– الخاشقجي ليس الصحافي المعارض الليبرالي كما يحاول الغرب تصويره
***
بالتأكيد يجب ان نتفاعل مع اخفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي إنسانياً وأن ندين جريمة قتله بالطريقة الوحشية التي تمّت بها، فلا شيئ يبرّر اغتيال أي شخصية عامة او غيرها، مهما كانت الاسباب، ولكن في الوقت نفسه لا يجب ان نخلق صورة مغايرة للحقيقة عن خاشقجي، بأنه صحافي معارض وليبرالي كما يحاول الغرب تصويره، وذلك لأسباب عدّة: اولا ليس هناك من صحافة حرة في السعودية ولا صحافيين بما للكلمة من معنى، فجل ما يوجد في السعودية، موظفون لدى النظام الملكي يسوقون دعاية النظام، فالصحف ووسائل الاعلام في السعودية مملوكة من العائلة المالكة وبالتالي لا يمكن ان يخرج صوت معارض فيها، اما تاريخ خاشقجي فأيضا يدحض ادعاءات “واشنطن بوست” بأنه صحافي ناقد للنظام السعودي، فخاشقجي كان احد اعمدة النظام قبل تولي ولي العهد محمد بن سلمان السلطة، وكان احد ادوات الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية، وقبله بندر بن سلطان، كما ان عرّابه وحاميه (كل شخصية عامة في السعودية يجب ان يكفلها أمير من الامراء كي تحافظ على رأسها)، فعرابه كان الوليد بن طلال، والمرة الوحيدة التي اختلف فيها خاشقجي مع النظام السعودي كانت للدفاع عن بن طلال حين تم اعتقاله في الريتز مع كل الامراء الاخرين، فالمعادلة التي ارساها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد استلامه السلطة، لم تترك مجالا للمناورة، فكل من لم يبايع ولي العهد الجديد بات مستهدفا من النظام بأمواله وحياته، اما اداء خاشقجي الصحافي حين ترأس تحرير جريدة الوطن السعودية، فارتسم بالولاء كما هي حال جميع المفكرين في السعودية، وعلى رأسهم من يشغل منصبا عاماً، فيما ماضيه بعيد عن الاعتدال والليبرالية وهو الذي كان يسوّق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في افغانستان وقام بجولة عسكرية معه في احدى المرات لتغطية نشاطه هناك، وكتب عنه باعجاب، ودعم حربه، كما كان التوجه في السعودية قبل 11 ايلول 2001، وهي محطة اجبرت السعودية على اعادة حساباتها ومجاراة الولايات المتحدة، اما فكره فيميل اكثر الى الفكر التكفيري كما للاخوان المسلمين.
إنّ سبب قتل خاشقجي، بحسب خبراء في الشأن السعودي، ان النظام في السعودية بات يعتبره في الفترة الاخيرة منشقاً عنه، وهذا ما لا يمكن التسامح به في السعودية والتي تُعرف بتصفيتها المعارضين بأبشع الطرق، وبخاصة المنشقين عنها لأنهم يملكون معلومات حسّاسة عن العائلة المالكة، ويعتبر هؤلاء الخبراء ان خاشقجي ارتكب خطأً كبيرا في النهاية بتقاربه مع قطر وتركيا، وبالاخص قطر التي هي بالنسبة للسعودية تسبق ايران بالعداوة وبالتالي لا يمكن مسامحة خاشقجي على التعاون مع العدو، وفق المقاربة السعودية.
في المحصلة، لا يجب ان نستغرب هذه الهمجية السعودية بالتعاطي مع مواطنيها، ولكن ايضا يجب الا ينسى العالم الغربي كما العربي وبعض المفكرين الذين يدافعون اليوم عن خاشقجي، انه داعم أساس لحرب السعودية على اليمن، وبالتالي يعتبر شريكا في المأساة الحاصلة اليوم للشعب اليمني، كما انه داعم كما النظام السعودي للجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، وبالتالي فإن محاولة هذه الدول حرف الانظار عن كل الجرائم التي ترتكبها السعودية في العالم العربي، وحصر خطيئة آل سعود بجريمة واحدة بحق احد مواطنيها، يجعل من هؤلاء شركاء في هذه الجريمة وكل الجرائم الاخرى الموقّعة بالحبر الاحمر الوهابي.