عَ مدار الساعة


هدير المنشار ودبيب الشحَّاطات

– بصرف النظر عن مضمون مقالة وأسلوب شارل أيوب.. (أمين أبوراشد)

***

رائعة هي بيروت، حُضنها الرحب يتَّسع لكافة التناقضات، وفي نفس التوقيت الذي افتتح فيه مكتب الأونسكو الإقليمي في لبنان مؤتمر “اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب للجرائم والإعتداءات المرتكبة ضد الصحفيين”، تداعى وفدٌ من نقابة الصحافة اللبنانية برئاسة عوني الكعكي لزيارة السفارة السعودية تضامناً مع المملكة، واستنكاراً لما ورد في صحيفة الديار بحق القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري.

وقد كان في استقبال الوفد الصحفي اللبناني الى جانب البخاري، سفير الكويت عبد العال القناعي بصفته عميد السفراء العرب، وسفير الإمارات العربية المتحدة حمد سعيد الشامسي.

وبعد أن استنكر الكعكي ما ورد في مقالة “الديار”، رأى أنه “يوم أسود في تاريخ الصحافة اللبنانية”، وأبدى استياء الجسم الصحافي والإعلامي اللبناني من هذا “الإسفاف” كما وصفه، وأن المملكة منذ أسسها الملك عبد عبد العزيز وحتى اليوم كانت دائماً حاضنة للبنان ولم تتخلَّ عنه يوماً، وأنهى مداخلته بالقول: “بإسمي وبإسم زملائي في نقابة الصحافة، نعتذر اعتذاراً شديداً من أكبر الى أصغر مسؤول في المملكة، ومنك يا سعادة السفير”، وكاد الكعكي يعتذر أيضاً من فرقة “المنشار السعودي” التي قطَّعت الصحفي جمال خاشقجي!

وكان ردّ من سفير الكويت بصفته عميد السفراء العرب الذي قال: “المملكة العربية السعودية هي حاضن لكل العرب وللمسلمين، وتجاوُز أبسط قواعد الأخلاق في اللغة التي استُخدمت إنما يدل الى مستوى كاتبها وقائلها، وهي لا تُعيب الطرف الآخر بل الشخص نفسه، لذلك، فإن الردّ من قِبلكم جميعاً هو مقدَّر ومشكور، ويجب أيضاً أن ينطلق من الحفاظ على المصلحة اللبنانية العليا قبل كل شيء، والمثل يقول “إتقِ الحليم إذا غضِب”، ويمكن للمرء ان يتجاوز مرة او اثنتين ولكن اذا تجاوز الأمر حده، فسيكون هنالك موقف واجراءات قد لا تتفق في الطبيعة مع ما نريده جميعاً”.

إننا بصرف النظر عن مضمون المقالة، وأسلوب الأستاذ شارل أيوب، نقرأ في قول السفير القناعي تهديداً واضحاً وصريحاً، ليس طبعاً عبر استخدام المنشار على عُنُق كل إعلامي ليس من فريق الطبَّالين لممالك وإمارات الخليج، بل تهديد دائم ومتكرر للبنانيين العاملين هناك بمصادر رزقهم، وأيضاً عبر وقف “العلف الأخضر” الذي يقتاته في لبنان سياسيون وإعلاميون، يُمارسون أدوارهم على وقع دبيب الشحاطات!

زيارة وفد الصحافة اللبنانية للبخاري ظاهرها استنكار لما كتبه شارل أيوب، لكن باطنها محاولة تعويض التقصير في الدفاع عن المملكة وعن أزمة المنشار الذي يُزلزل العرش، وإذا كان الكعكي والوفد المُرافق لم يسمعوا هدير المنشار، فإنهم أيضاً لم يسمعوا زعيق الطائرات السعودية في سماء اليمن، ولا أنين الآلاف من الجرحى والملايين من المرضى والجائعين أطفالاً ونساءً وعَجَزَة، ولم يروا أشلاء آلاف القتلى الأبرياء من اليمن الى سوريا.

وكي لا نذهب بعيداً، لم يسمع عوني الكعكي ووفده المرافق، وقع أقدام الإرهابيين الذين سحقهم أبطال الجيش اللبناني والمقاومة، ولا سمعوا من كان وراء محاولة تأسيس دولة الخلافة في لبنان، ولا سمعوا إهانات سعود القحطاني لرئيس وزراء لبنان خلال احتجازه، بل هُم سمعوا فقط ثُغاء البخاري الذي استنجد بهم لدعمه والوقوف مع مملكته، مملكة السيف والمنشار التي اتهمها رجب طيب أردوغان منذ ساعات بالقول: “قتل الخاشقجي تمّ اتخاذ القرار فيه من أعلى المستويات في المملكة”، فَلَيتَ عبيد الشحَّاطات في لبنان يسمعون…