عَ مدار الساعة


آنا كاثرين إيميريخ عن يسوع بحوار مع “مريم الصامتة”: لا تلفظ أبداً كلمة “أنا”، إنما “أنت” عندما تتحدث عن نفسها

عن أخت لعازر ومرتا ومريم المجدلية (مريم الصامتة – 2)

***

لقاء يسوع ومريم الصامتة

ذهب يسوع برفقة لعازر لزيارة النساء القديسات، اقتادته مرتا إلى شقيقتها مريم الصامتة التي أراد أن يحادثها. فبقي يسوع في حديقة مريم وذهبت مرتا لتعثُر على شقيقتها. وفي وسط الحديقة التي كانت غاية في الجمال، زُرعت نخلة فارعة الطول محاطة بالنباتات العطرية…

استدعت مرتا شقيقتها إلى الفناء، لأن أحدهم يطلب رؤيتها فأطاعت فوراً، ووضعت وشاحها ونزلت الى الحديقة ثم تركتها مرتا. كانت طويلة وجميلة في الثلاثين من عمرها: وبالكاد تتأمل السماء باستمرار، وإذا حولّت عينيها أحياناً نحو يسوع، فلا يكون ذلك سوى بشكل غير واضح، كما لو كانت تنظر في الأفق البعيد. ولا تلفظ أبداً كلمة “أنا”، إنما “أنت” عندما تتحدث عن نفسها كأنما تكلّم شخصاً يقف امامها. لم تسجد أمام يسوع الذي تحث إليها أولاً. وسارا معاً في الحديقة بجانب بعضهما، لكن لا أحد يشكّ فعلاً في أنهما يتحادثان. فمريم تتكلم عن أمور سماوية وعيناها شاخصتان الى السماء، كما لو أنها تراها. وبالمثل تحدَّث يسوع عن أبيه ومع أبيه. وغالباً ما التفّتت مريم بنصف جسدها نحوه، لكن من دون تركيز نظراتها عليه. وأشبه حديثهما هذا، الصلوات والأناشيد والتأملات في الأسرار أكثر من المحادثات. ولم تبدُ مريم أنها تدرك حياتها الدنيوية لأن روحها في عالم آخر.

فتكلّمت وهي ترفع عينيها نحو السماء عن تجسّد الكلمة، كما لو انها رأته يتحضّر في مجلس الثالوث الأقدس. ولا أستطيع أن اكرّر كلماتها البسيطة إنما الممتلئة بالعظمة. وراحت تروي ما حدث كما لو كان شيئاً مرّ أمام عينيها: قال الأب لإبنه أنه ينبغي عليه النزول إلى الأرض وإتخاذ جسم له في رحم العذراء“.

ثم عبرّت عن الفرح الذي ظهر وسط الملائكة، بفعل الأمر الذي أُعطي لجبرائيل بالذهاب إلى مريم. وشاهدت أجواق الملائكة تنزل خلف جبرائيل…

ثم رأت غرفة السيدة العذراء من الداخل. وشهدت لمريم على رغبتها الحارقة التي تلقت بها رسالة الملاك…

ومن ثم اخذت تروي الفرحة بموافقة العذراء، وتغمرها بالثناء. وتحدثت عن ولادة يسوع متوجهّةً إلى الطفل نفسه وقالت له مقاطع للانبياء مزجتها بكلماتها، ومنها: “زبداً وعسلاً يأكل”… وقالت أخيراً: “الآن ستبدأ رسالتك الشاقة والمؤلمة، إلخ”.

وتحدثت (مريم الصامتة) دائماً كما لو كانت بمفردها، على الرغم من معرفتها أن المخلص إلى جانبها، وبدا وهو يستمع إليها أنه بعيد جداً عن كل ما ترويه. فقاطعها من وقت إلى آخر، بصلوات وأفعال شكر، ممجداً الله ومصلياً على نية البشر. كان سماع هذا الحديث مؤثراً وملفتاً.

وبعدما غادرها يسوع، غاصت في هدوئها العميق وعادت إلى غرفتها. ولدى لقاء يسوع لعازر ومرتا قال لهما:

“شقيقتكما ليست مجنونة البتة، لكن روحها ليست في هذا العالم، لا ترى شيئاً أرضياً، والعالم لا يفهمها أبداً. إنها سعيدة لأنها لا تخطئ”. 

وكانت مريم الصامتة المستسلمة تماماً إلى التأمل في أمور الهية، غير مدركة لما يحدث حولها. لم تُكلّم أي شخص كما تحدثت بقرب يسوع. فهي تبقى صامتة مع الجميع، ليس من قبيل الغرور ابداً أو بسبب حيائها الزائد، إنما لأنها لا ترى شخصاً واحداً متصلاً بالهدف الوحيد الذي تتركز عليه أفكارها: الفداء والأمور السماوية.

وفي بعض الأحيان، يتوجّه بالحديث إليها اصدقاء العائلة، وهم أناس اتقياء وعلماء، فتجيبهم ببضع كلمات غير مفهومة تماماً بالنسبة إليهم. لا تمتّ أجوبتها تلك إلى أسئلتهم بصلة، لكنها مرتبطة فقط بعالم رؤاها الذي يبقى خفياً عن العلماء.

لقد نظرت إليها اسرتها على أنها متخلّفة، وعاشت حياتها في وحدة، وبطريقة أو بأخرى كان ينبغي أن تعيش هكذا لأن روحها ليست على هذه الأرض.

زرعت حديقتها وعملت في الحياكة والخياطة في خدمة الهيكل بمهارة كبيرة، من دون أن تخرج من فقاعة أفكارها وتأملاتها. وعانت حتماً نوعاً من البلايا لأجل خطايا الآخرين: لكن روحها كانت مظلومة في معظم الأحيان، كما لو أن ثقل العالم كله ألقي على كاهلها. تأكل القليل وتبقى بمفردها على الدوام. وعندما تبع شقيقها وشقيقتاها يسوع، ماتت من الأسى لمرأى آلامه الكبيرة التي كشفت لها بطريقة خارقة.

مريم الصامتة – المسيح محور الكون في الثالوث الأقدس

(المجلّد الأول – الجزء الثالث – السنة الأولى من الحياة العامة، الفصل الحادي عشر، ص:275-276-277)

***

تمّ إختصار الفَصل، ويمكن العودة الى الكتاب لقراءة النصوص بشكل كامل.. والكتاب متوفّر في مكتبة “البولسية”في جونية – ودير القديسة تريزيا الطفل يسوع في السهيلة..

عن كتاب رؤى “آنا كاثرين إيميريخ” حول حياة سيدنا يسوع المسيح (المجلّد الأول – الجزء الثالث – السنة الأولى من الحياة العامة).

كتابة الراهب الموقر الأخ جوزيف ألفار الدولي من رابطة الرهبان الدومينيكيين. ترجمة حديثة بالكامل للنص الإلماني نفذّها شارل ديبيلينغ.

ترجمته الى العربية كاتيا عازار مظلوم تحت إشراف وتنسيق الأب مروان خوري.