عَ مدار الساعة


بين الراحة المزيّفة والراحة الحقيقيّة.. يحتاج الإنسان أن يتصالح مع ما يهرب منه

– الخيار هو “نعم” العذراء مريم، بانفتاح عَ الروح القدس عَ خطى المسيح باتجاه القيامة..

***

النص الكامل لمقابلة البابا فرنسيس العامة مع المؤمنين (الأربعاء 5 أيلول 2018)

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، صباح الخير!

يحملنا السفر عبر الوصايا العشر اليوم إلى الوصيّة حول يوم الراحة. تبدو وصيّة يسهل تحقيقها، ولكن هذا انطباع خاطئ. إن الراحة بالفعل ليست سهلة لأنَّ هناك راحة مُزيّفة وراحة حقيقيّة. كيف يمكننا أن نعرفهما؟

إنَّ مجتمع اليوم مُتعطِّش للتسلية والعُطَل. وصناعة التلهية – اسمعوا جيّدًا هذا الامر – وصناعة التلهية مزدهرة جدًّا والإعلان يرسم العالم المثالي كملعب كبير حيث يتسلّى الجميع. إنَّ نقطة جاذبية المفهوم السائد للحياة اليوم لا تكمن في النشاط والالتزام وإنما في الترفيه. في الربح من أجل التسلية وإشباع الذات. والصورة النموذجية هي صورة الشخص الناجح الذي يمكنه أن يسمح لنفسه بفسحات لذة واسعة ومتعدِّدة. لكنَّ هذه الذهنيّة تجعلنا ننزلق نحو الاستياء من حياة تخدِّرها تسلية ليست راحة وإنما ضياع وهروب من الواقع. فالإنسان لم يرتَح أبدًا كما في يومنا، ومع ذلك فهو لم يختبر فراغًا كما اليوم! إنَّ إمكانيّة التسلية والتنقّل والسفر وجميع هذه الأمور لا تملأ القلب ولا تعطيك الراحة.

إنَّ كلمات الوصايا العشر تبحث عن جوهر المشكلة وتجدها، إذ تُسلِّط ضوءًا مختلفًا على ما هي الراحة. تملك الوصيّة عنصرًا فريدًا: هي توفّر دافعًا. إنَّ الراحة باسم الرب تملك دافعًا محدّدًا: “لأنَّ الرب في ستّة أيام خلق السماوات والأرض والبحر وكلَّ ما فيها، وفي اليوم السابع استراح، ولذلك بارك الرب يوم السبت وقدّسه” (خر 20، 11). يعيدنا هذا الأمر إلى نهاية الخلق، عندما يقول الله: “ورأى الله جميع ما صنعه فإذا هو حسنٌ جدًّا” (تك 1، 31). فيبدأ عندها يوم الراحة، الذي هو فرح الله لما خلق. إنّه يوم التأمُّل والبركة.

ما هي الراحة إذًا بحسب هذه الوصيّة؟ إنها وقت التأمّل والتسبيح، وليست وقت الهروب من الواقع. إنها الزمن لننظر إلى الواقع ونقول: ما أجمل الحياة! تُقابل الوصايا العشر الراحة كهرب من الواقع، بالراحة كبركة للواقع. إن محور يوم الرب، يوم الأحد، بالنسبة لنا نحن المسيحيين، هو الإفخارستيا التي تعني “رفع الشكر”. أُعطيَ لنا هذا اليوم كي نقول لله: شكرًا يا رب! شكرًا على الحياة وعلى رحمتك وجميع عطاياك. الأحد ليس يومًا لنلغي الأيام الأخرى وإنما لنتذكرها ونباركها ونتصالح مع الحياة… كم من الأشخاص لديهم إمكانيّات عديدة للتسلية ولكنّهم غير متصالحين مع الحياة. إن يوم الأحد هو يوم لنتصالح فيه مع الحياة ونقول: الحياة ثمينة؛ ليست سهلة ومؤلمة أحيانًا ولكنّها ثمينة.

إنّ الدخول في الراحة الحقيقيّة هو عمل الله فينا، ولكنّه يتطلّب منا الابتعاد عن اللعنة وسحرها (را. الإرشاد الرسولي فرح الحب، عدد ٨۳). من السهل جدًّا في الواقع أن نُخضع قلبنا للتعاسة ونتوقّف عند أسباب الاستياء، فيما يتضمّن الفرح والبركة انفتاحًا على الخير الذي يشكل حركة ناضجة للقلب. إنَّ الخير محب ولا يُفرض أبدًا. بل يتمُّ اختياره.

السلام أمر يتمُّ اختياره، لا يمكن فرضه ولا يمكن إيجاده صدفة. إذ يبتعد عن نزوات قلبه المريرة، يحتاج الإنسان لأن يتصالح مع ما يهرب منه. من الضروري أن نتصالح مع تاريخنا ومع الأحداث التي لا نقبلها والفقرات الصعبة من حياتنا. وبالتالي سأسألكم: هل أنتم متصالحون مع تاريخكم؟ إنّه سؤال للتفكير: هل أنا متصالح مع تاريخي؟ إن السلام الحقيقي في الواقع ليس أن نغيِّر تاريخنا وإنما أن نقبله ونقدِّره هكذا كما هو.

كم من مرّة التقينا بمسيحيين مرضى عزّونا بسَكينةٍ غير موجودة في الفرحين والمتلذِّذين! ورأينا أشخاصًا متواضعين وفقراء يفرحون بنعم صغيرة بسعادة تحمل طعم الأبديّة.

يقول الرب في سفر تثنية الإشتراع: “قد جعلت أمامكم الحياة والموت، البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك” (۳٠، ١۹). هذا الخيار هو “نعم” العذراء مريم، إنه انفتاح على الروح القدس يضعنا على خطى المسيح، ذاك الذي يُسلِّم نفسه إلى الآب في اللحظة المأساويّة ويدخل هكذا الدرب التي تقود إلى القيامة.

متى تصبح الحياة جميلة؟ عندما نبدأ بالتفكير بها بشكل إيجابي مهما كان تاريخنا. عندما يتسلّل إلينا الشك: بأن كلَّ شيء هو نعمة، فتُفتِّت هذه الفكرة المقدّسة جدار عدم الرضى الداخلي وتُدخلنا في الراحة الحقيقيّة. تصبح الحياة جميلة عندما ينفتح القلب على العناية الإلهيّة ونكتشف حقيقة ما يقوله المزمور: “إلى الله وحده تطمئنُّ نفسي” (٦٢، ٢). جميلة جدَّا هي هذه الجملة من المزمور: “إلى الله وحده تطمئنُّ نفسي”. شكرًا

المصدر: ar.zenit.org