عَ مدار الساعة


معركة تحرير ادلب لا تزال واردة باي لحظة

حسان الحسن-

نجح عقد إتفاق “التهدئة الموقتة” في إدلب بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب الطيب إردوغان في نزع فتيل إشتباك دولي حتى الان، وقد كان محتملاً وقوعه بأي لحظة، فيما لو تقدم الجيش السوري في إتجاه اخر وأكبر قواعد المجموعات التكفيرية المسلحة في الجارة الأقرب.

لم تكن بسيطة الحشود الحربية الكبيرة في البحر المتوسط، و المترافقة مع تهديدات جدية من الوحدات الغربية خصوصاً الأميركية منها لدمشق، في حال إقدام قواتها على أي إجراء حربي أو عسكري لإقتلاع الإرهاب من محافظة إدلب، وقد ظهرت النيات الخطرة تجاه سورية في معزل عن إستخدام قواتها للسلاح الكيماوي في المحافظة المذكورة، بعد فضح وزارة الدفاع الروسية “لمسرحية الكيماوي”.

لاريب أن الوضع في إدلب يختلف عن باقي المحافظات والمدن التي طهرها الجيش السوري وحلفاؤه من المسلحين التكفيريين، وحيث كان عازماً لإعادتها الى كنف الدولة، بعد ان أنهى كافة الإستعدادات اللوجستية المطلوبة لذلك، من حشد قوات، وإستقدام عتاد وذخائر الى المناطق المتاخمة للمحافظة المذكورة، ولكن من دون أدنى شك، فأن توقيت المعركة في المرحلة الراهنة، فيما لو حدثت، سيكون له إنعكاسات خطرة على المنطقة، وأبعد من ذلك، للأسباب الآتية:

أولا- تعتبر “جبهة إدلب” هي آخر الجبهات العسكرية على الأراضي السورية، بالتالي فأن إستعادة القوات السورية لهذه المدينة، يفقد واشنطن والغرب أحد أبرز أوراق القوة في أي مفاوضات محتملة أو تسوية سياسية لحل الأزمة، ويضعف حضورهم في اي عملية سياسية، لذا سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الى تأخير المعركة، ريثما يتمكنون من تحسين شروطهم التفاوضية، خصوصاً أن “قضية إدلب” دخلت على خط التجاذبات الداخلية الأميركية، قبل الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة المزمع إجراءها في تشرين الثاني المقبل، وأن يكن ليس لها أي تأثير جدي في الشؤون الأميركية.

ثانياً- يشكل إحتمال هروب المسلحين، خصوصا الأجانب من إدلب الى تركيا ثم الدول الأوروبية، في حال تقدم الجيش السوري الى الأولى، تهديداً مباشرا للأمن القومي الأوروبي، لذلك إندفعت هذه الدول بدورها الى التلويح بعمل عسكري ضد دمشق، فيما لو تابع الجيش السوري عمليات إجتثات الإرهاب من بلاده.
وبالتأكيد الوضع مختلف عن باقي المحافظات، لأنه تم ترحيل المسلحين منها الى إدلب، ولكن لم يبق أي بقعة ملائمة لاستقبال المسلحين وعوائلهم على الأراضي السورية بعد إدلب، بالتالي إمكان هروبهم الى الدول الأوروبية يكون إحتمالاً وارداً، خصوصاً بعد التهديد التركي بفتح الحدود أمام اللاجئين، فور إندلاع معركة إدلب.

وعن إمكان نقل مسلحي إدلب الى المنطقة الشرقية في سورية، بحسب ما المحت أنقرة، من إجل إقامة فاصل مع الأكراد، تؤكد مصادر سياسية عليمة، أن تركيا ليست اللاعب الأوحد في شمال البلاد وشرقها، بالتالي أن محاولة إقدامها على خطوة كهذه، ستلقى مواجهة من الأطراف المؤثرة في هذه المنطقة، وقد تشكل ضربا للتفاهم القائم مع الروس والإيرانيين.

بالنسبة لموسكو، فإن الإتفاق المذكور أعلاه أبعد حتى الان امكانية حصول مواجهة دولية، و من ناحية اخرى، تؤمن المنطقة المنزوعة السلاح على عمق 20 كلم في إدلب حماية القاعدة الروسية في حميميم.

وتعليقاً على إتفاق بوتين- إردوغان، تعتبر المصادر أنه حقق تهدئة موقتة إفساحاً في المجال أمام تسوية سياسية لاعادة إدلب الى سلطة الدولة، وجنبها حرباً، كذلك ان المنطقة المنزوعة السلاح المفترض إقامتها، تلغي خطوط التماس مع القوات السورية، وهذا كله لا يتعارض مع مصلحة دمشق، مادامت تشجع على المصالحات، ودعوة المسلحين الى القاء السلاح قبل اللجوء الى استخدام القوة. بالنسبة لتركيا، فقد أسهم هذا الاتفاق في تتثبيت حضورها في الشمال السوري، خصوصا بعد فشل مراهنتهم على سقوط الدولة السورية، وإنتهاء “حلم السلطنة الجديدة”، وإنحسار نفوذها في بعض مناطق الشمال السوري، عندها أقامت توازناً سياساً في العلاقات الدولية، خصوصاً بين روسيا والولايات المتحدة، للغاية أعلاه.

أما في الشق العملاني المتعلق بتنفيذ الإتفاق، فالأمر مرهون بمدى صدقية أنقرة بالتزامها الوفاء بتعهدها، وقدرتها على ذلك، خاصة أن روسيا أعطت مهلة زمنية محددة لذلك، وتتحمل أنقرة مسؤولية عدم تحقيقه، ولكن ما يؤشر الى توجهها الى البدء في تنفيذه، هو التصفيات اليومية لقادة المجموعات الإرهابية الرافضة للتسوية في المنطقة الواقعة تحت النفوذ التركي.

واخيرا، لا يمكن القول ان معركة تحرير ادلب قد تم الغاءها، وهي مازالت واردة باي لحظة، ما دام الاتراك حتى الان لم يبدوا اي جدية في بدء إجراءات فصل الارهابيين عن المعتدلين، كما وان قادة ومسؤولي هيئة تحرير الشام ما زالوا يغردون خارج سرب الاتفاق، ولا يبدو انهم اقتنعوا بالانسحاب من منطقة المواجهة مع الجيش السوري.

-موقع المرده-