تحوّلت مخاوف سكان البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع لبنان من أصوات الحفر الرتيبة المتناهية من أعماق الأرض إلى حقيقة مفزعة بعد أن تم اكتشاف أنفاق لحزب الله عابرة للحدود.
وبطبيعة الحال الأنفاق هي وسيلة قتال لم يخترعها حزب الله، وهي تمتد إلى تاريخ إنساني عسكري موغل في القدم، إلا أن تجلياتها ظهرت في عدة تجارب كبرى، وخاصة في الحرب العالمية الأولى والثانية، إلى أن جاء الفيتناميون وجعلوا من الأنفاق سلاحا فتاكا، أوجعوا بواسطته الغزاة منذ الصراع العنيف ضد الاستعمار الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي، وبعد ذلك ضد الآلة الحربية الأمريكية الفتاكة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
أما حزب الله فقد استفاد من التجربة الفيتنامية مطوعا إياها، وفق الظروف الجغرافيا المحلية، وحول هو الآخر هذا الأسلوب في القتال تحت الأرض، إلى سلاح محوري في معارك الكر والفر، ضد جحافل الجيش الإسرائيلي وقوته النارية العاتية برا وبحرا وجوا.
وهكذا، بدأ حزب الله في التمهيد لمعارك المستقبل مع إسرائيل منذ خروج قواتها من جنوب لبنان مرغمة عام 2000، وحفر شبكة من الأنفاق والمخابئ المحصنة في مناطق قريبة من الحدود مع إسرائيل، إضافة إلى مخازن للأسلحة والذخائر، وخاصة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ومراكز للاتصال والقيادة.
ويؤكد خبراء أن حزب الله استفاد بشكل مباشر من تجربة المقاتلين الفلسطينيين في حفر الأنفاق في جنوب لبنان قبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ولاحقا انتقل سلاح الأنفاق السرية إلى قطاع غزة، حيث برز دوره الرئيس في صمود المقاومين وانتقالهم في الخفاء لشن هجمات مفاجئة على الجنود الإسرائيليين خلال الحرب على القطاع عام 2014.
اللافت أن إسرائيل عانت رغم إمكانياتها التكنولوجية العالية من صعوبات كبرى في اكتشاف أنفاق حزب الله قرب حدودها، بل واستغرق إنجازها الأخير في رصد أنفاق الحزب العابرة للحدود مدة طويلة، إذ واجهت السلطات العسكرية الإسرائيلية شكاوى سكان البلدات الحدودية المتكررة من سماع أصوات حفر رتيبة تصدر من أعماق الأرض في المنطقة، بالإنكار التام تارة، والتعبير عن القلق تارة أخرى.
وفي هذا السياق قال خبير إسرائيلي يدعى دورون بيسكين في تصريح إذاعي: “منذ عام 2006 هناك كثير من التقارير العلنية في وسائل الإعلام العربية وغيرها، تتحدث عن وجود أنفاق في جنوب لبنان، وحزب الله لم يحاول إخفاء أنه يوسع شبكة أنفاقه، وما هو معروف أنه من جنوب الليطاني وحتى الحدود الإسرائيلية توجد شبكة أنفاق تابعة لحزب الله، ونحن نتحدث عن أنفاق إذا ما قارناها بأنفاق غزة، فإن الأخيرة تبدو كلعبة أطفال مقابل ما يوجد لدى حزب الله”.
ورأى هذا الخبير الإسرائيلي في معرض حديثه عن تعقيد الأنفاق التي يحفرها حزب الله أن الأمر “ليس مجرد أنفاق لإطلاق الصواريخ بصورة أوتوماتيكية بتقنية إيرانية تصعب على سلاح الجو العمل ضدها، إنما نتحدث عن شبكة أنفاق يوجد فيها كل ما يلزم لمئات، وربما لآلاف المقاتلين للبقاء مدة طويلة تحت الأرض”.
وأوضح الخبير كذلك أن مخابئ وأنفاق حزب الله ليست مخصصة فقط لـ”منصات الإطلاق وغرف الحرب، فهناك عيادات طبية وغرف طعام ومراحيض، أي كل ما يحتاجه مقاتلو الحزب مثل الإضاءة والاتصالات، ومن الصعب معرفة عمق هذه الأنفاق”.
وفي السياق ذاته، قالت دراسة أعدها العسكريون الإسرائيليون بعد حرب عام 2006 إن الجيش الإسرائيلي اكتشف “للمرة الأولى أن نظريته الأمنية غير قادرة على مواجهة عدو يكون موجودا في الوقت نفسه في مجالين، أرضي وتحت أرضي”.
-روسيا اليوم-