– الدعم لا يكون فقط كلامياً إنما يجب أن يقترن بإعطاء الرئيس الوسائل
***
كما عادته في كل مرة يقف رئيس الجمهورية أمام المحافل الدولية حاملا قضية لبنان، يقابل خطابه السياسي باحترام وتقدير كل المراجع الدولية، هكذا وقف البارحة رؤساء الدول الأوروبية مصفقين لفخامته ومؤيدين مطالبه المحقة التي ليست سوى حقوق كل اللبنانيين. وقد كان صدى هذا الحدث إيجابياً في لبنان وعند كل اللبنانيين وذلك بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والدينية والعقائدية، وشعر كل لبناني في قرارة نفسه أن الرئيس يمثله ويدافع عن مصالحه ويتحدث باسمه. ولكن السؤال المطروح هل روما من فوق هي نفسها روما من تحت؟ وهل نظرة الناس إلى الرئيس في الخارج تختلف عن نظرتهم إليه وهو في الداخل؟ وهل تختلف النظرة إلى بيروت تبعاً لموقعنا الجغرافي؟ أسئلة عديدة يطرحها المواطن اللبناني الغارق في مشاكله الداخلية والمنتظر الولادة المتعثرة لحكومته العتيدة، والناطر الفرج ولو من ستراسبورغ.
لا نبي في وطنه
مع عودة الرئيس الوشيكة ستعود حليمة لعادتها القديمة، وستبدأ جوقة الشتامين والوصوليين بالعزف على وتر الفرقة مرددة مطالبها الشخصية، محاولة النيل من جديد من هيبة العهد وقوة فخامته ونعته بأبغض النعوت وذلك في محاولة يائسة لتشويه صورة لبنان البهية في الخارج وتحويله إلى صورة باهتة لا لون لها ولا طعم، نعم جوقة الشتامين إياها ستحاول نفش ريشها والتأثير على عقول اللبنانيين لإيهامهم أنها تساوي أكثر مما يرونه، وأن لغة الحساب لا وجود لها في قاموسهم وبالتالي فلا ترجمة سياسية للأوزان وألأحجام، وأن صراخهم سيسمع وسيعلو على الحق. هذه الجوقة ستحاول الإستفادة من قناعة الرئيس بتشكيل حكومة وحدة وطنية، هذه القناعة التي تتطلب لتحقيقها وقتاً أطول من تشكيل الحكومات العادية، والتي يشدد فخامته على التمسك بها بغض النظر عن الصعوبات التي تعترضها. ويردد البعض مقولة أن لا نبياً في وطنه، وبالتالي فقوة الرئيس هي في الخارج أكثر منها في الداخل؟ فهل ينطبق ذلك على واقع الحال؟
قوة الرئيس أمام المحافل الدولية سيكون لها انعكاس في الداخل
أولاً وبغض النظر عن لعبة الأوزان والأحجام والمعايير لتشكيل الحكومة العتيدة، فإن فخامة الرئيس الحريص من جهة على تمثيل الجميع هو حريص من جهة أخرى أيضاً على اعتماد المعيار الواحد، وهو شريك أساسي في التشكيل وبالتالي فإن دوره أساسي وكلمته مسموعة، وبالتالي فعنده من الصلاحية ما يكفي لكي يكون رأيه مسموعاً.
ثانيأً من مصلحة لبنان واللبنانيين أن يتمتع الرئيس بقوة مؤثرة سياسياً في الداخل، مع العلم أن قوة الرئيس لا جدال بشأنها إن كان في البرلمان حيث يتمتع بتأييد أكبر كتلة نيابية، وعلى المستوى الشعبي فهو يتمتع بتأييد غير مسبوق من الغالبية العظمى من الشعب اللبناني. من هنا لا بد من كل الذين يدعون دعم العهد أن يبرهنوا ذلك عملياً، فالدعم لا يمكن أن يكون فقط كلامياً إنما يجب أن يقترن بإعطاء الرئيس الوسائل التي تمكنه من بلورة أفكاره وأهدافه، ووضعها موضع التنفيذ.
الإنتظار رهن بالظروف
ليس صحيحاً أن عرقلة التأليف هي محض داخلية، وإن وضعت في قالب مطالب من هنا ومطالب من هناك، وهذا ما هو إلا لتبرير التأخير ولكنه ليس العامل الأساسي فيه، ويعتقد المراقبون أن البدء بتنفيذ عودة النازحين مع ما يعترضه من عقبات من هنا وهناك، وأن البدء بتطبيق الخطة الإقتصادية يتطلب حكماً وجود حكومة فاعلة قادرة على تحمل مسؤولياتها واتخاذ القرارات الهامة، وبالتالي فإن أمد الإنتظار لم يعد طويلاً، وإن نجاحات الرئيس في الخارج لا بد وأن يكون لها الترجمة العملية في الداخل، وبالتالي فإن تشكيل حكومة جديدة والضغط على الأطراف المعرقلة لها، بات على قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، وأن الجميع سيشعر أن ولادة الحكومة العتيدة تشكل ليس فقط مصلحة وطنية، إنما تشكل مصلحة لكل الأطراف السياسية لممارسة صلاحياتها لا سيما رئاسة الحكومة المشلولة الصلاحية في الوقت الراهن.
* كاتب سياسي