أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


فرنجية: لا فائدة من التمسّك بالأحقاد.. وحزب الله “نثق بِك ولا نخاف منك”

– فرنجية عن الإستحقاق الرئاسي: محصور بيني وبين باسيل. جعجع جرّب سابقاً خيار عون، أعتقد أنه بيني وبين باسيل يختارني.. (فراس الشوفي – ميسم رزق)

***

…أسئلة كثيرة ارتسمت بعد مصالحة بكركي الأخيرة، عند جمهور حلفاء فرنجية وأخصامه. هل كانت المصالحة مع رئيس حزب القوات سمير جعجع لزوم ما لا يلزم؟ هل تحالف مع القوات؟ هل منح صكّ براءة لسمير جعجع من دم عائلته؟ أم أن سلوك التيار الوطني الحر، وتحديداً وزير الخارجية جبران باسيل، دفع فرنجية إلى «أبغض الحلال»، بمصافحة جعجع وإعلان «المسامحة» بعد أربعين عاماً على جريمة إهدن؟

.. إلى المصالحة. يبتسم فرنجية، «شو بها المصالحة؟ اسمها يكفي لشرحها». يبدأ رئيس المردة بوضع إطار لما جرى الأسبوع الماضي في بكركي: «هي مصالحة من دون أي اتفاق سياسي أو التزام أو تفاهم مستقبلي. طبعاً هناك تهدئة بين الحزبين والجمهور من نتائج المصالحة، وأصلاً كان هناك قناة اتصال لتخفيف التوتر والاحتقان الذي كان يحصل في السنوات الماضية».

لكن لماذا الآن، ألم تحصل مصالحة في لقاء الزعماء المسيحيين الأربعة في بكركي قبل سنوات؟ يردّ فرنجية: «لم تكن مصالحة وقتها، كان لقاء عابراً جرى برعاية بكركي لمصلحة المسيحيين ولبنان، وما حصل الأسبوع الماضي هو أيضاً برعاية بكركي، ولمصلحة لبنان والمسيحيين». يتابع: «أما لماذا الآن، فلنسأل عكسياً، متى هو الوقت المناسب؟ ليس هناك من توقيت محدّد، لكن الظروف نضجت، ولا فائدة من التمسّك بالأحقاد. وأكرر هي مسامحة ومصالحة وليست تحالفاً سياسياً».

لكن البعض يقول إنك تنازلت عن دم عائلتك، ما ردّك على هذا المنطق؟ يجيب فرنجية: «أوّلاً هذا ليس تنازلا عن دم عائلتي، هذه مصالحة ومسامحة عن شيء لي الحق فيه أنا وأهالي الشهداء الذين جلست وإياهم قبل القيام بأي تحرك. لا أريد الخوض في التفاصيل، لكنّي على الأقل تنازلت من دون مقابل عن حقّي، فيما تنازل آخرون عن دم غيرهم لأجل الرئاسة».

بيتكم وأنت وحكاية مجزرة إهدن، تمثّلون حالة وجدانية معيّنة لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، فهل منحت مصالحتك لجعجع صك براءة له؟ يردّ فرنجية: «جعجع خرج من السجن بتوافق سياسي، وهو موجود في الحياة السياسية، والحلفاء والخصوم يتعاملون معه بهذه المعطيات، ثمّ إن منطق «صك البراءة» منحه التيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون لرئيس القوات في معراب، وأوقفوا الحملات الإعلامية ضد القوات ووقّعوا وثيقة وعملوا تفاهم سياسي طويل عريض، كلّه لأجل الرئاسة، وعندما وصلوا إلى الرئاسة انقلبوا على الاتفاق على مراحل. أنا على الأقل لم أتعهد له بأي شيء وهو كذلك».

كم تقوّم الفائدة بالنسبة إليك وبالنسبة إلى جعجع؟
«ممم»، يفكر فرنجية قبل أن يجيب، ثمّ يرد: «لا أرى أن المسألة ربح وخسارة، لكن أعتقد أن المصالحة المجرّدة هي ربح 50 للمردة و50 للقوات. ربّما تتحوّل هذه الفائدة، بحسب الظروف لمصلحة لأحد الفريقين، لأن الظروف المحلية والإقليمية متغيرة».

هل يمكنك أن تعطي مثالاً؟
يرد رئيس المردة، «نعم، فلنأخذ مثالاً، مع أن الانتخابات الرئاسية المقبلة بعيدة المدى، لكن إذا بقيت الظروف الحالية وتقدّم سوريا ومحور المقاومة في الإقليم، وهذا المرجّح لسنوات مقبلة، فإن حظوظي مرتفعة لأكون الرئيس المقبل.

في المرة الماضية، كان محسوماً أن الرئيس من قوى 8 آذار ورئيس الحكومة من فريق 14 آذار، أرجّح أن تكون الرئاسة المقبلة على هذا الأساس مع أنها بعيدة وليس وقتها للنقاش، لكن ستكون موازين القوى نفسها. لذلك سيكون الاستحقاق محصوراً بيني وبين جبران باسيل. جعجع جرّب سابقاً خيار عون، وكانت النتيجة الانقلاب على التفاهم. أعتقد أنه بيني وبين باسيل يختارني، فأنا وباسيل من ذات الخيار السياسي، لكن الفرق أنني أخاصم بشرف وأعطي كل ذي حق حقّه ولا أنقلب على اتفاقات».

هل يعني هذا الكلام أن هناك اتفاقاً على هذا الأمر؟
يرد فرنجية سريعاً: «طبعاً لا. قد تقف القوات إلى جانب هذا الخيار أو لا تقف، لم نناقش الأمر ولم نقترب منه أصلاً. لكن أعطي مثلاً، لأن هناك من يحضّر لانتخابات الرئاسة منذ الآن بأي ثمن وبكل الوسائل، ومنها محاولة القول باحتكار النواب والأصوات المسيحية وهذا غير صحيح طبعاً، أو القول إن المردة خارج جبل لبنان وهذا تفكير متخلّف، التمييز بين مسيحي من جبل لبنان ومسيحي من الأطراف».

هل تأخذ القوات من جمهور المردة مستقبلاً؟
يرد فرنجية: «مستحيل، نحن جمهوران وعنوانان منفصلان في السياسة. المردة لا يتحولون إلى قوات والعكس صحيح. لكن كلنا نتنافس على الكتلة الرمادية. للأسف، التيار الوطني الحرّ يوتّر الشارع ويحرّك العصبية، وعندها يمكن للقوات أن تستقطب من هذه الشريحة».

هل لا يزال جعجع مخيفاً بأدواره على الساحة اللبنانية، في الأمن مثلاً؟
يرد فرنجية: «الجميع مخيف بالأمن بحسب الظروف. في الظروف الحالية لا أعتقد. فليكن السؤال الأخير عن المصالحة، لا أريد تخريبها، لقد مضى ما مضى».

متى تتألف الحكومة؟
فرنجية: «أعتقد أن الأمور معقّدة. من الواضح أن همّ باسيل الوحيد هو الحصول على 11 وزيراً، للتأكد من قدرته على إمساك الحكومة في حال حصول أي تطوّر، طالما أن هناك اعتقاداً بأن هذه الحكومة ستبقى مدة طويلة. إذا كان باسيل يثق بحلفائه، فلماذا يصرّ على الثلث المعطّل؟ هذا يعني أنه يفتعل أزمة ثقة، تضاف إلى سلوك عام أخيراً. هل تستأهل معركة الرئاسة توتير البلد منذ الآن؟ هذا سؤال يجب أن يطرح عليه. هناك عقل إلغائي ضد الجميع».

***

تقوم العلاقة بينَ حزب الله ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية على ركيزة أساسية هي «الثقة». تحتَ هذا السقف يتحرّك «البيك» وفقَ ما يراه مناسباً، للحفاظ على موقعه السياسي حاضراً، ومستقبلاً لجهة معركته الرئاسية. و«الثقة» هي ما يختصر به حزب الله موقفه من مصالحة فرنجية وسمير جعجع.

يعتري التقدير القائل أن الوزير السابق سليمان فرنجية ذهَب إلى مصالحة مع سمير جعجع، بضوء أخضر من حزب الله، الكثير من المُبالغة. كما أن القول إنه خطا مثل هذه الخطوة بمعزل عن رأي الحزب، فيه أيضاً مقدار كبير من التبسيط لعُمق العلاقة بين الطرفين. لم تكُن صورة المُصالحة التي رعتها بكركي بين فرنجية وجعجع مألوفة. أول سؤال تبادَر إلى أذهان بعض المتابعين هو موقف الحزب منها، علماً أن الأخير يرفُض أي حوار مع «القوات» خارج مؤسسات الدولة. لكن إجابة أوساط الحزب كافية على نحو لا يترك مجالاً للاجتهاد.

من يستمِع بدقّة إلى ما تقوله الأوساط عن «الحليف الصادق» يُدرك تماماً أن الثقة التي حفرت طريقها بين بنشعي وحارة حريك كفيلة بأن تُبقي الأخيرة «يديها ورجليها في مياه باردة». يكفي أن يضع فرنجية حزب الله بأيّ خطوة ينوي القيام بها، حتى يسمَع «مباركته». وتعليقاً على ترميم العلاقة مع معراب، جملة واحدة سمعها رئيس تيار المردة من قيادة الحزب، تختصِر ما يجمعَهما. قيلَ له بالحرف: «نثِق بك. ولا نخاف منك. افعَل ما تراه مناسباً».

لا يُمكن الحديث عن فرنجية في الضاحية الجنوبية من دون العودة إلى عام 2004. منذُ ذلك الوقت بدأت العلاقة بينهما تتطوّر على نحو مضطرد. أصبَح صديق الرئيس السوري بشار الأسد، صديقاً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. حافظَ على شعبية كبيرة في بيئة الحزب وبين كوادره، على رغم «ورقة التفاهم» التي جمعت الأخير بالرئيس ميشال عون، وتغليب الحزب هذا التفاهم في مقاربة الملف الرئاسي على حساب فرنجية. لم يكُن ذلك نتيجة نقزة قيادة حزب الله من الدعم السعودي – الحريري لوصول فرنجية، بل «كان التزاماً أخلاقياً مع عون، كما يلتزم اليوم بحلفائه، سنّة 8 آذار». فـ«نور العين» كما وصفه السيد نصرالله يومها هو «أحد الأعمدة الثابتة في محور المقاومة لا يُمكن أن يهتزّ»، و«شخصية مبدئية يُمكن الوثوق بها إلى أبعد الحدود». هذا هو جوهر علاقته بحزب الله، سواء حينَ ذهبَ إلى باريس للقاء الحريري سرّاً (للتفاهم حول الرئاسة)، أو بما حصَل مؤخراً في المصالحة مع القوات اللبنانية.

في هذا الإطار السياسي يتعامل حزب الله مع فرنجية. بعيداً من منطق الشروط والإملاءات يترك له تقدير الوسيلة لتحقيق ما يصبو إليه، تماماً كما تعامل الحزب مع عون حينَ ذهبَ إلى مُصالحة معراب بهدف الحصول على دعمها الرئاسي. يومَ وُقّع هذا الاتفاق بين حزب القوات اللبنانيّة والتيار الوطنيّ الحر، وتبنّى فيه جعجع ترشيح العماد عون إلى الرئاسة، وما كانَ قبلها من دعم الرئيس الحريري لفرنجية في هذا السِباق، اعتبر حزب الله أنه ربِح جائزتين: «اللوتو واليانصيب». حينها، وصلَ الحزب إلى خلاصة كرسّت انتصاره، بوضع حليفيه على طريق بعبدا. وكما أن عون دخلَ نادي رؤساء الجمهورية، لا يزال الحليف «الثابت والموثوق» يعبّد طريقه للوصول.

تتعدّى علاقة فرنجية بحزب الله حدودَ التفاصيل. يكتفي الزعيم الزغرتاوي بإرسال إشارة تبليغية إلى حارة حريك. والمدى الذي يمكن أن تصل إليه خطواته «متروك له ملء الثقة». حينَ وضَع حليفه في صورة بناء العلاقة مع معراب، سمِع فرنجية كلاماً يقفز بمعناه السياسي فوق كل «محاولات الحصار» التي تعرّض لها ولا يزال. آخرها في موضوع تمثيله داخل الحكومة حين حاول رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وضع فيتو على تسلّمه وزارة الأشغال، ووقفَ الحزب سداً منيعاً في وجه وزير الخارجية. الكلام «عن الثقة» لن يفرّط به، بل سيستثمره لتوسيع مساحة ملعبه على قاعدة أنه «الأحق برئاسة الجمهورية» في الاستحقاق المقبل، لا سيما أن الحزب يترك له «هامش الحرية والتحرّك تحت سقف التفاهم الإستراتيجي». إذاً المسألة كلها هي سباق على الرئاسة المقبلة. سابقاً كان حزب الله ملتزماً بدعم عون. أما فرنجية فيعتبر أن الحزب غير مُلزم سوى به، ولو أن الأخير يقول في كواليسه «إن الحديث عن الرئاسة لا يزال مُبكراً».

الأخبار