عَ مدار الساعة


الخوري يوسف أبي مارون معتوق.. قديس متخفّي الى العالمية بعجائبه الكثيرة

– كلّ من يمسح قطعة خبز عَ قبري بإيمان ويأكل منها يحصل على نعم روحية وجسديّة🙏
– أراد السخرية فيَبِسَت يده.. ومازن صليبا شحيبر زار قديسين لبنان طلباً للشفاء، فشفاه الخوري 🛐
– رأى القديسة رفقا وتحدث معها عندما أوفدتها رئيسة دير مار سمعان أيطو لتعالج عينيها عند والده الخوري مخايل، وعندما سألها الخوري مخايل عن سرّ تحمّلها الألم الكبير قالت له: ” يا أبونا أنا طلبتُ هذا الألم من يسوع”🔥 (التفاصيل)

***

في بلدة سِرعِل بقضاء زغرتا – الزاويّة، كاهن برسم القداسة.. متوفي منذ 87 سنة، وهو الخوري يوسف أبي مارون معتوق، (ولد في 11 أيار 1847 وتوفي في 11 تشرين الثاني 1929)..

نورسات – مرَّ في أبرشية طرابلس المارونية كهنة كثيرون مثل سائر الأبرشيات في لبنان والعالم. منهم من كانوا قديسين فاشتهروا بذلك، وخوارقهم تكلّمت عنهم ووصلوا إلى مراتب القداسة. ومنهم من عاشوا قديسين متخفيين، عاشوا حياة القداسة وماتوا بها، ولكن الظروف لم تسمح بنشر عجائبهم. فهم قديسون مجهولون.

الخوري يوسف أبي مارون من سرعل الذي ظهرت عجائبه على الملأ ولا تزال تظهر من وقتٍ لآخر. كاهن فاضل خَدَمَ رعيته سنين عديدة بتواضع ومحبة. لم يثنهِ ما تعرّضَ له من ظلم وإهانات واستبداد من الأقربين والأبعدين، من الكهنة والعوام، إلى أن أكملَ مسيرته وتوفي برائحة القداسة ولا يزال جثمانه الطاهر حتى اليوم محفوظاً، إذ أصبحَ محجاً للناس من ذوي الأمراض المختلفة.

أصل عائلته
أصل هذه العائلة من بكفيا، وهي فرع من عائلة بيت معتوق هناك. وقد روى أحد أفراد هذه العائلة وهو السيد قسطنطين أبي مارون، أنه بعد حوالي سنة 1715، هجر أربعة إخوة من هذه العائلة بكفيا، قَطَنَ منهم إثنان قرية قرطبا، وإثنان قطنا سرعل، ومن سلالة هذين هجر واحد يُدعى مخايل إلى بصرما وسكنها وسلالته هناك تدعى الآن بيت الجزار.

من هذه العائلة الخوري حنا أبي مارون، وقد ألّف كتاباً في الفلسفة طبع منه مجلّداً وبقي ثلاثة أجزاء مخطوطات دون طباعة.

درس الخوري يوسف في مدرسة مار عبدا هرهريا، واشتهر أيضاً بالطب الأهلي أي طبيباً عربياً، كما كان يُقال للذي يُعالِج بالأعشاب.

من هذه العائلة أيضاً الخوري مخايل أبي مارون وخلفه أولاده قسطنطين والخوري يوسف وولده بطرس وأخوهم.

ولادته وحياته
وُلِدَ الخوري يوسف سنة 1849، وتعمّد في الثامن من أيلول من يد الخوري جبرايل، وعاش في عائلة تقية في كنف والده الخوري مخايل أبي مارون. في سنة 1872، تزوّج من ساره جبور عبد الله البعيني، وهي من مواليد سنة 1851.

سيمَ كاهناً في الكرسي البطريركي في جديدة قنوبين ( الديمان الآن ) في تشرين الأول سنة 1874. وقد تفوّض بسرّ التوبة سنة 1875 من يد غبطة البطريرك. جاء عنه في مقال من أربع صفحات مُرسَلْ إلى المطرانية المارونية في طرابلس، أنّ هذا الكاهن عاش في قريته سرعل التي تطلّ على وادي قاديشا أي وادي القديسين حياة تقوى وصلاة وتواضع في منزل لا يزال قائماً إلى الآن قرب عين ماء، ولهذا لقّب بالخوري يوسف العين.

رأى القديسة رفقا وتحدث معها عندما أوفدتها رئيسة دير مار سمعان أيطو لتعالج عينيها عند والده الخوري مخايل، وعندما سألها الخوري مخايل عن سرّ تحمّلها الألم الكبير قالت له: ” يا أبونا أنا طلبتُ هذا الألم من يسوع”.

فأجابها:” إذهبي يا ابنتي، ليس لكِ علاج لا عندي ولا عند غيري”. ومن يومها لقبوها بالراهبة القديسة.

إن حياة التقوى التي كان يمارسها لم تكن خافية على أحد، لا في قريته سرعل ولا في القرى المجاورة. لذا كان الناس يأتون إليه من هذه القرى ومن القرى البعيدة أيضاً رغم صعوبة المواصلات حينها، وذلك كي يبارك لهم بيض دود القز، وبذار المزروعات، مع العلم أنه في ذلك الوقت كانت الكهنة متوفرة في كلّ القرى.

أخبرنا إبن المدعو طوني لحود الذي يعيش اليوم في كندا، وعمره قارب المئة عام، أنه عندما كان الخوري يوسف يمرّ قرب منزلهم في سرعل وهو قاصد الكنيسة كي يحتفل بالذبيحة الإلهية، كان الصبي طوني إبن العشر سنوات يراه من النافذة، ثمّ يسرع إلى مرافقته إلى الكنيسة لكي يخدم القداس له.

وحصل ذات مرة في خلال القداس عندما رفع الخوري يوسف الكأس والقربان، رأى طوني الطفل يسوع يتحرّك في القربان ، وكان هذا الطفل في عمر يمكنّه من التمييز.

كان للخوري يوسف ولدان صبي وبنت. وقد أخبرتنا حفيدته مريم أنها فقدت والدتها وهي ما زالت طفلة، وكانت تنام في بيت جدها معظم الأيام، وكانت في ليالي الشتاء العاصفة تصحو على قصف الرعد، وكانت الرياح تتسلل من شقوق الأبواب والنوافذ، وتُدخِل الخوف في قلب الطفلة مريم، فتنظر في اتجاه فراش جدها لتأخذ بعض الثقة، فتجده راكعاً على الأرض يصلي. وكانت في الليلة الواحدة تصحو عدة مرات، وجدّها ما يزال راكعاً يصلّي ونادراً ما كانت تراه نائماً في فراشه.

من الأشياء التي استعملها الخوري يوسف وما زلنا نحتفظ بها، طنجرة نحاس صغيرة، ودفتر قداساته، ووعاء الميرون. وقد قالت لنا مريم:” عندما أعطاني جدي هذه الطنجرة قال لي:” يا ابنتي مريم إحفظي هذه الطنجرة لأن رفقا قد أكلت منها“.

كان الخوري يوسف ممَّن ساهموا وسعوا في بناء الكنيسة الحالية قي القرية التي ابتدأ بناؤها سنة 1885، وانتهى بعد حوالي العشر سنوات.

توفي الخوري يوسف برائحة القداسة في قريته سِرعل في تشرين الثاني سنة 1929 عن عمر 82 عاماً كما جاء في المقال المذكور، أما الصحيح فهو 80 عاماً، ودُفن في مدفن الكهنة الملاصقة للكنيسة. وكان الكهنة في ذلك الوقت يدفنون جالسين على كرسي باللباس الكنسي البيعي، وهو ما يزال على كرسيه ولا يزال هيكل جسمه غير متفكك، وجسمه جاف غير عفن.

فُتِحَ قبر الكهنة سنة 1938، وكانت دهشة الجميع عندما وجدوا الخوري يوسف جالساً على كرسيه كما قُبر. فذاع الخبر، واستدعوا المسؤولين في مطرانية طرابلس المارونية، ومنذ ذلك اليوم عُرِفَ الخوري يوسف في سرعل بإسم الخوري يوسف القديس لأنه في ذلك اليوم بالذات أي يوم فتح القبر حصلت أوّل أعجوبة.

أراد السخرية فيَبِسَت يده

كان بين الذين أتوا لمشاهدة هذا الحدث، رجل يدعى وردان، وكان قليل الإيمان، فهزّ الكرسي الذي كان جالساً عليها الخوري يوسف بعنف وقال:” أنظروا كيف سيسقط “. فيبست يده في الحال وأحسّ بوجع أليم، فنذر هو وزوجته بأن يزوروا الضريح على ركبهم، فحصل الشفاء وكان وردان من قرى الجوار من مزرعة النهر، وصودف أن قابلنا ابنه فايز، وسألناه عن حقيقة ما حصل لوالده فأيّد الخبر وقال:” ظلّ والدي حتى مماته يشعر بوجع يده كلّ سنة في ذات اليوم الذي هزّ به كرسي القديس “.

وتوالت عجائب الخوري القديس ومنها:

شفاء مقعدة
أصبحت شحدا مقعدة في آخر سنيها ولازمت فراشها، ولم يكن لها أقرباء يعتنون بها، وكان باب بيتها غير مقفل ليلاً ونهاراً، يأتي جيرانها ويساعدونها.

ففي ذات ليلة صلّت وبكت وقالت مخاطبة الخوري القديس:” ولو يا خوري يوسف أنا كنت سلّق لك، وأنا اليوم ما بقدر قوم من فرشتي “. ونامت في تلك الليلة والدموع تنهمر من وجنتيها، وفي اليوم التالي صحت عند الفجر كعادتها وأخذت تصلّي سبحتها، فسمعت أحداً يطرق على الباب فقالت”: تفضل الباب مفتوح “. وعند الطرقة الثانية وبدون إحساس قامت هي وفتحت الباب، ولدهشتها رأت الخوري القديس أمامها ووجهه يشع نوراً، فقالت له:” خوري يوسف ” وللحال اختفى.

وقد خدمت شحدا نفسها حتى مماتها.

شفاء أعمى
كان مارون تادروس وهو من سرعل يعمل في زغرتا في بلدة امرأته، ولسبب لم يعرفه الأطباء فَقَدَ بصره، فتعالج في حينها ونذر حالته للقديسين، ولكنه فقد الأمل، وبعد سنتان قرر أن يلجأ إلى قريته ليعيش فيها، فتوافد عليه الأهالي للإطمئنان عليه. فقالت له جارته يعقوبية، لماذا لا تطلب شفاعة الخوري يوسف؟ فأجابها:” كلّ الأطباء والقديسين لم يشفوني “.

نام في تلك الليلة ورأى في الحلم أن كاهناً أتى لعنده وقال له:” لماذا لا تؤمن يا مارون؟ “.

في اليوم التالي عرف من يعقوبية بعدما وصفه لها أنه الخوري يوسف. ذهب في اليوم التالي إلى قبره ترافقه زوجته، وصلّيا معاً أمام الضريح، وأخذت امرأته قليلاً من التراب عن قبره ووضعته في وعاء ماء وغسلت به وجه مارون وصلى من قلبه ونام. وفي اليوم التالي كانت دهشة الجميع بأن مارون استعاد بصره وعاش بقية حياته سعيداً مطمئناً.

شفاء جوزفين يموني
كانت جوزفين يموني بعمر ستة وثلاثون عاماً، وأمّاً لستة أطفال، وهي حفيدة القديس، تشكو من انتفاخ في بطنها منذ زمن بسبب ما يُسمّى بكيس ماء، وكانت كمية الماء تتزايد كلّما بذلها الأطباء وسحبوه منها.

يئست جوزفين من حالتها، وبكت ذات ليلة، وصلّت للخوري يوسف قائلةً له:
” أنت يا جدي شفيتَ الكثيرين، وأنا أطلب منك أن تشفيني، إنما ليس لأجلي بل لأجل أولادي الصغار الذين لا يزالون بحاجة لأمّ “.

نامت في تلك الليلة ورأت جدّها في الحلم، رابتاً على كتفها وقائلاً لها:
” لا تخافي يا ابنتي، انهضي وانتبهي لأولادك “. فنهضت في الحال إذ رأت نفسها قد شُفيت تماماً. وقد دفعت هي ثمن الغرفة لوضع جثمان الخوري يوسف فيها.

شفاء مازن صليبا شحيبر وابنته
هذه الأعجوبة حيّرت الأطباء في كندا، حصلت مع السيد مازن صليبا شحيبر من سكان الزوق ومهاجر إلى كندا حيث كان مازن يشكو من ورم في الرئة، وعجز الأطباء في كندا عن تشخيص المرض أو شفائه أو تخفيف الألم. وحصل ذلك في آذار 2000، وكان الألم يشتد أحياناً بشكل كبير مما يضطره أحياناً إلى دخول المستشفى والمكوث فيه لمدة طويلة تمتد لشهر ونصف. كان مازن يتناول الأدوية المخففة للآلام بشكل دائم. وفي أيار 2002، قدم إلى لبنان وزار المستشفيات طالباً الشفاء، ولكن دون جدوى. وطلب شفاعة كل القديسين من لبنان، والله سبحانه وتعالى أعطاه نعمة الشفاء على يد الخوري يوسف القديس، وحصل ذلك قبل أيام قليلة من تركه لبنان راجعاً الى كندا. أحد أقربائه أخذه إلى عيون أرغش في أعالي الأرز، ومروا بإهدن وسرعل من قبلها، فتعطلت السيارة لسبب لم يفهمه الميكانيكي. وفيما هما ينتظران شاهدا كنيسة سرعل من بعد، وتعجبا لكبر بنائها وهي وسط قرية صغيرة. فأخبرهما الميكانيكي الذي عاين السيارة بأنه يوجد في تلك الكنيسة كاهن قديس. فزارا القرية وأخبرنا مازن بأنه شعر وهو يصلي على قبر القديس بألم شديد كأن شيئاً حاداً يخترق رئتيه.

وعندما سألناه هل صلى لشفائه قال كلا. بل صليت لشفاء ابنتي ترايسي وكان عمرها آنذاك سبع سنوات، وكانت تشكو من مرض القلب منذ الولادة.

وفي المساء اختفى الوجع كلياً وأحسّ بالشفاء، وزار سرعل في زيارة شكر للخوري القديس قبل المغادرة إلى كندا. وعندما راجع طبيبه في كندا وهو الطبيب جون كيموف، وبعد التصوير بالأشعة قال له الطبيب لقد أُجريَت لك عملية جراحية في لبنان لأنه يوجد جرح في الرئة والورم مستأصل. وهناك عدة قطب للجرح، فأخبره مازن للحال بما حصل له، ودهش الطبيب وقال له أنا مسيحي غير مؤمن، أما ما حصل لك فيعتبر أمراً غير عادي من الوجهة الطبية، وكان الطبيب يسمع في أذنيه فيما كان مازن يقص عليه حكايته أصوات أجراس تقرع. ورحمة الله غمرت ابنته ترايسي إذ أنها شفيت هي الأخرى تماماً من مرضها في ذات الوقت.

شفاء نورما طربيه
الآنسة نورما طربيه من تنورين وسكان البترون أتت بزيارة مع جيرانها إلى مزرعة النهر، وهناك تكلموا عن عجائب الخوري يوسف، فقرروا زيارته في الحال.

صلّت أمام جثمانه، ولم يكن باستطاعتها الركوع بسبب مرض ركبتها منذ خمس سنوات. بعد الصلاة أحسّت فجأةً بألم كبير، ثمّ ركعت وشفيت تماماً. وأصبحت من حينها تأتي ومعها مرضى لزيارة ضريحه.

أما الحدث الثاني معها: فهي منذ تسع سنوات تشكو من مرض اللوكيميا وتتعالج منه، وتُجري فحص دم لذلك كلّ شهرين، وكانت نسبة المرض معها 22 بالمئة، وبعد زيارتها للقبر شفيت نهائياً، وقد أعطاها الدكتور الذي كانت تتعالج لديه شهادة بذلك موجودة ضمن أوراقها في أرشيف الأبرشية.

عجائب أخرى
حصلت على يد هذا القديس عجائب أخرى منها شفاء السيدة ريتا زوجة الياس الأشقر من ذوق مكايل التي كانت تشكو من التهاب في عروق يدها، وتمّ شفاؤها في 23 آب 2004.

ليلى سعاده زوجة مخايل مضفّر من عرجس كانت تشكو من مرض الديسك زمن شدّة الألم لم تعد تتمكن من السير أو الحركة. شُفيَت في 29/11/2002. قال لها الخوري يوسف في الحلم :” يا ابنتي، كلّ من يمسح قطعة خبز على قبري بإيمان ويأكل منها يحصل على نعم روحية وجسديّة. وقد قالت ليلى للذين سألوها عن شفائها أنها :” نزلت من الطريق إلى الخوري حملاً، وصعدت كرجاً ” حسب تعبيرها.

أما أمال زوجة يوسف منصور من كرمسده فتمّ شفاؤها هي وابنتها ريتا.

وهناك الكثير من العجائب والكثيرات من النساء العاقرات ممن لم يكن لديهنّ أولاد، وبشفاعة الخوري يوسف صارت عيالهم كبيرة.

هذا ما جاء في التقرير المرسل للمطرانية عن عجائب هذا الكاهن البار.

من أرشيف الأبرشية
في أرشيف أبرشية طرابلس المارونية المحفوظ في دير مار يعقوب كرمسدّه المقرّ الأسقفي، رسائل كثيرة صادرة عن هذا الكاهن وبخطّ يده إلى أساقفة الأبرشية، تعرض مشاكل وقضايا بين الناس مثل سائر كهنة الرعايا. أما هو فكان مكلّفاً في واجبات تُطلَب منه خارج رعيته.

في أول كانون الثاني سنة 1901، طلب منه المطران اسطفان عواد الذهاب إلى قرية عربة قزحيا ” لأن هناك امرأة مريضة جداً، ومستلزم حضوركم عندها حال وصول الرسالة لكم، فاسمعوا اعترافها، واقضوا لها لوازمها الخلاصية، وخذوا معكم وعاء الميرون ولا تتأخروا عن التوجه إليها وهذا كافٍ، ونكرر البركة لحضرتكم، وخذوا معكم المشحة الأخيرة “.

تقرير المحكمة الروحية في طرابلس
في السادس والعشرين من ايار سنة 1950، أرسل البطريرك أنطون عريضة إلى المطران أنطون عبد الرسالة التالية:
” أيها الأخ السامي الإحترام.

عرض لنا حفيد المرحوم الخوري يوسف أبي مارون من قرية سرعل أنّ جده هذا توفي برائحة القداسة، وجثمانه محفوظ، وأنه يقترح العجائب. لذلك نرى أن تؤلفوا لجنة فحص للتثبت من هذه الحوادث “.

بعد هذه الرسالة، عيّن المطران عبد هيئة محكمة مؤلفة من الخوري أنطون دهمان رئيس الديوان حينذاك رئيساً ومحققاً، والخوري حنا توماجان محامٍ عن الإيمان، والخوري يوحنا جلوان مسجلاً. وبعد أن حلفوا اليمين القانونية بين يدي سيادته للقيام بمهمتهم، وهي الذهاب إلى سرعل والتحقق من كلّ ما جاء على ألسنة الناس عن حياة هذا الكاهن ورؤية جثمانه وكلّ ما يمت لهذا الأمر بصلة.

توجه هؤلاء إلى سرعل، ناقلين المحكمة المذكورة إليها يوم عيد رهبان مار مارون في 31 تموز سنة 1950. ويما أن الأشغال في الكنيسة حالت دون إجراء التحقيق فيها، إختارت المحكمة قاعة من قاعات المدرسة المتلاصقة للكنيسة. وعند الساعة الثالثة بعد الظهر قامت بزيارة القبر والبيت حيث عاش وتوفي الخوري يوسف المذكور.

بعدها عقدت جلسة في قاعة المدرسة، واستدعت الطالب المستدعي بطرس إبن الخوري يوسف، وبعد تحليفه اليمين القانونية راكعاً ويده على الإنجيل، وإفهامه أهمية الحَلَف، طُرِحَتْ عليه أسئلة جاء جوابها كالتالي:

شهادة إبنه بطرس
” إسمي بطرس إبن الخوري يوسف أبي مارون. أمّي ساره إبنة جبور عبد الله، عمري 72 سنة، ماروني، أقرأ وأكتب، أُتمّم واجباتي الدينية.

عشت مع والدي حتى عمر 26 سنة، بعدها سافرتُ إلى المكسيك ثلاث سنوات، عدتً بعدها للبنان. ثمّ سافرتُ أيضاً سنة 1925، فتوفي أبي بغيابي ولم أحضر دفنه.

كان والدي مثال الصبر. مثلاً بينما كان آتياً إلى الكنيسة لإقامة الذبيحة الإلهية، وفي مروره أمام أحد البيوت، رمت صاحبة البيت عليه مياه كانت غسلت به ثياباً، فوقعت كلها عليه. عاد إلى البيت دون أي كلمة، وبدّل ثيابه وبعودته وقف أمام البيت ودعى المرأة قائلاً لها بكلّ هدوء:

” يا ابنتي طلّي، عندما تريدين أن تكبّي شيئاً، أنظري أولاً، فأنا احتملتُ أما غيري فقد لا يحتمل “. وأكمل طريقه.

كان والدي يصبر على سلوك والدتي التي كانت ذات طباعٍ حادّة وعصبية جداً، ونارية في بعض الأحيان.

كان حنوناً عطوفاً على المحتاجين والفقراء يوزع عليهم حسنات. منها مرّة بينما كان يتلو فرضه وهو جالس على السطح، مرّ به الخوري مخايل الشدراوي، والظاهر أنه كان بحاجة، فمدّ يده على جيب والدي، وأخذ كيس المصاري، ففتحه وأخذ منه حاجته، وأبي بقي متابعاً الصلاة. لم يكلّمه ولم يسأله ماذا أخذت؟ وكم؟ لأن والدي عند الصلاة لا يُكلّم أحداً مهما كان.

في إحدى المرات، نظّم عدة أشخاص من أهالي القرية عريضة قدح وذمّ به، وذلك بغيّة تغييره من الرعية لصالح كاهن آخر، فاستُدعي إلى الكرسي البطريركي في الديمان. وهناك قابله المطران عبد الله الخوري النائب البطريركي وسأله عن الأشخاص الواردة أسماءَهم في عريضة الطعن، فشهد لهم بالإستقامة والصدق. حينئذٍ أراه العريضة ومع ذلك بقي على شهادته بهم.

كان متعبداً لمريم العذراء ولقلب يسوع. وكان كلّ حياته يتلو لنا في البيت صلاة قلب يسوع وهو راكع.

رؤى

أخبرنا أنه رأى رؤيا، تجلّت له السماء وظهرت له مظاهر مدهشة، وقد روى ذلك لغبطة البطريرك بولس مسعد، وقد شاهد في السماء إبن عمه أنطونيوس سعد الذي عاش ومات عازباً، وكان معروفاً بفضيلته، ولمّا سأله كيف دخل إلى هنا أجابه:

” من هذا الباب الضيق ” ( مشيراً إليه ) وهو باب مريم العذراء.

أكثر ما أثّر فيَّ محبته للقريب، عطفه وصبره. ولم أجد فيه شيئاً ملوماً، وأذكر بنوع خاص محبته للسلام والوفاق بين أبناء القرية.

كان عندي مستندات خطية قدمتها لهذه المحكمة وهي:
دفتر قداساته وبعض أوراق حسابات ضمت إلى ملف الدعوى وعددها ثمانية. كما إني أسلمكم هذا الدفتر التي تسجّلت فيه بعض أشفية حصلت بشفاعته.

شهادة سعيدة عبد الله

أما السيدة سعيدة إبنة سركيس عبد الله من سرعل زوجة الياس يوسف البدوي من عربة قزحيا فقد صرحت بما يلي:

” كنت أعرف جيداً الخوري يوسف وهو إبن عمّ أبي، وعشتُ أعرفه حتى مماته. كان مشهوراً بصبره وتقواه وفضيلته، وديعاً، لطيفاً، محباً للجميع، رحوماً يعمل الإحسان. كان متزوجاً وله ولد وإبنتان لا يزالون في سرعل. قداسه مرتّب وهادىء.

من سنة ونصف كنت في فنزويلاّ. مرِضَتْ جميلة إبنة مجيد يمين من إهدن وكان عمرها نحو خمس أو ست سنوات بدور خبيث، وأصبحت كأنها ميتة، فحملتها بين ذراعيّ ونبّهت أفكار والدتها إلى وجود قديس عندنا في سرعل. فقالت لي: ” أنذري له ما تريدين، فنذرت عشر فرنكات أي ما يُضاهي عشر ليرات لبنانية، ففي الحال بدأت تميل للتحسّن وفتحت عينيها ومالت إلى الصحة ثمّ شفيت تماماً”.

إن الناس تُضيء الشموع على قبره منذ زمن طويل ويطلبون شفاعته. وجميع الناس هنا يعتبرونه ويسمونه ” القديس “.

شهادة أنطونيوس فرح

كان عمر هذا الرجل 77 سنة وهو من سرعل، وجاء في شهادته:

” أعرف هذا الكاهن قبل وفاته، وقد حضرتُ دفنته سنة 1929. كان بحياته معذّباً كثيراً بسبب مقاتلة ولده بطرس مع زوجته كنة الخوري يوسف. أما أخوه قسطنطين فكان يهينه كثيراً ويتفل عليه حتى في الكنيسة أمام الناس وهو يقول له : ” الله يغفر لك “.

كان أخوه قسطنطين أيضاً يدعو أخاه : ” يا صبي تعا لهون “. والخوري ما كان يجاوبه إلاّ بالمسامحة.

كان معذّباً مع خوريته التي كانت تتهمه بحبّ غيرها، وكان صابراً على اتهاماتها الزورية، لأن الضيعة كلها كانت تعرفه، محفوظ الآداب، راضياً جميع الأهالي في خدمته الرعية.

إن الفضيلة التي اشتهر بها هي فضيلة الصبر، وبمحبته وإحسانه على المرضى والفقراء، لأنه كان يحكّم عربي، ووالده كان أيضاً طبيباً شهيراً بهذا النوع من الطب.

يُعزَى إليه عجائب كثيرة، إنما أذكر لكم حادثاً معي أنا، فقد شفاني من مرض الكبد بفضل الصلاة اليومية التي أكرّسها له.

قبل وفاته مرض بالفالج وكنت أعوده، فكان صابراً على مرضه الذي لم يطل كثيراً. كان موته هادياً، ولم يكن حاضراً وفاته طبيب.

إن الخوري يوسف هو موضوع عبادة خصوصية في القرية ويسمونه القديس. وحيث هو موجود الآن في بيت من الزجاج نذره رجل من طرابلس لأنه شفى له أحد أفراد عائلته “.

شهادة بولس مخايل سليمان

كان عمر هذا الرجل 49 سنة من سرعل وقد جاء في شهادته:

” عرفت الخوري يوسف حتى سنة 1928، أي سنة قبل وفاته لأني سافرتُ إلى المهجر، إنما أنا أعرفه جيّداً لأنه كان خادم هذه الرعية.

كان مشهوراً بالتقوى وعفة اللسان، وكان بكلّ أعماله طيّب السيرة، ولم يكن في القرية أحزاب على أيامه. كان يتحمّل تقريفات عائلته بصبر وتسامح.

كان يؤثّر في الناس بحنانه وأعماله الطيبة، وكان يكرز على الناس بلطفه وبشاشته، ويعيد بذلك السلام إلى قلوب الجميع. كان فاضلاً، وما كان أحد يقدر أن يشكك في سلوكه بشيء، إذ كان في حياته مشتهراً بهذه الفضائل.

أنا رب عائلة مؤلفة من عشرة أنفس، وقد كنت مرة متضايقاً جداً، وأنا متعبد له عبادة خاصة، وقد أتاني مرّة في الحلم فقلت له : ” حط يدك بيدي حتى أقبلها، إنما أنا رجل خاطىء لا أستحق ذلك “، فأجابني : ” أنا لا أقدر أن أحطّ يدي بيد رجل خاطىء ولكن سأفرجك “. وبالفعل ففي نفس الأسبوع أتاني من أهلي المهاجرين مساعدة نحو سبعمئة ليرة لبنانية.

من عجائبه أن وردان سليمان من مزرعة النهر دخل عليه بعد وفاته وظهور جثمانه سالماً من الفساد، وقبض على الجثمان بغية اختبار قداسته، فما وصا إلى بيته حتى يبست يداه وبقي ثلاثة أشهر بمعالجة الأطباء دون فائدة. وقد صرّح أنه تراءى له في الحلم وقال له : ” تب عن ذنبك فتشفى “. فتاب وشُفي.

شهادة شهدا زوجة وديع رشوان

كان عمر هذه الإمرأة 45 سنة. وقد كررت ما قيل سابقاً عن فضائل هذا الكاهن ومحبته ووداعته وتجرّده، ولكنها أضافت:

” في إحدى المرات أتى إلى القرية مجلّخ من بقاعكفرا جلّخ لنا سيخ، وبهذه المناسبة أخبرني أن المرحوم تراءى له في الحلم ونكزه بجنبه المريض وقال له:

” أنا الخوري يوسف العين من سرعل وسأشفيك بشرط أن تنقطع عن وضع أسباب النزاع بين المرأة والرجل اللذين خلفتهما مع بعضهما “. وبالفعل تمّ ذلك وقد شفي هذا الرجل وقد جاء يزور المرحوم ويشكره على شفائه له.

أما أنا فأصبتُ بداء المفاصل وقد أقعدني هذا المرض تماماً، وكان لي عبادة خاصة للمرحوم الخوري يوسف، الذي كنت دائماً أقول له : ” يا خوري يوسف شفيت إبن بقاعكفرا ومانك عن تحنّ عليّ “.

فيوماً ما جاءني نهاراً وقد ميزته آتياً كما هو في القبر لابساً بدلته وكلساته السود، دخل عليّ وكانت الساعة الثامنة صباحاً وأنا في الفراش واعية تماماً، فوصل إليّ وقال لي : ” شو بِكِ نايمة “، فأجبته وأنا مذعورة : ” يا حسرتي ألا تعرف ما بي. لي ثلاثة أشهر نايمة، تعذّبت ورحت على بقاعكفرا وأنا هون بقربك وما بتشفيني”. فضربني بيده على رجلي التي توجعني من فوق اللحاف ثلاث ضربات وقال لي:

” قومي صحيتي حاج تتغنجي “. وبالفعل تماثَلتُ للشفاء شيئاً فشيئاً حتى شفيت تماماً، ولم أتعالج عند طبيب ولا استعملت أدوية ومعالجات أبداً.

لا أطلب منه طلب إلاّ يلبيني عليه. حضر عليّ ليلاً وأنا واعية، فقلت له:

” طلبتُ منك حتى لا تخلي إبني يتزوج البنت التي تزوجها لأنها ليست على خاطري، فما أجبت طلبي بخلاف عاداتك، فأنا بطلت أصلي لك “.

فقال لي : ” أنصتي، أعطينا ابنك صبي ” وكنت أنا قد طلبت ولداً لإبني الذي لم يكن له أولاد، وبالفعل رزقه صبياً.
لم أكن حاضرة ساعة موته، لكنني حضرت دفنته. فهو موضوع إكرام خاص في القرية والجوار، وتضاء الشموع على قبره، وصورته في كلّ البيوت “.

هذا ما جاء في المقابلات التي تمت من قِبَل المحكمة الروحية التي انعقدت في سرعل كما ذكرنا.

قراءاته التأملية

في منزله وبين أغراضه، وُجِدَتْ ورقة مكتوبة بخط يد ومأخوذة من كتاب تأملات قديم. قسم منها متلوف، أما الباقي فهو يلقي الضوء على نمط قراءاته. وهي كناية عن تأمّل في فضيلة التواضع، وهذا بعض ما جاء فيها:

” فيا مسيحي تشبّه وانظر إلى سيدك ابن الله الذي اتّضع واهتمّ معتنياً بك، كي تقتني أنت الإتضاع الذي به ترضي الله، لأن من يقتني فضيلة التواضع يكون مسيحياً حقيقياً، ومن يقع في الكبرياء يكون مسكناً للشيطان وابناً أسيراً له.

من يحب الإتضاع تسهل عليه محبة الله، أما ابن الكبرياء فهو يبغض الله.

الكبرياء جعل قربان قايين مرزولاً. والإتضاع نقل أحنوخ إلى العلى حياً ولم يذق الموت.

الإتضاع نجى نوح من الطوفان، وجعل ملكيصادق حبر الله العالي.

الإتضاع جعل ابراهيم خليل الله، وصار أول المتكئين في ملكوته.

الإتضاع نجّى اسحق من القتل، وأورث يعقوب البركات، ومن الكبرياء رُذِلَ عيسو.

الإتضاع منح يوسف الملك، وهارون الكهنوت، ويشوع بن نون التقدم على الشعب.

الإتضاع أعطى داوود النبي الملك على إسرائيل، والظفر لجدعون، والجبروت والخلاص لحزقيا.

الإتضاع رقى ايليا إلى العلى، ومنح اليشاع روح النبوّة “.

هذا بعض ما جاء في هذه الورقة.

النص جمعه ونسّقه الخوري فريد حبقوق
المصدر:
نورسات – صفحة الإعلامي شربل زوين