوي والتيار الوطني الحر هما أول المعترفين بالواقع السيئ ولذلك جاءوا الى السلطة ليخلصوا شعبهم من هذا الوضع المتردي، وليس للابقاء عليه لأنهم كانوا اول من عانى من دولة المافيا، بأمنهم ومستقبلهم ووجودهم، ولم يشاركوا فيها بل كانوا مضطهدين من المشرفين عليها ويعملون اليوم على استبدالها بدولة القانون، ولذلك يطلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من اللبنانيين مساعدته في محاربة الفساد بعدم المشاركة فيه والابلاغ عنه، ودور الاعلام اساسي في هذا السياق، الذي بدل تهبيط الحيطان على اللبنانيين وتيئيسهم، عليهم العمل على كشف مكامن الفساد وفضح المفسدين، وعلى الفنانين ايضا نشر ثقافة الحب والسعي الى الايجابية بفنهم.

 من المفترض ان يحاسب السياسي ناخبوه اذا اخطأ، اما الاعلامي والفنان فكيف نحاسبهم؟ فقبل ان يدافع راغب علامة عن الشعب ويتهم المسؤولين بانه افقروا هذا الشعب، فليخبرنا عن اسعار بطاقات حفلاته، والتي لا تقل عن 500 دولار بالحد الادنى للشخص الواحد وتتخطى في الاعياد وعلى رأس السنة الالف دولار اميركي، ولكن ربما انتفض علامة لعدم قدرة المحبين لفنه بعد اليوم على حضور حفلاته بسبب الاسعار الخيالية التي يفرضها على جمهوره، فالبقرة الحلوب جفّ حليبها، وكلنا نعيش صعوبة الازمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان والمنطقة وكل العالم، ثم فليخبرنا علامة اذا فعلا كان قلبه على الوطن الذي لم يوفر احدا من السياسيين امس في برنامج “هوا الحرية” مع جو معلوف، باتهامهم بأنهم افقروا البلد، وهو على الحق الى حد ما ولكنه لم يصب بالتعميم، فهناك سياسيون أوادم يحاربون الفساد والمفسدين من سياسيين ورجال الاعمال وربما بعض الفنانين ايضا، ومن حق علامة انتقاد السياسيين في كل الاحوال ولكن أن يذم بالوطن كما فعل في اغنيته، فهذا لن نسكت عنه فالوطن خط احمر وكرامة الشعب اللبناني فوق كل اعتبار، وليكشف لنا علامة في هذا السياق عن صداقاته مع السياسيين ومصالحه معهم وهو مقرب من معظم السياسيين في البلد، وليخبرنا ايضا اين كان صوته في عهود الوصاية التي غرق خلالها البلد بالسرقات المكشوفة والجرائم المالية التي لم يكن السياسيون المفضلون لدى راغب بعيدين عنها، قبل ان ينتفض فجأة اليوم، ربما لأن البلد الذي كان طائرا حينها غطّ اليوم، في حين ان علامة يريده طائرا أبداً.

إن الهستيريا التي تكلم بها راغب علامة امس في برنامج “هوا الحرية”، توحي بان ليس البلد هو الذي طار، بل عقلاتو لراغب طاروا، آملين في ان يغطّوا في يوم ما، اما المبدع نزار فرنسيس فلم يكن موفقا هذه المرة بموضوع الاغنية وجل من لا يخطئ، وحتى العظماء منهم يخطئون.