-حسين الموسوي-
قد تكون الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي هذا العام الاكثر تعقيدا واحتواء لابعاد تحدد مسار الحياة السياسية في الولايات المتحدة للمرحلة المقبلة.
فيما يتعلق بحيثيات الانتخابات وعملية التصويت، من الطبيعي ان منافسة حامية ستجري بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي رغم ما تظهره استطلاعات الراي من رجحان كفة الديمقراطيين، خاصة في انتخابات اعضاء مجلس النواب. لكن تجربة انتخابات الرئاسة عام الفين وستة عشر تلقي بثقلها على توقعات انتخابات خريف الفين وثمانية عشر حيث يخشى الديمقراطيون ان يستفيقوا على مفاجأة تخالف كل التوقعات والاستطلاعات تماما كما حصل مع وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض.
ومنافسة الانتخابات النصفية ستُلعب على حيثيات ضيقة، مع حاجة الديمقراطيين لمقعدين اضافيين للحصول على اغلبية مجلس الشيوخ اضافة الى ثلاثة وعشرين مقعدا اضافيا للحصول على اغلبية مجلس النواب. وهنا من المقرر ان تلعب الولايات المتارجحة (بين اللونين الازرق اي الديمقراطي والاحمر اي الجمهوري)، دورا اساسيا في تحديد هوية الاغلبية داخل غرفتي الكونغرس.
فيما يتعلق بخلفيات وعوامل التصويت، تبرز عوامل داخلية تتمثل بالخلافات الطاغية على ساحة الحزب الجمهوري والتي يعمل مستشار ترامب السابق ستيف بانون على تغذيتها، خاصة بعد مدحه للديمقراطيين. اضافة الى معارضة كثير من اعضاء الحزب الجمهوري لمواقف ترامب في قضايا عديدة.
وفي البعد الداخلي ايضا، واضح ان الناخب الاميركي سيتأثر بقضية الهجرة على ضوء السياسات والخطوات الاخيرة لترامب تجاه وفود المهاجرين القادمة الى الحدود الاميركية. وعلى هذا الأساس سيتحدد مسار سبعة وثلاثين مليون ناخب من اصل لاتيني تقول الاستطلاعات انهم باكثريتهم العظمى على اقل تقدير انهم سيصوتون لصالح الديمقراطيين.
يضاف لذلك الخلاف الجدي على الساحة الداخلية حول نظام الرعاية الصحية وموضوع اسعار الادوية، وهما قضيتان تمتلكان اهمية كبيرة بالنسبة للاميركي الذي تحتل القضايا الداخلية عنده حيزا اكبر من القضايا الخارجية.
على المستوى الخارجي تظهر قضايا قد تصح تسميتها بالمستجدة على الساحة الانتخابية، ربما اهمها ملفات منطقة الشرق الاوسط. من قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الى العدوان على اليمن، مرورا بالتعاطي مع الملف الايراني والعدائية الترامبية تجاه طهران.
غير ان المهم تناوله هو فترة ما بعد الانتخابات، وهنا علينا استعراض احتمالات النتائج لتصويت الثلاثاء، اي احتمال فوز الديمقراطيين باغلبية مجلس النواب او مجلس الشيوخ او المجلسين معا، والعكس ايضا.
في حال حصول الديمقراطيين على اغلبية مجلس النواب فمن المرجح جدا ان يشرعوا باجراءات عزل ترامب والتي ستشكل ضغطا كبيرا على الاخير رغم تعقيداتها الدستورية داخل مبنى الكابيتول. لكن الديمقراطيين يعتمدون في فتح هذا الملف على تحقيقات روبرت مولر حول ما يعرف بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. والتي ستعطي دفعا كبيرا لعملية عزل ترامب.
اضافة لذلك سيفتح الديمقراطيون نيرانهم على كثير من مشاريع ترامب فيما يتعلق بسياسة الهجرة واسعار الدواء، لكن الابرز هو اجباره على الكشف عن تفاصيل فيما يتعلق بالضرائب. كل ذلك سينعكس على اداء الحكومة الاميركية التي يتوقع ان تعاني من شلل على مستويات عدة نتيجة الصراع بين الكونغرس الديمقراطي والبيت الابيض.
اما في حال محافظة الجمهوريين على اغلبية النواب والشيوخ، فان ترامب سيستفيد من شحنة قوية تمنحه حصانة لاكمال مشاريعه على كافة المستويات الداخلية والخارجية.
ومع حقيقة ان ترامب وسياساته ومواقفه يشكلون محورية توجه الناخبين الاميركيين في الانتخابات النصفية، فان تصويت الثلاثاء سيكون مصيريا لترامب في العامين المقبلين، كما انه سيشكل اما فرصة تاريخية للديمقراطيين لاستعادة موقع قوي من جديد، او البقاء داخل النفق المظلم الذي بدأ مع خسارة هيلاري كلينتون المدوية قبل عامين وسيستمر ربما لما بعد انتخابات الفين وعشرين الرئاسية.
-العالم-