– ليبقى في هذا الشرق حَمَلة صُلبان يسيرون على خُطاك (أمين أبوراشد)
***
وكأني في هذا الشهر أرغب الهروب إليك،
ربما من ضوضاء احتفالهم بقدومِك أيها المتواضع،
لا اعتراض لديّ على الزينة والبذخ والبهرجة،
ولا على “سانتا كلوز” الذي يحمل الهدايا ولكن، شرط أن يحملها الى الفقراء والمحتاجين..
ومشكلتي معه أنه لو وزَّع هداياه على العائلات الفقيرة، فإن في قرع جَرَسِه ذلٌّ لهم، وفي قهقهاته السخيفة ازدراء غير مقصود ربما، وفي الكاميرات التلفزيونية التي تواكبه تحقيرٌ للناس يا مَن وُلِدت في مزودٍ حقير، وعُذِّبتَ وصُلِبتَ من أجل خلاص الناس وفداءً لهم، ومن أجل كرامتهم، ولأنك كذلك، نصرخُك كرامتنا…
من حق هذا الكون أن يحتفي بكَ يا سيدي،
والأنوار لو سَطَعت في أرجاء المعمورة فأنت المُستحقّ يا نور العالم،
لكنها لم تعُد نور قلوبنا التي لا تعيشُك يا ملك المجد ورسول الخير والمحبة والسلام، لأننا بلغنا زمن الشرِّ والحقدِ والحروب الكافرة، ونحن الذين على دينك في شرق الشياطين هذا، دفعنا وندفع الأثمان من وجودنا وكرامتنا وأرزاقنا وأعراضنا وما زلنا نُردِّد عبارة “لأجل إسمك يا يسوع”.
ولأن “خليفة بطرس” اليوم، قداسة البابا فرنسيس، يٌشبه تواضعك ويُشبه زُهدنا، نرى فيه قبساً من نورِك، وأملاً في إصلاح حالنا ولكن،
كيف له يا سيدي أن يخلع الصلبان الذهبية الدنيوية عن صدور الأساقفة ويأمرهم بصليبِ من خَشَب من عودِ صليبك،
كيف له أن يرسِم لهم المزود الحقير بدلاً من المِفرَش الوثير،
وكيف له أن يجعلهم رُسُلاً بالفعل لا بالقول يا سيدي، وهُم على عروشِ هذه الدنيا مُتربِّعون، وعن هموم رعاياهم معظمهم غافلون؟
عن قداسة البابا فرنسيس ننقُل الوجع على العائلة المسيحية المؤمنة، التي لها حاجاتها البديهية كي تعيش بكرامة في آخرٍ وطنٍ في هذا الشرق، وطنٌ، يجرؤ فيه المسيحي أن يرفع صليبه ويقرع جرس كنيسته، ونسألك يا طفل المغارة أن تُبارك أجراسنا وأن يتردَّد صداها ليس في آذاننا وقلوبنا فقط بل في آذان وقلوب من يعتلُون المذابح ويُلقون العِظَات في التواضع وهُم علينا مُكابرون وعن آلامنا غافلون…
لا نراهم في عرق لُقمتنا، ولا في صراخ جياعنا، ولا في حبَّة الدواء..
لا نراهُم في قلقنا على مستقبل أولادنا، ولا في أحلامهم بعملٍ شريف ولا بسقفٍ يأويهم، ولسنا نُطالبهم بأن يتبنُّوا أولادنا ولكن، “فِلسُ الأرملة” الذي أضاء فيه المسيحيون شمعة على مذبح مجدِكَ، واعتلت بفضلِه صروح الأديار والكنائس ومراكز الإرساليات والمدارس والمستشفيات وتوسَّعت أرزاق الأديار، آن له أن يُنبِتَ في قلوبهم رحمة يسوع، وأن يلتفتوا الى حامِلِي صليبك عبر “فلس أرملة”، وأن يستثمروا بنا وبعرق جبيننا عبر مؤسساتٍ مُنتِجَة، ليبقى في هذا الشرق حَمَلة صُلبان يسيرون على خُطاك ويسلكون دروب بولس، وهذا لن يحصل ما لم يُولَد في معظمهم يسوع كما وُلِدَ فينا…