– من يدمر تراثه يلغي تاريخه وبالتالي يفقد أصالته
تحت عنوان “بيروت، تراث يدمّر”، كتبت صحيفة لو موند” الفرنسية مقالا كشفت فيه عن المجزرة التي ترتكب بحق تاريخ بيروت من خلال تدمير تراثها وبالتالي لذاكرة المدينة، والتي وصفتها بدبي الثانية، أي ان بيروت تفقد روحها شيئا فشيئا وتخسر فرادتها التي اشتهرت بها، لتشبه في النهاية اي عاصمة اخرى لا تاريخ معماريا لها، وربما سهى عن بال اللبنانيين انّ من يدمر تراثه يلغي تاريخه وبالتالي يفقد اصالته ويدخل في لعبة العولمة الجهنمية التي لا تنتهي الا بخسارة اللاعب فيها، لكل شيئ.
تسلّط “لو موند” في مقالها الضوء على التراث الذي يتمّ التضحية به في بيروت، مشيرة الى أنّ العاصمة اللبنانية تشهد تحضراً مفرطًا، كما أن الأبراج السكنية الجديدة تلتهم المساحة العامة، لكنّ جيل الشباب لا يزال يحاول تغيير اللعبة، وكشفت ان اختفى الآن ثمانون بالمئة من المباني التي شكّلت بيروت، ذهبت معها طريقة عيش من خلال الشقق التي يدور فيه الهواء الطبيعي، والشرفات الكبيرة التي تتكيف مع مناخ البحر الأبيض المتوسط، وغيرها. اما النتيجة فهي طرد السكان، الإيجارات تنفجر، والمواطنون الأكثر فقرًا ابتعدوا عن المدينة التي بقي فيها الأغنى فقط، ولكن المقال يذكر ان الحل ممكن اليوم قبل فوات الاوان ويتمثّل بجعل السكن في المدينة بأسعار معقولة والأرصفة أكثر ملاءمة، والهواء يمكن تنفسه وقاع البحر جيدًا، وإنشاء حدائق وشواطئ عامّة، كلّ هذه هي عوامل تجعل الشباب يقاتلون من أجل إنقاذ حجارته القديمة.”
ورأت الصحيفة الفرنسية ان ما “بين حزيران 2017 وشباط 2018، جرى إغلاق قسم صغير من شارع جان دارك الذي يربط الجامعة الأميركية في بيروت بالحمرا أمام السيارات، وكانت البلدية تقوم بأعمال لتوسيع الأرصفة، وتركيب المقاعد وغير ذلك”، وإذ لفتت الى أنّ هذا النوع من التطوير شائع في الغرب، فإنّ ذلك أقلّ في بيروت، المدينة الحضرية، ويجري بدون خطة رئيسية، حيث تقضم الأبراج السكنية الجديدة يومًا بعد يوم الفضاءات الأخيرة للمساحة العامة.
في المحصلة وباستنتاج للمقال المنشور في “لو موند” نرى ان أبشع ما في الحياة ان يصبح الانسان الذي يعيشها غير مبالي ولا يكترث عمّا يجري حوله وبخاصة إذا كان الذي يجري، يغيّر أسلوب عيشه الذي ارتضاه بارادته وانتقل اليه منذ أجيال، ليأتي التحضّر الزائف فيسلبه قناعاته ويجرّده من ارادته، فيدفعه الى العيش بهوية أخرى غريبة عنه، تلغي ذاته وتوصله الى العدم.
للاطلاع على المقال من صحيفة لوموند: https://www.lemonde.fr/idees/article/2018/10/20/a-beyrouth-le-patrimoine-sacrifie_5372238_3232.html