– واحدة تنقصهم: التوبة الصادقة بالخشوع وانسحاق القلب، القداسة ليست استنارةً ووعياً أسمى وقدرات، ولا اتحاداً بألوهة غير شخصية أو بطاقة كونية مجهولة. القداسة هي اتحاد بإله شخصي، ثالوث قدوس، وهو اتحادٌ حميمي لا ذوبان فيه بل “غيرية” وثنائية، علاقة حبّ بين شخص الإنسان المخلوق وشخص الله الخالق الكلّي القدرة (ar.zenit.com)
***
جيزل فرح طربيه – كيف تتسلّل أقوال العصر الجديد المفخّخة ويستشهد بها المؤمنون إكليروساً وعلمانيّين، عن حُسن نيّة ولكن بدون دراية منهم ولا روح تمييز، فينساقون عن جهلٍ منهم ورُغمًا عنهم، إلى أضاليل وكذبات العصر الجديد.
يتسلّل العصر الجديد في كلّ نواحي الحياة اليومية بما فيها العلوم الطبية ومن خلال وسائل الطبّ البديل، وخصوصًا من خلال ما يسمّى بعلاجات الطاقة كالريكي Reiki والبرانيك هيلينغ Pranic healing والعلاج بالطاقة الهرمية والعلاجات الغيبيّة وتقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي والتقنيات النفسية البديلة وغيرها.[1] كما يبتدع له أيضًا علاجات بمسمّيات جديدة أو بمصطلحات علميّة كاذبة لا علاقة لها بالعلوم.
نقرأ مثلاً على صفحات التواصل الإجتماعي وعلى الإنترنت إعلانات حول: العلاج بقوى الكوانتم Quantum powersTherapy أو طب الكوانتم quantum medicine، تأمّل الكوانتم quantum meditation، الخ…. حتى أنّه يُروّج لآلات طبيّة للفحص وللقياس أو لأدوية بهذا المسمّى نفسه Quanta، نسبةً إلى الفيزياء الحديثة، فيزياء الكم أو الكوانتا.
بالتأكيد كلّ هذه العلاجات كاذبة وملفّقة ابتدعها أتباع العصر الجديد، ليأخذوا لهم مصداقية علميّة فيكسبوا ثقة الناس ويتاجروا بأرزاقهم وأجسادهم وأرواحهم. إلّا أنّ كل ما يروّجون له هو بالفعل من الأرواحية Spiritism والخفائية Occultism والباطنية Esoterism أو مأخوذ عن معتقدات الديانات الوثنية أو هو من السحر والشعوذة (كلّ هذه الممارسات تدينها الكنيسة في تعاليمها) أو من العلم الكاذب Pseudoscience.
يقصدون بقوى الكوانتم، القدرات العقلية الخفية واللامحدودة التي يدّعون أنها موجودة داخل الإنسان وأنّ هناك مفاتيح وتقنيات تفتح أبواب هذه القوى وتفعّلها وتنمّيها وصولاً إلى التألّه الذاتي. يدّعون أنّه متى تواصل الإنسان مع طاقة كونية مزعومة، يسمّونها تشي Chi أو كي Qi أو برانا Prana يستعيدُ توازنه وصحّته بما أنّ هذه الطاقة هي نفَس الحياة ومصدرها.
ديباك شوبرا: طبيب الكوانتم وغورو السعادة!
يُعتبر ديباك شوبرا Deepack Chopra (1946 -..) الملقّب بـ”غورو السعادة”، من أهمّ مروّجي مصطلح الكوانتم. وهو طبيب ومؤلّف أميريكي من أصلٍ هندي، محاضر ومدرّب في الروحانيات وفي تنمية وتفعيل القدرات البشرية. حائز على عدّة جوائز وهو بحسب تصنيف مجلة التايمز الأميريكية، سنة 1999 من أحد أفضل الشخصيات في القرن العشرين. له حوالى 85 مؤلّف في روحانية العصر الجديد وتقنياتها وفي التنمية البشرية والطب البديل الذي يخلطه بنظريات من فيزياء الكم فيسمّيها الصوفية الكانتية Quantic Mysticism. تُرجمت كتبه إلى 30 لغة، وبيعَ منها أكثر من 20 مليون نسخة، ولديه أكثر من 1،5 مليون متابع على موقع تويتر! وهو متأثّر بالصوفية الشرقية الآسيوية ويروّج للتأمّل اليوغي والوعي الكوني وقانون الجذب ووسائل أخرى غير علميّة من الطب البديل. كان مستشارًا لعدّة سنوات لماهاريش ماهيش يوغي معلّم التأمّل التجاوزي وهو معروف أيضًا كمستشار وصديق لعدّة مشاهير مثل مادونا وديمي مور ومايكل جاكسون.
يعلّمك “شوبرا” كيف تحسّن ميزان الكارما Karma خاصّتك، وكيف تشفي نفسك بنفسك بالطاقة الكونية الحيوية بالإستناد إلى الأيورفيدا [Ayurveda [2 ويحدّثك عن أهمية الصحّة وكلّ أشكال الرفاهية المادية ويدّعي أنّ لديه حلولاً لكلّ المشاكل الإجتماعية والإضطرابات والحروب. ويتكلّم عن فيزياء الكم ونظرياتها التي تنطبق برأيه، على الحياة والحرية والسعي لتحقيق الرفاهية الإقتصادية، وعن العوالم الموازية. كما يتكلّم أيضاً عن حقبةٍ جديدة في علوم الأعصاب تسمّى بالمرونة العصبية، بحيث يستطيع الإنسان بفكره التحكّم بجيناته الوراثية (!) ويشيد بقوى العقل الخارق وبرموز الكابالا (هي بدعة الباطنية اليهودية) وبأمورٍ أخرى لها علاقة بالخفائية والأرواحية.
لقد ابتدع كل هذه المصطلحات، ليصدّق الناس أنّه بالفعل عالم حقيقي ويستند الى حقائق علمية. وهو يتعرّض لانتقادات كثيرة من الوسط العلمي الذي يصف فرضياته بالخزعبلات (مثلاً يتّهمه الحقوقيّ الكندي تيموثي كولفيلد بأنّه يستعين بالمصطلحات العلمية ليغشّ جمهوره، ويصفه الطبيب الجرّاح دافيد غوركسي بالمشعوذ والدجّال).
وبما أنّ هذا المصطلح صار على الموضة وتجارة مربحة يُكسب صاحبه مالاً وفيراً، تبنّاه كثيرون حتى بعض الأطباء الكلاسيكيون ليكسبوا شهرة أوسع وزبائن أكثر.
إلّا أنّ كلّ ما يروّج له هو من خرافات وضلالات العصر الجديد التي تخلط العلوم بمعتقدات وثنيّة قديمة وعلوم كاذبة وتنجيم وسحر الويكا Wicca وعرافة وخفائية.
من أقوال شوبرا: “إنْ نظرتَ إلى يسوع وكأنّه معلّم للإستنارة، فسوف يتغيّر اتّجاه إيمانك ولن تعود بحاجة إلى الإيمان بالمسيح ورسالته الخلاصيّة. وبدلاً من ذلك، سوف تؤمن برؤى الوعي الأسمى” (من كتاب “يسوع الثالث”، دار نشر راندم هاوس نيويورك، 2008، ص62)
“Once you see Jesus as a teacher of enlightenment, faith changes its focus. You don’t need to have faith in the Messiah or his mission. Instead, you gave faith in the vision of higher consciousness” (The Third Jesus, NY, Harmony Books/ random House, 2008, p 62)
ويقول أيضاً: “الحقيقة المطلقة هي حقيقة عمياء” (يسوع الثالث، ص229)
(Absolute truth is blind truth” (The Third Jesus, p229″
في كتابه “يسوع الثالث”، يعتبر شوبرا أنّ يسوع ليس شخصاً واحداً بل هو 3 شخصيات:
- الأول هو يسوع الإنسان من لحم ودم الذي عاش منذ ألفي سنة،
- الثاني لم يوجد أبداً بل ابتدعته الكنيسة ونسجت حوله العقائد والتعاليم،
- ويسوع الثالث وهو يسوع الحقيقي، هو المرشد الروحي والمعلم الثوريّ الذي علّم تلاميذه كيف يغيّرون قلوب الناس والعالم. ويتوجّه في كتابه إلى أولئك الذين يؤمنون بالحبّ والسلام. ويقدّم رؤية جديدة للعهد الجديد يتكلّم فيها عن “الوعي المسيحاني” Christic Consciousnes . وهذا كلّه من تعاليم العصر الجديد التي تمهّد لمجيء الماترايا Maitreya المسيح الكوني، وهو إحدى تجسّدات الوعي المسيحاني.
أولاً- تبدو هذه الأقوال جذّابة للغاية فهو يستعمل كلمات مثل: الإستنارة – الوعي الأسمى- الحب- السلام… خصوصاً بالنسبة إلى الشباب، لأنّها تتكلّم عن السلام والحبّ وتستعمل مصطلحات علمية. وهي تبدو في الظاهر مُقنعة متى كان المؤمن يجهل الإيمان المسيحي ومَن هو الرب يسوع المسيح في الحقيقة. إنّ أغلب شبابنا، ويا للأسف، يجهلون تعاليم الكنيسة ولا يقرؤون الكتاب المقدس وهم بالتالي عُرضة لكلّ تضليل، ولِما هبّ ودبّ من الأكاذيب المركّبة والفرضيات الوهمية.
ثانيًا- بما خصّ شخص الرب يسوع، فهو يسوع المسيح ابن الله الذي عبّر عنه قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني، وهو أقنوم الابن في الثالوث القدوس، الإله والإنسان، الله الذي ظهر في الجسد. لذلك الحقيقة المطلقة لم تعد عمياء بالنسبة للمؤمن، بل هي شخص الرب يسوع نفسه الذي قال: “أنا هو الطريق والحق والحياة”. ولنا الحق المعلن في إنجيل المسيح “قوة الله للخلاص لكلّ من يؤمن” (رو1/ 16). الحقيقة عرفناها في تمام الأزمنة (غل 4/ 4). والله عرفناه بالابن يسوع: “الله لم يرَه أحد قط. الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو أخبر عنه” (يو1/ 18).
“لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3/16). وكلّ ما كتب في الأناجيل وفي الكتاب المقدس هو موحى به وليس من ابتداع الكنيسة أو من ابتداع البشر (2تم3/ 16). كنيستنا رسولية أيّ أنها تؤمن إيمان الرسل القدّيسين الذين عاينوا مجد الله مثلما عبّر عنه الإنجيلي يوحنا قائلاً: “الذي من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” (1يو1/ 1) والكنيسة التي أسّسها المسيح بدمه الخاص، مؤتمنة على وديعة الإيمان والتقليد الشريف عبر الأجيال وإلى نهاية الأزمنة.
ثالثاً- ليست القداسة استنارةً ووعياً أسمى وقدرات فائقة للطبيعة. وهي ليست كذلك اتحاداً بألوهة غير شخصية أو بطاقة كونية مجهولة الهوية أو بأيّ قوة مادية مخلوقة. القداسة هي اتحاد بإله شخصي، ثالوث قدوس، وهو اتحادٌ حميمي لا ذوبان فيه بل “غيرية” وثنائية، علاقة حبّ بين شخص الإنسان المخلوق وشخص الله الخالق الكلّي القدرة، اتحاد في كمال المحبة. “لأنّ الله محبة، من أقام في المحبة أقام في الله، وأقام الله فيه” (1يو4/ 16). والمحبة لا تنفصل عن الحقيقة ولا محبة حقيقية بدون المسيح. لا بدّ دائماً من ربط المحبة بالحقيقة تلك التي شهد لها يسوع. [3]
رابعاً- التنمية البشرية كما يراها العصر الجديد ليست نمواً نفسيًا بشريًا محدوداً لكنّه نمو متكامل، “إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى ملء قامة المسيح” (أف4/ 13). يتكلّم البابا بندكتوس السادس عشر والبابا بولس السادس عن التنمية البشرية “المتكاملة” على ضوء تجسد وموت وقيامة المسيح. (مراجعة الإرشاد الرسولي “المحبة في الحقيقة” Caritas in Veritate و”ترقّي الشعوب” Populorum progressio)[4]
خامساً- المشكلة الكبيرة عند أتباع العصر الجديد أنّهم: لا يميّزون بين خالق ومخلوق، بين ما هو من عمل البشر وما هو من عمل النعمة، ولا يؤمنون لا بوحي إلهي ولا بعناية إلهية، ولا يعرفون شيئًا عن حقّ الإنجيل والفضائل الإنجيلية وخصوصًا فضيلة التواضع، يدّعون الحداثة والمنهجية العلمية وهم رجعيّون يقتبسون تعاليمهم عن المعتقدات والممارسات الوثنية القديمة، وهم غنوصيّون جدد، عرفانيو القرن الواحد والعشرين، المراؤون المنفوخون بالعلم الكاذب (1تم6/ 20). واحدة تنقصهم: التوبة الصادقة بالخشوع وانسحاق القلب (مز51/ 17).
لذلك أعميت بصائرهم وغلظت قلوبهم، فأصبح حالهم حال من قال عنهم الرب يسوع “ينظرون فلا يبصرون، ويصغون فلا يسمعون ولا يفهمون” (مت13/ 13) !
لمجد المسيح !
جيزل فرح طربيه – باحثة في البدع
[1] سنتكلّم في مقالات لاحقة بالتفصيل عن كلّ هذه البدائل الطبية لمعرفة أخطارها على كلّ المستويات بما فيها المستوى الروحي. ولمن يهمه مراجعة كتاب: “الطب البديل من وجهة نظر الإيمان المسيحي”، جيزل فرح طربيه، دار المشرق، وكتاب: “حقيقة البدائل الطبية بحسب تعليم الكنيسة”، جيزل فرح طربيه.
[2] الايورفيدا هو من الطب التقليدي الهندي يعتقد بعناصر خمس وبأجسام باطنية وبأنواع ثلاثة من الطاقة يسمونها “دوشا” وبقنوات للطاقة ومراكز لها داخل الانسان وبوجود مآكل سالبة ومآكل إيجابية. والكائن والكون عندهم واحد. ينصح بالعلاجات العشبية واليوغا وكل أشكال التأمّل الآسيوي.
[3] لمعرفة المزيد قراءة الارشاد الرسولي المحبة في الحقيقة Caritas in Veritate لقداسة البابا بنكتوس السادس عشر
http://w2.vatican.va/content/benedict-xvi/fr/encyclicals/documents/hf_ben-xvi_enc_20090629_caritas-in-veritate.html
[4] http://w2.vatican.va/content/paul-vi/fr/encyclicals/documents/hf_p-vi_enc_26031967_populorum.html