لا شك ان عملية تحرير ادلب المرتقبة تأخذ حيزا واسعا من الاهتمام الاقليمي و الدولي، لما لذلك من تداخل واسع لاغلب اللاعبين على الميدان السوري في شكل خاص وفي الشرق في شكل عام.
من هنا عاجلا ام آجلا، لا يمكن أن تبقى محافظة إدلب في الشمال السوري على ما هي عليه، أي ملاذا آمناً، ومرتعاً لإرهابيي تنظيم “القاعدة” وتوابعها، ومن المؤكد أن قرار تطهير إدلب صدر وآيل الى التنفيذ، فالتحضيرات اللوجستية لتطيبق القرار قائمة ومستمرة، والحشود العسكرية التابعة للجيش السوري وحلفائه تتزايد يومياً، ويشتد معها الخناق على إرهابيي إدلب.
كذلك تؤشر الغارات الجوية التي تنفذها الطائرات الحربية الروسية والسورية على مواقع المسلحين في المحافظة المذكورة، وبعض المناطق المتصلة بها، الى بدء عملية الإجهاز على آخر مقار الإرهاب في الجارة الأقرب، وجاء ذلك بعد إنعقاد القمة الرئاسية الثلاثية: الروسية – الإيرانية – التركية في طهران الأسبوع الفائت، رغم التحفظ التركي على العملية المرتجاة، بحسب ما تؤكد مصادر ميدانية متابعة.
هذا التحفظ التركي على ما يبدو، لن يعوق سير العمليات الحربية للقضاء على كبرى قواعد الإرهاب في سورية، وفقاً لتأكيد نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف، الذي أعلن أن التحضير للعملية العسكرية المحتملة من أجل تحرير إدلب من الإرهابيين يجري بعناية وسرية، مع مراعاة الجوانب الإنسانية.
هذه التحضيرات والاستعدادات العسكرية السورية والتصريحات التي رافقتها، تعني بما لا يحمل الشك ابدا أن هذه العملية واقعة لا محال، وما قد يؤخرها فقط، هو إقدام تركيا على الإنسحاب من التفاهم الثلاثي المذكور كمعارضة للعملية، ولكن يبقى حدوث هكذا إحتمال ضئيل، برأي مصادر سياسية سورية.
الواضح أن أنقرة مستفيدة من التناقض في المواقف الدولية في شأن “إدلب”، وتحاول التخفيف من خسارتها من خلال تأجيل العملية قدر الامكان، لان خروجها من المحافظة المذكورة، يؤدي الى إنحسار النفوذ التركي في بعض مناطق ريف حلب الشمالي، بالإضافة الى ذلك لا تزال تركيا عضواً اساسيا في حلف “الناتو”، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بالتالي لن تخرج الأولى من تحت عباءة الثانية بالكامل، على حد قول المصادر، و هنا تتناغم تركيا مع واشنطن التي بدورها تعمل جاهدة لوقف العملية المرتقبة، مستخدمة ذريعة إستعمال الجيش السوري للسلاح الكيماوي، لأن إستعادة الدولة السورية لإدلب، يفقد أميركا أحد أبرز الأوراق التفاوضية في الأزمة السورية، بحسب ما يؤكد استاذ العلاقات الدولية الدكتور جمال واكيم .
كذلك تؤكد إستعادة إدلب إثبات جدية حلف محور المقاومة وفاعليته في مكافحة الإرهاب، وفشل واشنطن وحلفائها، في إسقاط الدولة السورية، رغم المليارات التي دفعت في هذا السبيل، ناهيك بالتحريض المذهبي، ولم يكتب لهم النجاح.
ولا يستبعد واكيم قيام الحلف الأميركي بشن ضربة على سورية، وقد تكون أقوى من سابقاتها، لكنها لن تؤثر في مجريات الواقع الميداني، برأيه. ويشير واكيم الى أن الأتراك يقدمون المزيد من التنازلات للروس، خصوصاً بعد رفع الغطاء التركي عن “جبهة النصرة”، وتصنيفها إرهابية، وهي تسيطر على نحو 60 بالمئة من مساحة محافظة إدلب، وتأتي هذه التنازلات بعد تقزيم الولايات المتحدة للدور التركي في المنطقة، “من حلم الأمبراطوية الجديدة” الى إنحسار نفوذ أنقرة في بعض مناطق الشمال السوري، حتى لم تحصل من واشنطن على إذن بإنشاء منطقة عازلة في الشمال، على حد قول واكيم.
وفي السياق عينه، ترى المصادر السياسية السورية المذكورة آنفاً، ألا مصلحة تركية باستمرار قفل الحدود مع سورية، بعدما إمتدت الأزمة على نحو ثمانية أعوام، خصوصاً في ضوء الأزمة المالية التي تمر بها الأولى. ولا يستبعد أن تعقد أنقرة تفاهماً مع دمشق بالمباشر أو غير المباشر، يفضي الى تلزيم الجيش السوري ضبط الأكراد في المناطق الحدودية مع تركيا، وفقاً لرأي المصادر. وتلفت الى أن هناك مؤشرا على تخلي الأتراك عن مسلحي إدلب أو بعضهم، من خلال التصفيات اليومية التي تستهدف قادة هؤلاء المسلحين. وتجزم أن القوات السورية ستتقدم نحو إدلب، ولا يمكن الفصل بين الفصائل المسلحة، واعتبار بعضها بالمتشدد و آخر “معتدل” بسبب تشابك الجبهات، كما كان الحال في حلب وغوطة دمشق الشرقية.
وتشير المصادر الى أن أعداد الناس الموجوين في إدلب، التي تتحدث عنها بعض وسائل الإعلام، خصوصاً المعادية لمحور المقاومة، هي اعداد مبالغ بها، وهذه السابقة، حدثت قبيل بدء إستعادة الأحياء الشرقية في حلب ومدينة داريا في ريف دمشق، فتبين أن أعداد الناس فيهما مضخم للغاية.
في المقابل، تعتبر مصادر سورية معارضة أن الحشود العسكرية حول أدلب، لن تتقدم في اتجاه المحافظة قبل التفاهم على ترتيبات سياسية بين الروس والأميركيين، بمعزل عن الموقف التركي.
ولا تستبعد هذه المصادر لجوء واشنطن الى إستخدام “الورقة الكردية” للضغط على دمشق، وبدأت بشائر هذا الأمر، بعد دعوة أميركا للأكراد الى التمهل بالمفاوضات مع السلطات السورية، وجاء الاشتباك المسلح الدامي بين عناصر الأمن الكردي والجيش السوري في الحسكة مؤخرا، ليرفع من منسوب هذا الاحتمال أيضا. ويصب كل ذلك في خانة سعي الولايات المتحدة لتأخير الحل المرتجى للأزمة السورية، خصوصاً أن “الورقة السورية” تستخدم في التجاذبات السياسية الداخلية الأميركية بين الرئيس دونالد ترامب ومعارضيه، وأن يكن لها من تاثير على اي وضع داخلي أميركي.
وهكذا، يبدو ان ادلب على طريق التحرير، بالرغم من المعارضة الدولية والاقليمية الواسعة لذلك، وهذه المعارضة الواسعة للدولة السورية في تحرير ادلب لم تكن يوما مختلفة عن معارضة هؤلاء في تحرير جميع المناطق السورية التي نجحت الدولة في اعادتها الى سلطتها .
-موقع المرده-