– تفاهم معراب وتشكيل الحكومة (حبيب بستاني)
***
منذ اليوم الأول لإعلانه كنا وما زلنا من آوائل الداعمين لتفاهم معراب، الذي شكل في حينه نقطة تحول في العلاقات المسيحية المسيحية، وأعطى جرعة أمل بأن الإختلاف بالرأي بين مكونات المجتمع الواحد يمكن إدارتها سياسياً وهي لا تشكل بالضرورة خلافاً، كما في كل المجتمعات لا سيما تلك التي يجمعها مصير واحد ورؤيا واحدة.
وقد اعتقد بعضهم أن هذا التفاهم يشكل اصطفافاً سياسياً لعزل أفرقاء ولمحاربة أفرقاء آخرين، وهم نسوا أو تناسوا أن تفاهم الثنائي الشيعي متلاً قائم منذ أمد بعيد وذلك بالرغم من التنافس بينهما، ولكنه تنافس بقي ومنذ انتهاء الحروب العبثية تحت السيطرة لقيادة الفريقين. كما إن توحيد الرؤيا لا يعني اصطفافاً ضدّ مكوِّن آخر، وهذا لم يمنع من أن يكون للحركة والحزب حلفاء في هذا المعسكر أو ذاك.
التفاهم سياسي
شكل تفاهم معراب إتفاقاً سياسياً في البداية، وقد ترجم التفاهم آنذاك في انتخاب رئيس للجمهورية وتقاسم المقاعد الوزارية بين التيار والقوات. وقد اعتقد بعضهم أنه بذلك قد أدى قسطه للعلى، وغاب عن باله أن الإتفاق على رئيس وانتخابه ليس الهدف النهائي بحدّ ذاته، إنما إنجاح العهد ورئيسه هو الأساس السياسي ألذي من دونه يبقى الإنتخاب وتوزيع المقاعد مجرد شكليات لا تُغني ولا تثمن.
وهكذا بدأ التباعد يحل شيئاً فشيئاً مكان التفاهم، ففي الوقت الذي كانت فيه القوات تنادي بدعم العهد ورئيسه، بدا وزرائها كرأس حربة في الهجوم على كل المشاريع التي كان الرئيس ووزراء تكتل التغيير والإصلاح يودون تحقيقها لإحداث نقلة نوعية في الممارسة السياسية من جهة، وتأمين الحد الأدنى من حاجات المواطنين من جهة ثانية، وإذا سلّمنا جدلاً أن وزراء التيار لم يكونوا كلهم على نفس المستوى من النجاح، فإن مشاريع الطاقة والمياه على سبيل المثال لا الحصر لو لم يصار إلى عرقلتها تحت شعارات وحجج واهية، كانت ستشكل حلاً لمشكلة يعاني منها اللبنانيون كل اللبنانيين. وكذلك الأمر بالنسبة للقضية المركزية، التي وضعها العهد في مرمى الحل والتي قام معالي الوزير باسيل بكل الخطوات اللازمة في المحافل الدولية لإيجاد الحلول لها، وبالرغم من الانعكاسات السلبية لهذه القضية فإنها لم تلقى الدعم اللازم من وزراء القوات، وذلك لغاية في نفس يعقوب.
فهل موضوع النازحين بحاجة إلى ديوان محاسبة؟
يتضح جلياً ومن دون اللف والدوران أن الدور الذي لعبته القوات في الحكومة الحالية لم يشكل دعماً للعهد، بل محاولة مكشوفة للإنقضاض عليه لا بل إسقاطه، كما حصل جلياً إبان الإستقالة الملتبسة لرئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، حيث وقفت القوات ضد فخامة رئيس الجمهورية، وضد تفاهم كل اللبنانيين على ضرورة احترام الممثلين الأقوياء لطوائفهم.
نتائج الإنتخابات
لقد أعلنت القوات أكثر من مرة على ضرورة احترام نتائج الانتخابات الأخيرة في تشكيل الحكومة، ولكنها وفي الوقت عينه تنادي بأن تتساوى حصتها الوزارية مع حصة التيار، ومن شدة ” دعمها ” لفخامة الرئيس كما تردد دائماً، فهي تنادي بإلغاء حصته الوزارية.
فهل القوات لا تتقن فن الحساب أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
لقد بدأ البعض يتخوف من أن تكون القوات بوضعها العصي في دواليب تشكيل الحكومة، أن تكون رأس حربة لأجندا خارجية للحؤول دون هذا التشكيل نظراً للشروط التعجيزية التي تنادي بها. وإلا فما معنى دعم الرئيس ومحاولة الانقضاض على صلاحياته في تسمية نائب رئيس الحكومة وفي أن يكون له وزراء فيها؟ وما معنى احترام نتائج الانتخابات وما أفرزته من أرقام وعدم القبول بها وبصحة التمثيل؟
إننا نريد أن نصدق أن المراجع الدبلوماسية العربية لا تتدخل في تشكيل الحكومة وعرقلة ولادتها، وذلك تبعاً لما جاء على لسان أكثر من سفير، وإننا رأفة بعقول اللبنانيين ومصالحهم نتمنى لهذه الحكومة ولادة قيصرية إذا تعذرت الولادة الطبيعية.
أما تفاهم معراب فمع تأكيد الجميع بالحرص عليه فإنه بات بحاجة لعناية فائقة وإعادة رَوتشَة لعناوينه السياسية، فالاتفاق أبعد من مجرد لعبة أرقام وتوزيع مقاعد، إنما هو تفاهم سياسي أولاً وأخيراً.
*كاتب سياسي