إختبار القديسة مريم البواردي، مع السّكن الشيطانيّ لمدّة 40 يومًا، وانتصارها على إبليس..
– دروس بالصمت والطاعة والمحبّة والصّبر والعفّة.. وبعد وفاتها ظلّت ذِراعيها مَفتوحتين ع شكل صليب بالنعش وأخرَجتهما 3 مرّاتٍ، فحاولت الأمّ الرئيسة طَويهما عَبثًا، فقالت: ابنتي، باسم الطاعة المقدّسة، أبقيهما مُخفَضَتين، لغلق النعش. فتجمّدت ذراعيها. وكان جميع الحشد يهتف: “ماتت القديسة”. 🙏✝️🙏
***
هي قديسة فلسطينيّة، من أبٍ سوريّ وأمٍّ لبنانيّة، هاجرا الى فلسطين في بداية القرن التاسع عشر، وعانا الفقر المُدقع والظّلم والمِحن العديدة…
خَسرت عائلة بواردي 11 صبيًا وهم بعدُ في المهد.. إلى أن نذرت أمّها أن تقوم مع زوجها برحلة حجٍ الى بيت لحم، تسألُ العذراء طفلةً يُكرّساها لها، وتوفي نذرها مثل وزنها شمعًا، عندما تبلغ عمرها الثالث. فأتمّا الحج وتضرّعا الى الرّب في المغارة التي وُلِد فيها الرّب يسوع.
فوُلدِت “مريم” ليلة عيد الغطاس (الدنح)، ٥ كانون الثاني ١٨٤٦ وبعد سنتين رُزقت العائلة بصبيٍّ وسُمّيَ بولس.
وفي عمرها الثالث، توفّي والدها، بعد أن كرّسها للقديس يوسف قائلًا: “تكرّم واسهر عليها وكُن لها أبًا.”
وبعد بضعة أيام توفّيت أمّها، بولس تبّنته خالته ومريم عمّها، فافترقا ولم يلتقيا من بعدُ أبدًا.
وعندما قيل لها أنّ العذراء هي أمّ اليتامى، راحت تصلّي لها، وتصوم من عمر الخامسة كلّ يوم سبت للعذراء حتّى الغياب.
وبدأت تحصل ظواهر فائقة الطبيعة منذ ذلك الحين، فذات مرّةٍ ضربت الورود أمام صورة العذراء جذورًا، ونَمت وفاح مِنها طيوبًا عطرة.
كانت تفضّلُ الصلاة والتأمّل على اللّعب، وتمقُت كلّ تبرّج وبهرجة، فسِمعت مرّةً صوتًا يقول لها: “كلّ شيء يمضي، إن شئتِ أن تهبيني قلبكِ، بقيتُ لكِ الى الأبد”.
وراحت من عمر السابعة تعترف كل يوم سبت، وتتوسّل الكاهن أن يُعطيها القربان. وفي عمر الثامنة (قبل السّن الكنسي القانوني آنذاك: 12 سنة) وافق الكاهن على إعطائها المناولة بعد إصرارٍ شديدٍ، فرأت الطفل يسوع قادمًا إليها، بجمالٍ باهرٍ.
في الثالث عشر من العمر هاجرت الى مصر مع عائلة عمّها، الذي قرّر تزويجها من أخي زوجته. وعندما أدركت أنّ ذلك يعني أن تُضحّي بطَهارتها التي نذرتها لله منذ سنوات بإلهامٍ إلهيٍّ، رفضت.
وفي الصباح، قصّت جدائلها وقدّمتها الى ذوي العريس، على طبقٍ، مع الحُلاة المُهداة لها. فغضِب عمّها وانهال عليها بالضرب وراح منذ ذلك الوقت يَفرُض عليها الأعمال الشاقة والقذِرة، كما شكا أمرها الى الأسقف، ومَنعها الكاهن عن المُشاركة في القداس والمناولة. ولكنّها قالت: “كان الفرحُ يغمرُ نفسي، إذ كنتُ أرى أنّ آلامي كانت دون آلام يسوع.”
وبعد ثلاثة أشهرٍ، قصدت بيت رجلٍ تركيٍّ مزمِعٌ أن يسافر الى الناصرة، لتبعث معه برسالةٍ إلى أخيها بولس.
بعدما عرف ذاك الرّجل باضطهاد عمّها لها، راح يشجعّها ويرغبّها بترك الدّيانة المسيحيّة، فانتفضت مريم وقالت بكل جرّأةٍ: “أنا ابنة الكنيسة الواحدة الجامعة المقدّسة، وأرجو أن أظلّ وفيّةً لها، بفضل نعمة الله، حتّى مماتي.”
فجُنَّ الرجل، واستلّ خنجره وذَبحها، فوَقعت مَيتةً. فلفّ الجثّة بِغطاءٍ ورماها في حيٍّ مهجورٍ.
وإذ اعتقد ذويها أنّها هربت لتعمل كغاويةٍ، شهِدت هي فيما بعد بأمرٍ من رؤسائها الروحيّين، أنّها شاهدت نفسها في السّماء أمام عرش الثالوث الأقدس، برفقة العذراء والقديسين والملائكة… ولكنّ أحدهم قاطعها قائلًا: “كتابكِ لم يَكتمِل بعد.”
ثمّ رأت نفسها فجأةً مُستلقيةً في مغارةٍ صغيرةٍ على فراشٍ، جاءت إليها راهبةٌ تلبس ثوبًا أزرقًا ووشاحًا أزرقًا خاطت عُنقها، (وهي العذراء مريم ولم تعرفها)، وترطّب شفتاها بواسطة إسنفجةٍ بيضاء. كانت الراهبة صامتة كلّ الوقت، وبعد شهرٍ أطعمتها حساءً لذيذًا ليس من الأرض، ووعدتها بجُرعةٍ عند وفاتها. وقالت لها: “لن ترى أُسرتكِ بعد الآن، وستذهبين الى فرنسا، حيث ستُصبحين راهبة. ستكونين ابنةً للقديس يوسف، قبل أن تصيري ابنةً للقديسة تريزيا (الأفيليّة)، سترتدين ثوب الكرمل.. وستموتين في بيت لحم… ستتألمين كثيرًا وتكونين سبًبا للمُعارضة.”
ثمّ أخذتها الراهبة الى كنيسةٍ لتعترف عند الكاهن، فاختفت في هذه الأثناء.
وحملت الأخت مريم على عنقها طوال حياتها، ندبةً بيضاء كبيرة على عنقها، أكّد الأطبّاء على وجود نقصٍ في عدد من العظام، وأنّ مجرّد بقائها على قيد الحياة، هو أعجوبة.
بعدها، راحت تعمل خادمةً في المنازل، بالتشرّد والهَوان وبذل الذات، كانت تهجرُ كلّ منزل يقدّم لها العناية والتقدير وتُطيل الإقامة حيث تحظى على الإهانات، وتهبُ مَعاشها الى من هو أشدّ فقرًا منها.
ثمّ انتقلت الى بيروت، تخدم أيضًا، حيث فقدت بَصرها كليًا بسبب داءٍ مُستعصٍ، فأبرأتها العذراء إليها. وبعد أيام قليلة، سقطت مريم عن سطح المنزل، وتكسّرت عِظامها، وصار موتها وشيك، وبعد شهرٍ أُضيء المنزل بنورٍ سماويٍّ، وتضوَّع منه رائحة طيبٍ سماوي، إذ ظهرت العذراء وشَفتها.
وعندما وجدوا مريم مُعافاة، توافَدت جماهير غفيرة الى البيت، ووجدوا أنّ سراجًا أمام صورة العذراء قد فاض زيته في الغرفة… فتركت مريم المنزل وهاجَرت الى فرنسا بحرًا، هَربًا من تكريم البشر.
وفيما هي في السفينة هَبّت عاصفةٌ هَوجاء، كادت تودي بحياة المسافرين. فصعدت مريم الى سطح السفينة وجثت وصلّت: “أيّها الرب يسوع، إنّك كُلّي القُدرة، فسكِّن هذا البحر” فسكنت الأمواج والعاصِفة.
وفي فرنسا، بدأت إنخطفاتها الى السماء، بعد المناولة. أحدُها دام 4 أيام متتالية، فيما كانت تبدو نائمةٌ وصحّتها سليمة. وقد أخبرت بعد سنوات بأمر الطاعة، عمّا شاهدت تلك، فقالت أنّها زارت السماء والمطهر وجهنّم:
ثمّ دخلت دير راهبات القديس يوسف في فرنسا، وشعّت فضائل مريم بواردي أمام الجميع، من تواضع ومحبّة وطاعة عمياء.. وتكرّرت حالات الإنخطاف، كما حوادثَ وأمراض شُفيت منها عجائبيًا… وكما ظهرت لديها قدرات قراءة الغيب والتنبؤ، على الرغم من كونها أميّة وبسيطة. وفي صوم 1876 أنعم الرّب عليها بسمات جراحه، وكان الدّم يتدفّق مِن يديها ورجليها وجَنبها، كل يوم جمعة، ويرتسم بوضوحٍ على جبينها إكليل شوكٍ.
فذاع خبر مريم في الدير ـ على رغم حرصها وحرص المسؤولين على إخفاء هذه الظواهر، إلى أن طلبت مُعلّمة الإبتداء منها أن تسأل الله أن يَخفي السمات عن الآخرين، فأكّدت لها العذراء أنّها ستختفي حتّى السنة المُقبِلة.
وبسبب هذه الحالات الخارقة، رأى بعض المُرشدين ضرورة إرسالها الى دير نسكيّ مُغلَقٍ، فنُقِلت الى دير الكرمل، فتحقّقت نبوءة العذراء.
وتخبرُ مريم، أنّها شاهدت ذات مرّةً نفسها في السماء، مع يسوع ومريم ومار يوسف، وكانت القديسة تريزيا الأفيلية تقول للقديس يوسف: “أعطِني هذه الفتاة”. فقادَها إليها.
فدخلت الكرمل في 15 حزيران 1867، وكانت مريم تخفي كل النّعم الفائقة الطبيعة تحت فضائل جمّة؛ كالبساطة والفقر والصمت… وأُطلِق عليها لقب “مريم يسوع المصلوب”، إسمٌ يعكس حياتها المقرونة بالصليب.
كانت رئيسة الكرمل وحدها تشهَدُ على انخطافات “مريم”، وكان فقط إشارة طاعةٍ صغيرةٍ كفيلةً لإعادتها الى الحياة الطبيعيّة.
فلبست الثوب الرهباني يوم 27 تموز 1867، بعد أن توّلت العذراء مريم بنفسها أمر إرشادها. وتمّ تصنيفها ضِمن الراهبات المتأمّلات، لا العامِلات. وعَبثًا جاهدت مريم لمُدّة أربع سنوات لتَعَلُّم القراءة والكتابة، فكان الرّب يظهرُ مُدَمّمًا ويقول لها: “قد يتولّاك الغرور، إن أنتِ تعلّمتِ القراءة سريعًا. أُنظري إليَّ واذكُريني، كوني في كلّ شيء أخيرة الجميع، وأَطيعي طاعةً عمياء.”
مع أنّ السّمات اختفت كما وَعدتها العذراء، إلّا أنّ جُرح الجنب ظلّ ينزِف دمًا وماءً كلّ يوم جمعة، وتُعاني آلامًا شديدةً، تَحترق عَطشًا، وتتحوّل المياه في فمها شديدة المرارة، وتعيش جفافًا روحيًا قاسيًا، وتشعر أنّ الجميع يَضربونها ويَنبِذونها وتقول: “شكرًا يا إلهي، إنّي مُتأهّبةٌ للمزيد من الآلام من أجلِ الخطأة والأب الأقدس والكنيسة.”
وكانت السماء تعزّيها، إذ ظهرت العذراء تقول لها: “ثلاثيّة السعادة هي النفس التي تتألّم. بعدَ لحظة عذاب على الأرض، سَتنعَمُ أبديًا”.
كانت تُسمّي نفسها “العدم الصغير”، وتقول: أيُجرّب الزبل بالكبرياء ؟ إنّني بكُلّيتي خطيئة، فمن أين يأتي الكبرياء ؟ إنّي لا أخاف الشيطان، فأنا لذاتي أكبر شيطان. لا أخشى سوى نفسي.
فأثار هذا التواضع غيظ الشيطان، فراح يُجرِّبها دومًا ويحاولُ دَفعها الى اليأس وهجران الدير، فكانت تنتصر عليه بتواضعها وثقتها بالله …
وكان الرب يسوع والعديد من القديسين يظهرون لها ويعطونها دروسًا عن الصمت والطاعة والمحبّة والصّبر والعفّة …
وأنشَدت فيما هي مُنخطفةٌ نشيدًا للعذراء، وقالت:
“على الأرض لا يولدُ الأطفال من غير أمٍّ. إنّهم يلِجون العالم بواسطة امرأة. ونحن بحاجةٍ الى امرأة أيضًا لنلج السماء. وهذه المرأة هي مريم.”
في صيام 1868، عادت السمات، وظهرت للمرّة الأولى أمام الراهبات.. وكان يفوح من دمائها رائحةً ذكيّةً، وتشارِك يسوع في الجلد ويُسمَع أصوات سياطٍ.. حتّى اشتركت بفرح عيد القيامة.
وفي شهر أيّار من تلك السنة، اخترقت طعنة الحبّ قلبها من جانبٍ الى آخر، وصاحَت: “إنّني أموتُ ألمًا ونشوةً”. (أي؛ فرحًا من الحب). وكان قلبها ينزف منذ ذلك الوقت، ويشكّل الدم على الأقمشة الموضوعة عليه حَرفَي Oو J، ومعناهما : O JESUS يا يسوع، يَعلوهما صليب. (ولا تزال الأقمشة حتّى اليوم)
وفي حالة انخطاف، أعلنت مريم: “سيأذَن يسوع لإبليس أن يُعذِّب جسدي طيلة أربعين يومًا، وسأقاسي الكثير. ولن يكون له سلطةً إلّا على جسدي. أمّا نفسي فسَيحميها يسوع في صندوق، فيتعذّر على إبليس مسّها. إنّ يسوع ومريم سيحميانني، إنّ أمّي العذراء قد سحقت رأسك يا إبليس، وأنا سأسحقه بمُؤازَرة مريم ويسوع.”
وصرّحت أنّها ستُهاجِمها 9 جحافل (فرق) شيطانيّة، مع 9 ملوك. وهذا ما حصل، فانتصرت عليها بشجاعةٍ ساحقةٍ بفضل تواضعها. حتّى راح الشيطان يتوسّل الله الخروج من جسدها قبل نهاية مدّة الأربعين يومًا.
عام 1870 سافرت الى الهند مع بعض الراهبات، لتأسيس دير جديد للرهبنة كما أنبأتها العذراء، وهناك استعدّت لنذورها الرهبانية بتقشّفات قاسيّة، وبعملٍ دؤوب، كانت تعمل عَمل 4 أشخاص. وكانت تحجب سِماتها تحت أكمام الثوب كي لا تُسبِّب عَجبًا لنفسها.
ثمّ سكنها الشيطان عشرة أيّام، عانت خلالها آلامًا كبيرةً، ومرّةً جديدةً توسّل الشيطان مُغادرة جسدها قبل الأوان، قائلًا:
“إنّي أتعذّبُ فيه ألفَ جحيم، لو فعلنا بمدينةٍ كاملةٍ ما فعلناه بهذا العدم الصغير، لقَضينا عليها برُمّتِها.”
ومنذ ذلك الحين، صارت انخطافاتها بالروح الى السّماء شبه يوميّة، خاصّةً بعد المناولة، فتتغيّر ملامحها وكأنّها ملاكٌ على الأرض.
ونذرت نذورها الأبديّة في عيد دخول العذراء الى الهيكل 1871، وبعدها انقلب عليها المطران بعد أسبوعين مع إحدى الرئيسات وقالوا أنّ ما يحصل معها من سِمات وإنخطافات هو من فعل الشيطان، فطلبت من الرّب أن يُزيلها جميعًا، واستجاب طَلبها… وقد أكّد مُرشدها، أنّه مستعدٌ أن يمرّ وسط كلّ نيران العالم، ليُثبِت أنّها لم تقترف خطيئة مُميتة طيلة حياتها.”
وبعد أن مَنعوا مُرشدها من مُرافقتها، واضطهدتها الرئيسة والراهبات ومَنعوا عنها القربان المقدّس والإشتراك في الصلوات الجماعيّة…
قال لها يسوع: “هل تظنّين أنّكِ وحدكِ تتألّمين ؟ إنّي أتألّم أكثر منكِ ! فأنا أحمِلُ عِبء خطاياكُم.” ولكنّه أنعَم عليها بسلامٍ داخليٍّ كبيرٍ رُغم الألم، لا يتزعزع، فأصدر المطران أمر نَقلها الى فرنسا مِن جديد، فذهبت في تشرين الثاني 1872…
فعزّاها الرب لمدّة سنتين برؤىً وانخطافاتٍ وشفاءات روحيّة وجسديّة عديدة، منها كيف أنّ النفوس المطهريّة والخطأة تستفيد من نعمه، وكثير من الرهبان والراهبات والكهنة لا يستفيدون. فصارت تدرك أسرارًا –هي الأمّية- لا يعرفها الغارِقون في العلوم.
ثمّ أوحى الرّب إليها أن تذهب الى القدس وتُنشئ ديرًا للرهبنة، ولكن بعد الكثير من العراقيل والمعارضات، أخذت ورقةً يابسةً وطمرتها في وعاءٍ، وقالت للرّب: “إن كانت تلك مشيئتَك حقًّا، أن يُبنى ديرًا في بيت لحم، وأموت فيه، فلتضرب جذورًا وتصير نبتةً.
فنمت نبتةً رائعةً.”
فأوحى يسوع لإمرأةٍ غنيّة تقيّة، فيما هي أمام القربان بأن تتكفّل ببناء الدير. فاستطاعت مريم أن تقنع المطران بالكتابة الى روما، وقد جاءت الموافقة مِن فم البابا بيوس التاسع (الطوباوي) وبإمضاء يده بعد سنةٍ، امتنعت خلالها مريم بواردي عن أكل الفاكهة، وكان ذلك لها إماتةً كبيرةً.
فقصدت بعض الراهبات القدس في 7 أيلول 1875. وكان الرّب يسوع جعلها تشاهد في رؤيّةٍ التلّة التي يُريد بناء الدير عليها، وأكّد لها أنّ أمّه العذراء كانت تقصدها لترتاح فيما كانت حاملٌ به.
أمّا الهندسة المعماريّة فقد هندسها الرب يسوع لها بنفسه.
وفي تلك الفترة، عانَت جفافًا روحيًا شديدًا فوق آلامها الجسديّة، وراحت تشعر بأنّها هالكة، وتشارك يسوع بالإحساس بالتخلّي على الصليب، وقد أنهكتها التجارب والأحزان… حتّى آذار 1876، عندما بدأت سماتها تنزفُ من جديد، وتظّن أنّ ما يحصل معها هو نتيجة خطاياها (بسبب تواضعها)، وراحت تتوسل الرّب أن يزيلها. لكنّه راح يعزّيها بانخطافاتٍ أعلنت فيها ضرورة التعبّد للروح القدس، وفاح من جسدها يومَي خميس الأسرار والجُمعة العظيمة، رائحة سماويّة، وسط آلامٍ شديدةٍ. وفي آب 1876، ألبسها يسوع خاتم الإتّحاد الروحي به، وقالت وهي منخطفة: “كل من يقول للرب، إفعل ما تشاء، يظفَرُ بخاتم”.
ثمّ جاءها ملائكة يُخيّرونها بين المضيّ الى السماء، أو البقاء في الأرض بعض الوقت. فقالت: “إن كان عليّ أن أَسقُطَ وأُهِين يسوع، أفضِّلُ المَضيَّ سريعًا. ولكن إن وَعدني بالحماية مِن الخطيئة، فإنّي راضيةٌ بكلِّ أنواعِ الآلام. أريدُ ما يَرضاه الله بالأكثر”، فأنبأت أنّها ستَبقى على الأرض وسيَحميها الرّب، قبل أن تمضي بسلام.
عام 1878 شاهدت في عزلتها إحتضار وموت الأب الأقدس “بيوس التاسع” الطوباوي، ورأت العذراء تحمل له تاج ورد، ثمّ تحمله الى السماء… كما شاهدت اختيار الرّب بنفسه للبابا لاون الثالث عشر والعذراء تضمّه بذراعيها الى قلبها.
في بداية السنة نفسها، تنبّأت بدنوّ ساعة انتقالها الى المجد الأبدي، وهي منخطفة.
وزادت آلامها جدًّا حتّى شهر آب، حين أصيبت بداء “الغنغرينا”، وقدِم بطريرك القدس، وطلبت مسحة الموت، وسألها إن كانت مستسلمة لإرادة الله في الحياة والموت، فأجابت: “نعم أبتِ”، لكن سرعان ما هتفت: “موتٌ صالحٌ، موتٌ صالحٌ”.
في منتصف ليل 25/26 آب، تألّق وجهها وأشرق نورًا، وقالت للراهبات: “دعوني مع يسوع، وفكّروا في آلائه”.
عند الساعة الخامسة صباحًا، أعلنت بصوتٍ قويٍّ: سأموت، لقد حانت الساعة.. إستدعوا الأخوات جميعهنّ. إنّني أختنق. فجثت فوق سريرها وضمّت يديها. وقيل لها أن تردد: “رحمتك يا يسوع.” فقالت: “أجل الرحمة.” وكانت تلك كلماتها الأخيرة، ثمّ قبّلت الصليب.
وأسلمت روحها بسلامٍ وهي في عمر 33 سنة فقط، من غير احتضار، وعلى وجهها ترتسم ابتسامةٌ سماويّةٌ.
وكان دير “بو”-فرنسا، قد طلب قلبها ليحتفظ به، فجاء الجراح وانتزعه من جسدها، وظهر عليه جرحًا يجتازه من جانبٍ الى آخر، وظلّ دمه حتّى المساء، سائلًا وساخنًا.
وطوال النهار ظلّت ذِراعيها مَفتوحتين على شكل صليبٍ. وفي النعش أخرَجتهما ثلاث مرّاتٍ، وعندما حاولت الأمّ الرئيسة طَويهما عَبثًا، قالت لها: “يا ابنتي، باسم الطاعة المقدّسة، أبقي ذراعيكِ مُخفَضَتين، لكي نستطيع إغلاق النعش”. فتجمّدت ذراعيها. وكان جميع الحشد يهتف: “ماتت القديسة”.
صلاتها معنا، آمين
(أديب مصلح، قديسة من بلادنا، مريم البواردي)
المصدر: قلب مريم المتألم الطاهر
http://www.heartofmaryarabic.com
***
رؤيا قديسة الكرمل – فلسطين مريم بواردي: ليست الأعمال العظيمة المنجزة عَ الأرض تستأهل السماء، بل الوفاء الكامل
– أنفس المطهر خاضعةٌ للمشيئة الإلهيّة وسعيدة بالتطهّر بالنار لكي تستأهل به رؤية التجلّي الإلهيّ
رؤيا قديسة الكرمل – فلسطين مريم بواردي: ليست الأعمال العظيمة المنجزة عَ الأرض تستأهل السماء، بل الوفاء الكامل