صعدت تركيا قمعها العسكري وقصفت مدفعيتها ولأول مرة قرى غرب مدينة عين العرب شمال شرق حلب الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، في وقت أوعزت فيه لميليشياتها المسلحة في حلب وإدلب بالاستعداد للتوجه إلى شرقي النهر بزعم تطهير المنطقة من «وحدات حماية الشعب» الكردية في تحد صارخ لداعمها الرئيسي الإدارة الأميركية.
وبدا أن زعيم أنقرة رجب طيب أردوغان نفض يديه من وعود واشنطن بتطبيق «خريطة الطريق» حول منبج وسارع للتماهي مع تنظيم «داعش»، الذي استعاد جيبه في هجين على الحدود السورية العراقية من «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، والتي تشكل «وحدات حماية الشعب» ذات الأغلبية الكردية عمودها الفقري، وقرر خوض معركة شرق الفرات ضدها كما هدد مراراً وبمعزل عن التطورات عند حدود بلاده الجنوبية في إدلب والمتمثلة في مراوحة تطبيق بنود اتفاق «سوتشي»، الموقع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول «المنطقة معزولة السلاح»، مكانها.
وقالت مصادر أهلية وأخرى في «وحدات الدفاع الذاتي»، التابعة لما يسمى «الإدارة الذاتية» الكردية في عين العرب، لـ«الوطن» إن قرى أشمة وزور مغار وشارخلي، والتي تسيطر عليها «حماية الشعب» غربي عين العرب (125 كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من حلب)، تعرضت لقصف مدفعي عنيف من وحدات الجيش التركي المتمركزة على الضفة الثانية من الحدود، وأدت إلى مقتل مدني وعسكري ودمار كبير في المساكن.
وأكدت مصادر في «الإدارة الذاتية» أن أردوغان يخطط لاجتياح عين العرب بالكامل، ليتخذها نقطة انطلاق نحو باقي مناطق شرق الفرات للسيطرة على المواقع المتاخمة لحدود بلاده في المرحلة الثانية ثم على باقي المناطق، غير آبه بوجود قواعد أميركية فيها أو برفض «المجتمع الدولي» لمساعيه في الهيمنة على مناطق جديدة في سورية على غرار ما قامت به ميليشيات «درع الفرات» و«غصن الزيتون» فيما مضى.
وأضافت: إن عين العرب ليست كعفرين و«مستحيل» على الجيش التركي ابتلاعها إرضاء لطموحات أردوغان، بعد أن صدت أعنف هجمات «داعش» وأرغمته على التراجع، ودعت واشنطن إلى الالتزام بتعهداتها «الأخلاقية» ولجم أردوغان من تنفيذ مآربه ومخططاته العثمانية.
وبينت مصادر إعلامية مقربة من «الجبهة الوطنية للتحرير»، أكبر ميليشيات تابعة لتركيا في إدلب وحلب، لـ«الوطن» أنها تبلغت مع ميليشيات «درع الفرات»، التي تسيطر بمؤازرة الجيش التركي على مناطق شمال وشمال شرق حلب، بضرورة الاستعداد العسكري لعبور نهر الفرات إلى ضفته الشرقية حيث ميليشيا «قسد» والوحدات الكردية لخوض معارك ترغمها على الانسحاب من المنطقة على الرغم من تعثر تطبيق «المنزوعة السلاح» في أرياف إدلب واللاذقية وحماة وحلب.
وأشار خبراء عسكريون في حديثهم لـ«الوطن» أن أردوغان فهم خطأ مخرجات القمة الرباعية، التي جمعته إلى نظرائه الروسي والفرنسي والألماني في اسطنبول أول من أمس، وهيأت له نفسه المضي في قضم المزيد من الأراضي السورية بغض النظر عن تداعيات عمليته العسكرية والتي تحتاج إلى ظروف أكثر نضجاً لانطلاقتها.
وأوضح الخبراء أن أردوغان وجه من خلال قصفه لعين العرب رسالة إلى واشنطن مفادها أن طموحاته تتعدى منبج إلى مناطق شرقي الفرات برمتها، وفي ذلك رفع لسقف مفاوضاته المتعثرة معها.
-الوطن السورية-