– التأليف داخلي أما العرقلة فخارجية (حبيب البستاني)
***
يستمر مسلسل تأليف الحكومة في لبنان والتوقعات المرافقة له بجذب ليس فقط اللبنانين كل اللبنانيين إنما أيضا كل متابعي السياسة في مختلف أنحاء المنطقة، ولا عجب في ذلك فما يجري في الإقليم يؤثر على الوضع في الداخل، وما يجري في الداخل يشكل انعكاساً لميزان القوى في الإقليم. فهل بات الخارج يشكل حكومة لبنان؟ وإلى أي حد يخضع الوضع الداخلي اللبناني لإملاءات الخارج، إن لم نقل إبتزاز الخارج؟
أسئلة قد يجيب عنها البعض بجملة واحدة كانت تتردد طيلة سنوت الحرب إن لم نقل وحتى ما قبلها : ”القرار اللبناني هو ملك القوى الخارجية، ونحن بانتظار الإستحقاقات الخارجية ليبنى على الشيء مقتضاه”.
بين الحرية والتحرر
لقد خرجت جيوش الإحتلال من لبنان في ٣١ كانون الأول من العام ١٩٤٦ في عهد الرئيس بشاره الخوري وصخور نهر الكلب ولوحته الشهيرة أكبر دليل على ذلك، وبعدها وفي العصر الحديث خرج الإحتلال الإسرائيلي في العام ٢٠٠٠ ليتبعه الخروج السوري في ٢٦ نيسان من العام ٢٠٠٥ نعم لقد تحررت الأرض اللبنانية، طبعا باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وما بين الخط الأزرق والحدود الدولية، إنما هل تحرر اللبنانيون من تأثيرات الخارج وإملاءاته؟
لقد بقي لبنان خاضعا للتأثيرات الخارجية، إن على صعيد السياسة الخارجية وإن على صعيد السياسة الداخلية، وارتبط تشكيل الحكومات وتشكيل اللوائح وانتخاب أو تعيين أو تمديد المجالس النيابية، بالأوامر والتمنيات الصادرة عن هذا الطرف أوذاك من القوى الإقليمية الفاعلة، ربما تغير إسم الدول المؤثرة من الدول الست إلى حلف بغداد، ومن عبد الناصر إلى الحلف الأطلسي، ومن العدو الإسرائيلي إلى دول الممانعة، ومن السوري والسعودي، من أميركي وروسي وما بينهما من أعجمي وأوروبي. كل هذه الدول وغيرها كان لها الباع الطولى في التدخل وفرض إرادتها على الداخل اللبناني.
الرئيس عون والحد الفاصل
لقد جاء انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية في ٣١ تشرين الأول من العام ٢٠١٦ ليشكل العلامة الفارقة بين الإملاءات الخارجية والتحرر اللبناني، بين لبنان الذاهب ولبنان الآتي، بين الممارسات اللاشرعية إلى منطق القانون.
ولعل أبرز تجليات ذلك كان:
أولاً في معركة فجر الجرود والانتصار على الإرهاب، والذي أعاد للدولة والشرعية اللبنانية قرار الحرب والسلم، فهي التي بدأت المعركة بالرغم من اعتراضات الخارج وهي التي وضعت حدا لها بالرغم من تشكيك بعض من في الداخل.
ثانياً فكان في إجراء التعيينات في مرافق الدولة الحيوية من قضائية ودبلوماسية وعسكرية وإدارية.
ثالثاً في إقرار الموازنة العامة التي افتقدها لبنان لأكثر من ١٢ عاماً.
رابعاً في التجلي ألأهم فكان في قف مسلسل التمديد للمجلس النيابي، وإقرار قانون عصري للإنتخابات وإجرائها على أساسه.
تشكيل الحكومة وترجمة نتائج الإنتخابات
مباشرة وبعد صدور نتائج الإنتخابات أصر فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلف على مبدأين أساسيين، أولهما تشكيل حكومة وحدة وطنية وثانيهما احترام نتائج الإنتخابات النيابية، فحكومة الوحدة تعني تمثيل كل الشرائح السياسية وذلك بحسب عدد المقاعد التي نالها.
لقد اعتقد البعض أنه يستطيع أن ينفخ حصته في الوقت الضائع، وأنه يستطيع أن يأخذ ما يشاء سيما وأن العهد في عجلة من أمره لتشكيل حكومة ” هات إيدك والحقني” وأنه يستطيع ابتزاز العهد كون هذا البعض يعتقد أن تشكيل حكومة الوحدة تعني الرضوخ لمطالبه في التمثيل.
فإذا كان صحيحاً أن العهد يريد حكومة البارحة قبل الغد، ولكن حكومة ال “كيف ما كان” لا يمكن أن تلبي طموح الرئيس في الإصلاح والإزدهار ومحاربة الفساد.
وإذ كان صحيحاً أن الناس تريد حكومة وفي أسرع وقت ممكن، ولكن الناس تريد ثمارا من وراء الحكومة، تريد حلولا لا مناكفات سياسية، تريد ماء وكهرباء وسدود وبنى تحتية وفرص عمل، وبالتالي فإذا كانت الحكومة ستلبي هذه الطموحات فأهلاً وسهلاً بها، وكون الحكومة العتيدة ستكون حكومة العهد الأولى فخير لها أن تكون على شاكلة أحلام اللبنانيين وإلا فلا أحد مستعجل لولادتها.
ولا بد للجميع أن يستوعب أنه وفي عهد الرئيس العماد عون، ربما يستطيع الخارج وأزلامه إطالة مخاض الولادة، إنما تشكيل الحكومة سيكون لبنانيا صرفا مئة في المئة.
* كاتب سياسي