– أهل السُنَّة أهلنا ولكن، آن لهم إعادة قراءة تاريخ مآسيهم بدل رمي التبعات على الآخرين (أمين أبوراشد)
***
ليست مشكلة السُنَّة، مع الآخر المُسلِم المُختلِف، ولا هي مع المسيحي “الكافر”، ولا هي مع اليهودي مُغتصب المقدَّسات، بل هي مع هذا الكمّ من المدارس التكفيرية الدينية/السياسية التي نشأت وتنشأ عبر التاريخ، منذ يزيد بن معاوية، مروراً بدُوَل الخلافة المُتعاقبة، وصولاً الى ظاهرة محمد بن عبد الوهَّاب المُشيطِنَة للآخر في أرض نجد والحجاز، وانتهاءً بمدرسة الأخوان المسلمين التي أسَّس لها حسن البنَّا ومن بعده سيِّد قُطُب، وما تلاهما لاحقاً من مدارس التطرُّف لدى “طالبان” و “القاعدة” وصولاً الى داعش والنصرة، وانفلات عمائم التكفير المتمرِّدة حتى على الأزهر، والتي اعتلت منابر الدين من المحيط الى الخليج، من أمثال يوسف القرضاوي ومحمد العُريفي وأبو اسحق الحويني والعشرات لا بل المئات من العمائم الحاقدة التي كان لنا منها في لبنان نصيبٌ كبير، وجميعها تصدَح بإسم حقوق أهل السُنَّة والجماعة، ولا أحد يدري ماهي حقوق طائفة كانت في طليعة العاملين من أجل “أمَّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” لتنتهي بها الأمور في زواريب التمترُس المذهبي المُتنوِّع بتنوُّع موارد التمويل و”التِبَعية المُدجَّنة” للأنظمة الخليجية والسفارات الأجنبية.
وبما أن وقائع التاريخ تُثبِت، أن ظاهرة تكفير الآخر لدى بعض المدارس السُنِّية والعمائم المُتطرِّفة، ليست وليدة ردود فعل مذهبية على قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، طالما أن الصراعات الفقهية والسياسية البَينِيَّة هي سابقة بقرون لقيام الثورة الإيرانية، ولو أن هذه الثورة جاءت كما قميص عُثمان، لكن ما علاقة إيران بالخلافات السُنِّية السُنِّية، في ليبيا وتونس ومصر، وفي فلسطين، حيث الصراعات الفصائلية التي لا تنتهي بين السُنَّة أنفسهم، وفي العراق بين سُنِّي عربي وسُنِّي كردي، وفي سوريا بين سُنِّي مُعتدِل وبين آخر شيطنته مدارس التكفير ويٌدمِّر بلاده تحت ستار حقوق أهل السُنَّة!
ونَصِل الى لبنان لنقول: الخلاف سُنِّي سُنِّي، على توزير سُنِّي، فلا تحشروا المقاومة في لبنان، ولا حُلفاء المقاومة من المسيحيين بشكلٍ خاص، والمطلوب من سُنَّة لبنان وعلى رأسهم دار الفتوى لبننة إنتمائهم – لو استطاعوا التحرُّر من “السعودة” – بحيث باتت المُزايدة في الإرتماء بين أقدام البُخاري وتبخيره، مرضٌ سارٍ، حتى لدى خصوم تيار المستقبل، وأوراق اعتماد الزعامات السُنِّية يتمّ تقديمها عبر الإستدعاء الى المملكة أو في السفارة السعودية، وتحريك الزواريب التكفيرية لم ينتهِ مع عمر بكري فستق وأحمد الأسير وكل الإرهابيين الموجودين في السجون، ولا مع داعية الإسلام الشهال الهارب الى المملكة، ولا انتفى المنطق التكفيري بابتعاد معين المرعبي وخالد الضاهر وأشرف ريفي عن واجهة الحدث السياسي اليومي، لأن التكفير كما الإرهاب، لا حصر له بأشخاص وأمكنة وأزمنة، بل هو ثقافة رافضة للإندماج، وهذه الثقافة المُستدامة في بؤسها، هي المسؤولة عن كل ما يُصيب أهل السُنَّة ويُشظِّي الآخرين، كما يحصل لأقباط مصر ومسيحيي العراق وفلسطين، ويبقى أهل السُنَّة أهلنا ولكن، آن لهم إعادة قراءة تاريخ مآسيهم وإصلاح أمورهم بدل رمي التبعات على الآخرين والسلام ..