أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


حدثني عن المحبة.. حضور الله في الزمان والمعنى الروحي للإلحاد..

– الحب والعدالة يسيران معًا.. فهي اسم آخر للاحترام (روبير شعيب) + دور مريم بمساعدة الأنفس المطهرية

***

يقال أن الرابي موشيه ليب قال مرة: “ليس هناك ميزة أو قدرة بشرية إلا وخُلقَت لفائدة ما. فحتى الصفات الدنيئة والشريرة يُمكن أن تُرفّع لخدمة الله. فعلى سبيل المثال، الكبرياء، عندما يُرفع يتحول إلى شجاعة نبيلة في دروب الرب”.

لدى سماعهم هذا القول، سأله بعض التلاميذ: “رابي، وما فائدة الإلحاد؟”.

عندها أجاب الرابي: “الإلحاد أيضًا له أهميته في فعل التقوى. فعندما يأتي إليك محتاج يطلب عونك، لا يجب أن تشجعه وترسله لكي يرفع صلاته إلى الرب، بل يجب أن تتصرف وكأن الله ليس موجودًا، وكأنه ليس في العالم إنسان آخر يستطيع أن يساعد ذلك المحتاج، إلا أنت”.

هذه الخبر الذي يورده مارتن بوبر في أخبار الحسيديم يتحدى المفهوم الهيولي للحياة الروحية. فهو يُفهمنا أن حياة الصلاة والقرب من الله ليست هروبًا من العالم ومن التاريخ، بل هو اندراج روحي في التاريخ والحياة. فإذا كان صحيحًا أن الله يستجيب صلاتنا، فصحيح أن جواب الله إنما يمر في معظم الأحيان من خلالنا، بحيث نكون نحن جواب الله الملموس.

ولعل الخبر الذي يورده الأب مايكل بول غالاغر اليسوعي عن خبرة عاشها في كالكوتا هي التعليق الأنسب على هذا الخبر الآتي من التقليد…

يُخبر غالاغر أنه عندما كان مُرسلاً في كالكوتا، كان يومًا عائدًا إلى بيت اليسوعيين التقى بطفل كان نائمًا على الرصيف. ولما عاد إلى البيت لم يستطع الأكل لأن فكره كان متمحورًا حول ما رآه. فأخذ وجبته وحملها إلى ذلك الطفل، فوجده حيث التقى به سابقًا، نائمًا. فأيقظه بلطف، واستيقظ الطفل مذعورًا. بعد أن فهم الطفل من الإشارات – الذي لا يجيد الإنكليزية – أن اليسوعي لا يريد أذيته بل تغذيته، تخلى عن الخوف واستسلم لجوعه الكبير.

بعد هذا اللقاء الصامت، عاد اليسوعي إلى البيت وذهب إلى الصلاة، وخلال صلاته شعر بأن حسًا من الغضب يجتاحه. غضب يُسائله، بل بالحري يتوجه إلى الله بالسؤال: لماذا يا رب؟ لماذا لا تفعل شيئًا؟

ويختم اليسوعي بالقول: “شعرت في صمت ضميري شيئًا بدا وكأنه جواب الله: ’لقد فعلت شيئًا، لقد خلقتك!‘”.

الأمانة للأرض

الإيمان المسيحي هو إيمان مبني على الأمانة للسماء والأمانة للأرض معًا. فهو يأخذ هذا الانتماء المزدوج من طبيعتي المسيح الذي هو في آن إله حق وإنسان حق. لا يعيش الإيمان المسيحي وهم ملكوت يأتي غدًا، بل يبدأ بالعمل على تحقيق الملكوت اليوم وهنا. يدعونا المرنم في المزمور أن “نقطن الأرض وأن نعيش بإيمان”؛ أن نعيش على الأرض وقلبنا في السماء؛ أن نحب السماء دون أن نخون الأرض. لا يمكننا أن نتخلى عن هذا الرباط باسم حبنا للكلمة المتجسد. يعلمنا اللاهوتي الأرثوذكسي بول أفدوكيموف أن “التلكؤ في الحضور للعالم يعني نقص في الإيمان الإنجيلي”.

مع التجسد، عانق الله التاريخ، الجسد، الزمان مبينًا لنا أن العلاقة مع الأزلي تمر في الزمن، ومع الروحاني تمر في الجسد. بينما روحانية المسيح الدجال هي روحانية لا تعترف بيسوع المسيح الذي أتى بالجسد (راجع 2 يو 7).

الرجاء المسيحي ليس طوباوية خيالية، بل هو حضور في الزمان. ويشرح اللاهوتي ديتريخ بونهوفر أنه “من خلال مشاركتنا في المسيح نحن نشارك في آن بحقيقة الله وحقيقة العالم. فواقع المسيح يضم في ذاته واقع العالم. وليس هناك إطاران منفصلان، بل إطار المسيح الواحد والمتكامل حيث يلتقي واقع الله مع واقع الإنسان”.

خلال فترة السجن في سجن تيغيل النازي بسبب المؤامرة التي شارك فيها ضد هتلر، كتب بونهوفر عددًا كبيرًا من الرسائل. في إحدى الرسائل إلى خطيبته ماريا فون فيديماير، صرّح بونهوفر أن “المسيحي الذي يعيش برجل واحدة على الأرض، سيعيش برجل واحدة في السماء”.

الإيمان بالمسيح يرغمنا ألا ننسى العالم الحالي بحجة العالم الآتي. حبنا للقريب هو معيار تقييم تتلمذنا للمسيح. فيسوع لا يفصل حب الله عن حب القريب والقديس يوحنا الصليب يستنتج ما يلي: “من لا يحب القريب، يكره الله”.

هذه مفارقة المسيحية الكبرى: أن نتعلم من السماء الحب الصادق للأرض. فالأب هنري دو لوباك يذكرنا بأن “الحياة الأبدية ليست الحياة المستقبلية. إذ من خلال المحبة ندخل، منذ هذه الحياة، في الأبدية. والمحبة تبقى ثابتة إلى الأبد”.

الإنسان هو معاون الله

في مدرسة ديتريخ بونهوفر، مدرسة نشأت في ظل الطغيان النازي، نتعلم أن الله “سدًا للثغرات”. لا يجب أن نعطي الله هذا الدور الهامشي “كـ “حشوة بديلة” لمعارفنا الناقصة… يجب أن نجد الله في ما نعرفه؛ لا يريد الله أن نتعرف عليه في المسائل غير المحلولة، بل في المسائل المحلولة”. لا يجب أن ننظر إلى الله كوصلة ومدة لأيدينا.

نعمة الله لا تعمل فينا رغمًا عنّا، بل تعمل فينا من خلال تعاوننا. يعلّم القديس بولس أننا “نحن عاملون معا في عمل الله” (1 كور 3، 9). ويعلن القديس توما الأكويني أن النعمة لا تحلّ مكان الطبيعة بل تتطلبها وتكملها. ويوحنا بولس الثاني في الرسالة العامة “الإيمان والعقل” يصرح أيضًا بأن الإيمان يتطلب الطبيعة ويكملها.

المسيحي الحقيقي هو صوفي يعيش “تصوّف العيون المفتوحة”. اتحادنا بالله يتم في “قلب العالم”، بحسب تعبير اللاهوتي هانس أورس فون بالتازار. حضورة الله ليس عائقًا، بل هو ملح ونور حاضر بشكل سري وفاعل في كل الوقائع.

لهذا يدعونا بونهوفر لعيش مسيحية ناضجة: “لا يمكننا أن نكون صادقين أمام الله دون أن نعترف بأنه يجب أن نعيش في العالم كما لو أن الله غير موجود. وهذا الأمر نعترف به ونعيشه في حضرة الله!”.

خلاصة بونهوفر البروتستانتي هي كاثوليكية جدًا. فالنعمة لا تحل مكان عمل الإنسان، بل في عمل الإنسان. حياتنا هي حياتنا حقًا. لسنا دمى في يد الله. لقد سمح الله أن يكون الإنسان كيانًا حرًا قائمًا في حضرته. قصة الخلق بالكلمة يوضح لنا هذا الأمر ويبين أن الخليقة ليست امتدادًا لكيان الخالق، بل هي كيان قائم بحد ذاته بإرادة الخالق.

كيف يتدخل الله في الخليقة إذَا؟ يتدخل لا رغمًا عنا، بل من خلالنا، من خلال “نَعَم” ـنا، من خلال انفتاحنا على نعمته.

هناك تدخلات عجائبية لله في التاريخ ولكن السبيل العادي للنعمة هو الطبيعة. يقوم الله بالعجائب، ولكن العجيبة الأعظم على هذه الأرض هي الإنسان. يقول أحد المعلمين أنه إذا أردت أن ترى أعاجيب الله، كنت أنت بالذات أعجوبة. فالله حاضر في التاريخ من خلال حضور الإنسان الذي هو بمعنى ما خليفة الله على الأرض.

الحب المستحيل

خلق الرب الخليقة مستقلة عنه، وبعكس النظرات الحلولية، يصرح الإيمان المسيحي أن هناك فصل جوهري وكياني بين الله والخلائق. أين يظهر تدخل الله الأكبر في التاريخ وفي الخليقة؟ في مداخلات الإنسان ومبادراته.

وأين يظهر الله بشكل واضح في الخليقة وفي الإنسان بشكل خاص؟ عندما نعيش المحبة. فجوهر الله الأعمق والأحقّ هو الحب. “الله محبة” (راجع 1 يو 4، 8 . 16).

المحبة بالنسبة ليسوعهي جوهر العهد الجديد، هي “الوصية الجديدة. وإذا ما فكّرنا مليًا، فوصية المحبة إنما هي ملء دعوة الإنسان إلى ما يسميه الآباء اليونان “التأليه” (theōsis).

عندما نحبّ، نفسح المجال للرب في ذواتنا، نسمح له لكي يفيض فينا روحه القدوس (راجع روم 5، 5) الذي هو محبة الآب والابن المتبادلة.

من هنا من الضروري ألا يكون الحب مجرد كلمة فارغة نملأها بما هب ودبّ من خواطرنا وأفكارنا. المحبة الحقة يجب أن تعكس جوهر الله.

يعلمنا الأب فرنسوا فاريون أن في الثالوث القدوس يلتقي الحب والعدالة ويسيران معًا. العدالة لأن كل أقنوم إلهي يريد أن يكون الآخرون. والحب لأن كل أقنوم إلهي يفرغ ذاته لكي يفسح المجال للأقنومين الآخرين.

العدالة هي اسم آخر للاحترام، للانتباه، للنظرة التي تحمي الآخر وتصونه. المحبة هي ضيافة، أي إفساح مجال لكيان الآخر بجانبي وفي كياني.

هذا الحب الإلهي ينعكس في حب المسيحي الملموس، لهذا هناك ترابط وثيق بين الحب العامودي الذي يربطنا بالله والحب الأفقي الذي يربطنا بالقريب.

وبينما كان يمكن أن يظهر حب القريب في العهد القديم ثانويًا، فقد قام يسوع بجعل وصية محبة القريب مثل الذات مطابقة بالأهمية للوصية الأولى، وصية محبة الله. لا بل إن وصية المحبة للقريب باتت وصية يسوع الجديدة: “أعطيكم وصية جديدة: أن يحب بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم” (يو 15، 12).

نصاب بالدوار بسبب متطلبات يسوع هذه! فالرب يطلب منا ألا نحدّ محبتنا لقدرتنا البشرية، بل أن نوسع آفاقها وإشعاعها لكي نقتدي بالله: “كما أنا أحببتكم”.

يتذمر البعض ويقولون: الحياة المسيحية صعبة… أما أنا فأقول: المسيحية ليست صعبة، المسيحية مستحيلة. تعليم يسوع مستحيل. لا يمكننا أن نعيشه بلا نعمة الرب الذي يجعل المستحيل ممكنًا. الحياة المسيحية ليست جهادًا بشريًا بحتًا. الحياة المسيحية هي أن نسمح لله ولنعمته أن تعيشا فينا، أن يضحي الرب حياة حياتنا.

ستّ كلمات لعيش الحب

نعرف أن كلمة “الحب” هي كلمة يساء استعمالها ونسمي “حبًا” ما هو مرات استملاك أو أنانية أو هوس… لذا، عندما نتحدث عن الحب لا بد أن نفكر مليًا بما نعني. يتحدث الأب فرنسوا فاريون عن 6 كلمات تساعدنا على عيش الحب بشكل واقعي وسليم. الكلمات هي: التقديم، العطاء، الغفران، الطلب، القبول والرفض. سأنطلق من كلمات فاريون لأوسعها على طريقتي.

1) التقديم. تتضمن الكلمة في ذاتها معناها. فالحب يتقدم ويسبق الطلب بحدسه ويدرك الحاجة قبل أن تمر عبر طلب وسؤال.

يقولون أن الحب أعمى، أما أنا فأقول أن الحب يرى بعيدًا ويرى بالعمق. الغرام أعمى، أما من يتوصل إلى ديار الحب المقدسة، فيرى ما لا يراه الآخرون. فلنفكر بأم تعرف من أنات رضيعها ما إذا كان بردانًا أو عطشانًا أو جائعًا أو متألمًا لوجع ما.

فلنفكر بمريم العذراء التي رأت حاجة “عرس قانا” وقدمت ما تستطيع تقديمه من الخدمة والنصح قبل أن يتلفظ الداعون بحاجتهم.

2) العطاء. العطاء يعبّر عن سخاء الحب، عن تلك القدرة التي تمكننا من أن نتخلى عن شيء لنهبه للآخرين. العطاء الحق ليس هبة الفائض، العطاء الحق هو أن نهب الأساسي والضروري. ولعل أثمن ما يمكننا أن نهبه للآخرين هو حضورنا ووقتنا. فالوقت هو فلذة من قلب الأبدية، عندما نعطيه لا يعود أبدًا ولا يُستبدل… هو هبة تلمس شيئًا من الإلهي.

3) الغفران. الغفران هو ملء العطاء وإلى حد ما ملء الحب بين البشر. فالغفران هو ذلك العطاء الذي نعطيه للآخر عندما يكون بأمس الحاجة إلى عطائنا. الغفران هو ما لا يستطيع المرء أن يحوزه من تلقاء نفسه. ولعل تعليم يسوع بشأن العطاء لمن لا يستطيع أن يبادلنا بالمقابل يلقى هنا تطبيقه الأصفى.

هذا وفي علاقاتنا، الغفران يسبق أخطاء الآخر، فعمليًا يجب أن “نغفر” للآخر آخريته، هذه الآخرية التي لم نأخذها بعين الاعتبار لأننا ظننا أن الآخر مختلف (أو مطابق لفكرتنا عنه).

أن نغفر يعني أيضًا أن نغفر لذواتنا.

4) الطلب. هناك وجه من وجوه المحبة يصعب عيشه وتطبيقه لأنه يتطلب التواضع. تواضع الإقرار بحاجتنا، الإقرار بأننا لسنا كاملين أو مكتفين بذواتنا وتواضع الطلب. وفي هذا الصدد يذكرنا الأب فاريون بأن “من لا يعرف أن يطلب، لا يعرف أن يصلي”.

حتى الله يحب بهذا الشكل، إذ يطلب من الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله أن يكون حارس الخليقة، أن يكون حارس نفسه وحارس أخيه الإنسان. والرب القادر أن يوحي بإنجيله لكل إنسان سلمه لنا وطلب منا أن نذهب ونبشر بالإنجيل حتى أقاصي الأرض. من يطلب يثق ومن يثق يحب.

5) القبول. هذه الكلمة لها بعدين متكاملين. الأول هو أن نتعلم أن نقبل ببساطة. هناك أشخاص يريدون أن يحبوا باتجاه واحد: منهم إلى الآخرين. هناك أيضًا نرى الترابط بين الحب والتواضع. من يُحب يقبل، يقبل أنه بحاجة للآخرين، يقبل أن يضفي الآخرين لمستهم على وجودهم. والبعد الثاني هو قبول عطية الآخر كما يعطيها الآخر ولا كما كنا قد لنقدمها نحن.

6) الرفض. الكلمة الأخيرة قد تبدو غريبة وبعيدة عن ميدان الحب. كيف للحب أن يرفض؟ أوليس الحب ما يقبل ويستقبل دائمًا، ما لا يرجع إلى الوراء؟ كلا وألف كلا. الحب لا يجعل منا “سوبرمان” أو “سوبرومان”. الحب ذكي ويعرف أننا محدودون وأننا لا نستطيع أن نقبل دائمًا ونعطي دائمًا. ولعل كلمات القديس برنردوس لصديقه البابا هي خير تعليم في هذا الشأن: “أبقِ لنفسك شيئًا من نفسك”. يحث القديس صديقه وتلميذه بالقول أنه من الخطأ أن نحب الجميع وننتبه للجميع وأن نتناسى أن بين “الجميع” هناك نفسنا التي يجب أن نحبها بشكل سليم، محبة في المسيح نكرس فيها لذواتنا الوقت المناسب لنقوت الجسد والنفس والروح…

والرفض له أيضًا أهميته من أجل الآخر. ففي الحياة، خصوصًا كأطفال، نتعلم أن ما يربينا ليس فقط “نعم” أهلنا بل أيضًا الـ “لا”، الذي يعلمنا نمير بين ما هو ضروري وما هو فائض أو مضرّ….

أين نلحظ الفرق بين الاثنين؟ يوضح الأب إيرينيه هاوسهر أن الفرق يمكن في أن الإنسان الفاضل يحب نفسه بشكل أصيل بالتحديد لتجرده عن ذاته؛ أما الآخر فيبدو أنه يحب نفسه أكثر، ولكنه بالحقيقة محبته مريضة ومؤذية. فالرذيلة تدفع الإنسان لأن يحب نفسه كما هو دون أن يبغي أن يتحسن، بينما الإنسان الفاضل يحب نفسه حقًا لأنه يحب أن ينمي لكي يصل إلى العظمة التي خُلق لأجلها.

يحب الإنسان نفسه حقًا عندما يحب خيره الأعظم، بينما يحب الإنسان نفسه بشكل مريض عندما ينطوي على ذاته وعلى صغر نفسه.

يحب الإنسان نفسه حقًا عندما يحب الله لأن ملء الإنسانية هو الاتحاد بالألوهة، الاتحاد بالله. قلب الإنسان هو مثل العين: العين السليمة لا ترى شيئًا من ذاتها، وعندما تبدأ العين برؤية شيء من ذاتها يعني أنها مريضة. كذلك نحن: نعيش الحب بشكل سليم إذا ما تمكنّا من الانفتاح على الآخرين باتزان وحكمة وروية…

…يذكرنا بهذا الصدد القديس أغسطينوس أنه “عندما نحبّ لا نشعر بالتعب، وإذا ما تعبنا، نحبّ التعب نفسه”. واجب الحب هو تعبير عن قدراته….

لقراءة الخبر من المصدر (النص الكامل)

***

تأمّلات شهر تشرين الثاني، شهر الأنفس المطهرية..

*مريم تعزّي الأنفس المطهريّة*

لا تكتفي مريم العذراء بتشجيع أبناءها الأحياء وتعزيتهم ولكنّها، هي معزيّة أبنائها الذين أسرتهم عدالة الله وحبّه في منفى كفّارتهم.

أيّ أمّ تنظر ولدها يقع في آتون ولا تسرع ملهفة إلى نجدته؟ وهل تبقى أمّنا القدّيسة مريم العذراء، أعظم الأمّهات محبّة لأبنائها، غير مبالية أمام عذابات أبنائها في نار المطهر، نار العدالة الإلهيّة؟

طبعًا لا! وألف لا! فهي الملأة بالشفقة والحبّ، لا تنفكّ تعالج الأنفس المطهريّة.

فما من آلام في هذا السجن المظلم إلاّ وتخفّفها، فتسكب الماء السماوي على تلك النار المطهّرة لتخمدها.

يقول القدّيس فنسان فيريه: “كم هي عظيمة مريم العذراء، كم هي محبّة لتلك الأنفس المسجونة والتي تئنّ في المطهر، فهي تنجدهم كلّ لحظة بتدخّلها وتعالجهم من آلامهم”.

تقول القدّيسة مريم العذراء للقدّيسة بريجيت: “أنا أمّ كلّ الذين في المطهر أخفّف عنهم آلامهم كلّها بصلواتي الحارّة”.

طوبى لأبناء مريم، فحمايتها لا ترافقهم في هذا العالم وحسب بل تسعى إلى عزائهم في مآسيهم غير المنظورة وغير الملموسة والتي هي مآسي العالم الآخر.

يا لها من فكرة مريحة ومعزّية! كم هو لذلك رجاء حضور مريم العذراء القدّيسة الكليّة الطوبى، في ساعة موتنا. كم هي معزّية معرفتنا بزيارتها لنا عند سقوطنا في أعماق المطهر! يا لقدرة هذا السبب الشريف أن نحبّها بصفاء في هذا العالم. يا قدّيسة مريم، أمّ الرحمة والرأفة ومعزّية المعذّبين إحمينا وخلّصينا من المطهر.

إليكِ نصلّي يا أمّنا:

السلام عليك يا ملكة الرحمة، وملكة حياتنا وسلامنا ورجاءنا، ليس في وادي الدموع هذا وإنّما في مكان كفّارتنا نقول السلام عليك!

نصرخ لك يا معزّية الحزانى، نتنهّد ونئنّ من أجل أخوتنا المعذّبين في المطهر أن تنظري إليهم بعين رحمتك يا حاميتنا!

واسمحي لهم أن ينظروا وجه يسوع البهيّ، ثمرة أحشائك الطاهر. هذا ما نطلبه دائمًا لهم.

يا مريم العذراء أيّتها الملكة التقيّة الحنونة.

المصدر: قلب مريم المتألم الطاهر + ar.zenit.org