– جعجع ودِّع طموحه الرئاسي (نديم لبكي)
***
محكمة (14 آذار) الدولية تستعين بأحكام صادرة عن محكمة (8 آذار) العدلية! ربّما يرى البعض أنّ هكذا توصيف، هو أقربُ الى الهزل منه إلى الجَدّ، ولكن كلّ من يتابع ما تقول كلتا الجماعتين عن المحكمتين، يتيقّن جيّدا أن المحكمة الدولية هي سلاح جماعة 14 آذار السرّي للنيل من الخصوم، كما أنّ رأي 14 آذار، أو القوات اللبنانية، الفصيل الأبرز فيها، واضحٌ وصريحٌ بما يقول ويعلن عن المجلس العدلي وأحكامه، وخصوصا تلك المتعلّقة بأحكام الإعدام المخفَّفة إلى مؤبد بحقّ رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع.
ولكن “عشنا وشفنا” لنرى أنّ المحكمة الدولية تستعين بأحكام المجلس العدلي، وتحديداً تستعين بحكم قضائي مُبرَم من هذا المجلس بحق السيّد سمير جعجع. ففي معرض استناد المحكمة الدولية إلى القضاء اللبناني، فهي بحاجة لنصوص وأحكامٍ قضائية، لا سيّما في جرائم التفجير والإرهاب. ومن بين الأحكام اللبنانية التي ارتأت المحكمة الدولية الاستناد إليها كمرجع قانوني في أحكامها، فإنها اختارت الحكم على سمير جعجع في جريمة تفجير النائب ميشال المر الصادر عن المجلس العدلي.
ما يميّز هذه المحاكمة هي استنادها إلى اعترافات عديدة من عدة أشخاص متدخّلين ومشاركين في هذه الجريمة، أو كانوا شهوداً مباشَرين على أحاديث وإدلاء بمعلومات أمامهم عن العملية من المشاركين والمخططين. فبعد إفادات بعض الشهود عن الأحداث التي سبقت العملية، ومهّدت لها، كإفادة وفاء وهبة ولقاءاته مع المتّهمَين نجا القدوم والياس عوّاد في انطلياس -مسرح الجريمة – مع كلّ الاحاديث التي دارت بينه وبينهما، مع ما تحمل من دلائل وبيّنات عمّا يُحضّر لتلك الطريق. وكذلك اعترافات مانويل يونس وكلّ مشاهداته المفصَّلة التي سبقت العملية. ولكن تبقى إفادتا فادي غصن وايلي جبّور حاسمتين.
فادي غصن،”الخبير بالأسلحة والذخائر والمتفجرات لدى القوات اللبنانية، كان قد استدعاه راجي عبدو إلى مكتبه وبحضور طوني عبيد، قبل شهر ونصف من إتمام عمليّة التفجير، وطلب منه أن يسلّم جهاز الأمن الداخلي في القوات ما لديه في المخازن من صواعق. فنفّذ الطلب وأرسل 40 صاعقا. وبعد مرور 15 يوم على ذلك، عاد وبناء لطلب من راجي عبدو، وسلّم جهاز الأمن في الكرنتينا متفجرات بلاستيكية بلغ وزنها 400 إلى 500 كلغ”. َبعد فشل عمليّة الاغتيال، اعترف فادي غصن في إفادته، أن راجي عبدو استدعاه إلى مكتبه لسؤاله عن رأيه الفنّي في تفسير فشل عمليّة التفجير”، مع تفصيله لكلّ الحديث الذي دار والشرح “العلمي” مع رسم “خطيطة” من قبل ايلي فيليب عيد مساعد عبدو لمسرح الجريمة وتوزّع السيارتين المفخَّختين، وأماكن المتهمين والمنفذين.
أمّا ايلي جبّور، رئيس شعبة المعلومات في جهاز الأمن، فقد” أفاد عن واقعة استدعائه من قبل راجي عبدو، قبل شهرين من الإنفجار، ليطلب منه البحث عن مرافق للوزير المر او أحد المقرّبين إليه (منه) ، موضحاً بناء على استفساره، بأن سمير جعجع كلّفه مع غسان توما بتدبير حادث لتصفية الوزير المر”.
“كما استند المجلس العدلي من الدليل المستجدّ من أسبقيات سمير جعجع في التخلّص من خصومه السياسيين، والوسائل المستعمَلة لهذا الغرض:
- في قضيّة مقتل داني شمعون وعائلته.
- بمحاولته قتل ايلي حبيقة في زحلة بتفجير مطرانية الروم الكاثوليك، وبمن فيها، لهذا الغرض.
- بإصدار أوامره بتفجير سيارة ايلي حبيقة في الأشرفية وقتْل سائقه داخلها في تلك العملية.
- محاولة جعجع قتل داني شمعون سنة 1990 في الدكوانة بواسطة المتفجّرات.
كثيرة هي الدلائل والإفادات والاعترافات في هذه المحاكمة، والتي يطول الحديث عنها، إن أردنا الإسهاب. ولكن يبقى اختيار المحكمة الدوليّة لهذا الحكم كمستند رسمي، لا يثبت فقط صدقيّته وصدقيّة المجلس العدلي، بل لأنّها اعتبرت مضمونه القانوني متميّزا وصالحا لاعتماده كمرجع في المحاكمات الدولية. فكأنّما صدر حكمٌ جديد على السيّد سمير جعجع، ولكن هذه المرة بشهادة دوليّة مصدَّقة. فانتقال هذا المستند من زواريب السياسة اللبنانية إلى رحاب المحكمة الدولية، إنّما يعطيه صدقيّة كبيرة ويطيح بكلّ طموحات جعجع الرئاسية، إذ يستحيل على المجتمع الدولي أن يقبل انتخاب رئيس لجمهورية أيّة دولة، يُعتبَر بحسب القانون الدولي مدانا بهذا كله.
https://www.refresh.com.lb