أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


السنة اليوبيلية للاستقلال: عون لا كغيره من الرؤساء.. (داني باخوس القزي)

– العماد عون: مسيرة التحرير والتحرر والديمقراطية تأتي تباعاً، وأقول لكم إن التحرير هو الأسهل
– عون عايش  أزمات ومعاناة الوطن قبل الطائف، أطلق شرارة التحرير بوجه الاحتلال في ظلّ الطائف، ويستكمل مسيرة التحرّر وبناء الديمقراطيّة مع الطائف..

***

خمسة وسبعون سنة على الاستقلال وما زلنا نسعى لترسيخ الأسس الفعليّة لقيام الدولة على مختلف المستويات. من الانتداب الفرنسي والاستقلال سنة 1943، الى الاحتلال الاسرائيلي والتحرير سنة 2000 ، وصولا” الى الاحتلال السوري والتحرير سنة 2005. معاناة مستمرّة ومحطّات مختلفة من النضال وإصرار على تثبيت وترسيخ الاستقلال.

بعد استقلال 1943 شهدت الجمهورية اللبنانية 12 عهدا” رئاسيا”، عهدين منهما لم تكتب لأصحابهما الحياة. توالى على رئاسة الجمهوريّة خلال تلك العهود سبعة رؤساء منذ استقلال 1943 حتى الطائف وخمسة رؤساء منذ الطائف حتى اليوم. بعض هذه العهود، وخصوصا” تلك التي جاءت بعد الاستقلال مباشرة، أسّست الدولة ووضعت هيكليتها وكان تأثيرها ايجابيا” على مسيرة الوطن وبناء المؤسسات والمحافظة عليها. أما البعض الآخر فكان مدمّرا” وكارثيّا” على مختلف المستويات، خصوصا” تلك التي جاءت في ظلّ الاحتلال السوري بعد الطائف.

الرئيس الأول لجمهورية الاستقلال كان بشارة الخوري. تأسس في عهده الجيش اللبناني بقيادة اللواء فؤاد شهاب، وبدأت الدولة بتنظيم شؤون المواطنين وتحقيق نهضة عمرانية في البلاد. تلاه الرئيس كميل شمعون الذي تميّز عهده بالرخاء الاقتصادي والبحبوحة والاستقرار الامني، وبالاصلاحات الادارية ودعم الحريّات. الرئيس الثالث كان اللواء فؤاد شهاب الذي يعدّ المؤسس الفعلي لمؤسسات الدولة اللبنانية وهيكليتها، ولمصرف لبنان. أما الرئيس الرابع للجمهوريّة شارل حلو، فكان عهده امتدادا” للعهد الشهابي، وقد سعى الى مواصلة العمل الاصلاحي الذي بدأه شهاب، لكنه فشل. إضافة الى ذلك، خلال عهده وضع اتفاق القاهرة في العام 1969 الذي شرعن السلاح الفلسطيني ضد اسرائيل على الاراضي اللبنانية، وما زلنا حتى اليوم نعاني من ذيول شرعنة العمل الفدائي الفلسطيني إنطلاقا” من لبنان. بعد شارل حلو، كان عهد اندلاع شرارة الحرب مع الرئيس سليمان فرنجية الذي تخلل عهده عدد كبير من الأزمات مع المجموعات الفلسطينية بسبب التعديات الفلسطينية على الشعب اللبناني.

لم يكن عهد الرئيس السادس للجمهوريّة الياس سركيس أفضل من عهد سلفه سليمان فرنجيّة. فقد شهد عهده حربا” ضروسا” بين ميليشيات الاطراف اللبنانية والمجموعات الفلسطينية والجيوش الاجنبية التي انخرطت في الحرب اللبنانية، ناهيك عن الدخول السوري الى لبنان في محاولة لإيقاف الصراع الدموي الناشب والذي تحوّل فيما بعد الى إحتلال.

إضافة الى الإجتياح الإسرائيلي الذي وصل الى بيروت وأدّى في نهاية المطاف الى إخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان في شهري آب وايلول 1982. في ظلّ كل تلك الأجواء المدمّرة للوطن ولكيانه، أتى عهد بشير الجميّل الذي استبشر اللبنانيون من معظم الطوائف خيرا” بوصوله الى الرئاسة. وقد رفع بشير لواء استعادة استقلال لبنان ومغادرة الجيوش المحتلة تحت شعار “10452 كلم مربع” لكنه اغتيل في 14 ايلول 1982 قبل ان يتسلم الحكم. خلف البشير شقيقه الرئيس أمين الجميل الذي شكل عهده المنصة الاساسية لمواجهات كبيرة مع الخارج وفي الداخل عقب الاحتلال الاسرائيلي للبنان. في نهاية عهده٬ سلّم الرئيس الجميّل الحكم الى حكومة عسكرية بقيادة العماد ميشال عون وكان عهده آخر عهود ما قبل الطائف٬ لتدخل البلاد بعدها في مرحلة جديدة من المواجهات العسكريّة والسلميّة مع الاحتلال السوري للبنان.

إنتهت المقاومة العسكريّة مع الطائف ولكنّ المقاومة السلميّة التي كان رأس حربة فيها شباب التيار الوطني الحرّ بقيادة العماد ميشال عون، لم تنته حتى انسحاب آخر جندي سوري من لبنان سنة 2005. إستمرّت عمليّة المقاومة والتحرير السلميّة خلال ثلاثة عهود رئاسيّة أوّلها كان عهد رينه معوض الرئيس الاول لجمهورية الطائف الذي انتخب سنة 1989. حاول الرئيس معوّض التفاوض مع رئيس الحكومة الانتقالية آنذاك العماد ميشال عون لإنهاء الأزمة اللبنانية، إلا انه اغتيل قبل أن يتمكن من قطف ثمار ذلك. العهد الثاني بعد الطائف كان عهد الرئيس الياس الهراوي الذي عرف بعهد إقصاء المسيحيين ونجح بعزل ونفي رئيس الحكومة الإنتقالية العماد ميشال عون بدعم من الجيش السوري. كما نجح أيضا” بإقصاء وسجن قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع. تميّز عهد الرئيس الهراوي بالتدخل السوري المباشر في إدارة الوضع اللبناني على جميع المستويات لذا فقد عرف عهده كما عهد الرئيس لحود من بعده بعهد الوصاية السوريّة. شهد عهد الرئيس لحود إنسحاب الجيش الاسرائيلي من الجنوب والبقاع عام 2000. أما بالنسبة للاحتلال السوري، فقد استمرّ التدخّل على الوتيرة ذاتها في عهد الرئيس إميل لحود الذي شهد عهده أيضا” إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 لترتفع بذلك وتيرة المطالبة بالانسحاب السوري من لبنان ويتحقق الانسحاب الكامل في 26 نيسان 2005. وفي أيّار 2008 ، انتخب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية الذي شهد عهده انفجار تداعيات الحرب السورية. أما اليوم، فنحن في عهد جديد لرئاسة الجمهورية برئاسة العماد عون قائد مسيرة التحرير ورافع شعار التحرّر.

رحل السوري في العام 2005 ولكن كان لا بدّ من متابعة النضال لبناء الدولة. فمع هذا الانسحاب، اكتملت عمليّة تحرير الأرض وترسّخت لدينا قناعة بأننا بتنا أخيرا” بلدا” مستقلا”. صحيح أننا ناضلنا للمحافظة على إستقلالنا خلال كل تلك المراحل منذ إستقلال 1943 حتى يومنا هذا واتخذ نضالنا مختلف الأشكال٬ لكننا لم نع أنه صونا” لإستقلالنا وحفاظا” عليه٬ يجب أن تستكمل معركة التحرير بمعركة التحرّر. في كلمة له في آب 2016 بمناسبة ذكرى السابع من آب، وضمن هذا السياق٬ ذكّر العماد عون اللبنانيّين بمعركة التحرّر وحثّهم على متابعتها قائلا”:

في هذه الذكرى نتذكر أن مسيرة التحرير والتحرر والديمقراطية تأتي تباعاً، الواحدة منها بعد الأخرى. ولطالما كنت أقول لكم إن التحرير هو الأسهل، ففي التحرير يكون العدو معروفاً والهدف واضحاً وكذلك حدود الأرض الواجب تحريرها. لذلك قلت في رسالةٍ وجهتها الى الشباب اللبناني في العام 1999، إننا ننشد التحرير والتحرر، والتحرر هو الأصعب لأن هناك تقاليد بالية تقيدنا وستكون في مواجهتنا“.

وتابع العماد عون قائلا”:

“نعم التحرر صعب، ويرتّب علينا أن نتخلّص من أمور كثيرة، أولها الذاتية المفرطة التي تمنع الفرد من العمل ضمن مجموعة. الممارسة الديمقراطية وترسيخ الديمقراطية هي من الأهداف الصعبة لأن اللبناني بطبيعته لا يستطيع الإنضباط ضمن مجموعة وضمن فكرة معينة للعمل عليها.”

وفي أفضل توصيف له للواقع الذي نعيشه اليوم٬ قال العماد عون:

“نحن اليوم في مرحلة مشتركة بين التحرر وبناء الديمقراطية”.

يأتي اليوبيل 75 للاستقلال هذا العام ونحن ما زلنا نعيش هذه المرحلة المشتركة بين التحرر وبناء الديمقراطية، إذ أننا لم نتحرر بعد من كلّ ما يعيق إرساء الحالة الديمقراطيّة الفعليّة. لذا فإننى نتغنّى بها في الوقت الذي ما زلنا نمارسها توافقيّا” لعدة توازنات وإعتبارات ما زالت تقيّدنا. إستنادا” الى بعض التعريفات المرتبطة بكلمة “يوبيل”٬ في السنة اليوبيلية المسيحية تغفر جميع الخطايا والذنوب، ويتمتع المسيحيون باستحقاقات المسيح وأوليائه، وهو عندهم يوم مسامحة وصفح وغفران وتكفير عن الذنوب. لهذا يعظمونه كثيرا ويحتفلون به احتفالا كبيرا”.

وما أحوجنا اليوم أمام عظمة هذه المناسبة إلى أن نطلق على ذكرى الاستقلال لهذه السنة “السنة اليوبيلية للاستقلال“. علّها تكون سنة مسامحة وصفح وغفران وتكفير عن ذنوب اقترفناها بمعرفة أو بغير معرفة، وسنة تحرّر من التقاليد البالية التي تقيّدنا فنتخلّص من الذاتية المفرطة التي تعيق تقدّمنا وتطوّرنا. سنة تحرّر من الطائفيّة وآثارها المدمّرة لمسيرة بناء الدولة وتطوّرها، تحرر من التبعيّة والارتهان الى الخارج ولمصالحه على حساب مصلحة الوطن فنكون بعدا” لبنانيا” في الخارج بدل أن نشكّل بعدا” للخارج ولمصالحه في الداخل. تحرّر من المصالح الخاصة والضيّقة التي تطغى على المصلحة العامة وتعيق مسيرة التغيير والاصلاح واستئصال الفساد المتفشّي في هيكليّة الدولة، ومن الماضي الأليم للانفتاح على مستقبل واعد.

إنها فعلا” الفرصة التي من الصعب أن تتكرّر في ظلّ وجود رئيس لا كغيره من الرؤساء، عايش معظم أزمات ومعاناة هذا الوطن خلال مرحلة ما قبل الطائف، أطلق شرارة التحرير في وجه الاحتلال في ظلّ الطائف، ويستكمل مسيرة التحرّر وبناء الديمقراطيّة مع الطائف. أما اليوم، في الذكرى اليوبيليّة للاستقلال، وقد تطوّع لاصلاح ما أفسدتم وإعمار ما أهدمتم وترميم ما شوّهتم، تحرّروا من أنانيّتكم المفرطة ومن تقاليدكم البالية، لا تعيقوا مسيرة الاصلاح وبناء الدولة، وتذكروا دائما” أنكم أضعتم على هذا الوطن ما يكفي من فرص، وأنّ هذه الفرصة لا ولن تتكرّر.

وكلّ استقلال وأنتم ولبنان بألف خير.

عضو مجلس قضاء كسروان الفتوح
في التيار الوطني الحر