كتب عماد رزق –
ليل 24 حزيران استهدفت وحدة قوة الردع الصاروخي اليمنية مركز المعلومات في وزارة الدفاع السعودية بصاروخ باليستي بعيد المدى من طراز بركان اتش-2 ، هذا الاستهداف ترافق مع تعتيم اعلامي على مسار المعارك في ميناء الحديدة وحجب للاعلام الحربي من قبل الشركات الاميركية على شبكات التواصل الاجتماعي. ليست المرة الاولى التي يتم فيها استهداف العاصمة السعودية بصواريخ باليستية، لكن المختلف هذه المرة ان الرسالة لم تكن للرياض بل لدولة الامارات العربية المتحدة وتحديداً رسالة لمدينة “دبي” ومرافقها السياحية لان قدرة الصاروخ تجعل من المدن الاماراتية هدفاً سهلاً وربما تكتيك جديد في حرب الموانئ.
وصاروخ بركان اتش-2 اطلق في فترات سابقة، ففي ليل 22 تموز2017 استهدف مصافي تكرير النفط في محافظة “ينبع” التي تعتبر ثاني اكبر منطقة نفطية في المملكة السعودية وكانت المرة الاولى التي تستهدف فيها منطقة نفطية في الجهة الغربية للمملكة.
إن مدى صاروخ بركان اتش-2 يقارب مداه الـ 1500 كلم ورأس الحربي بقدرة “طن ” من المتفجرات، مما يجعل من استخدامه ليل 24 حزيران 2018 رسالة تأكيد ثانية للامارات العربية المتحدة ان المرة الثالثة ستكون موانئ دبي الهدف.
وصاروخ بركان اتش-2 كان استخدم لاستهداف قصر اليمامة، وتسمية الصاروخ “بركان” للمرة الاولى ظهرت عام 2016، هو صاروخ تم تطويره في مصانع اليمن عن النسخة الروسية لصاروخ سكود، وكانت صواريخ منه قد استهدفت مدينة ” الطائف” ومدينة ” جدة” الواقعة في منطقة “مكة المكرمة”. اما نسخة بركان اتش-2 ف فتم استخدامه للمرة الاولى لاستهداف مصافي النفط في “ينبع” والمرة الثانية كانت في 4 تشرين الثاني بحيث استهدف مطار الملك خالد الدولي.
ورغم امتلاك المملكة العربية السعودية لمنظومة دفاع جوي اميركية ” باتريوت” والتي استطاعت اعتراض العديد من الصواريخ غير ان الواضح ورغم تشكيل تحالف عربي ودعم غربي للحرب في اليمن واستمرارها لاكثر من 3 سنوات فإن قدرة “انصار الله” في تطوير وتحديث قدراتهم الصاروخية والقتالية، كما الادارية للازمة ورغم الحصار المفروض على اليمن، تؤكد ان القيادة الحوثية بدأت عملية هيكلة الدولة، بعد التجربة المأساوية للحرب والحصار، وبعد تعثر المفاوضات وتشابك المصالح الدولية والمتغيرات الاقليمية المرتبطة بمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية في العراق ولبنان، وتأمين العاصمة دمشق امنياً والاتجاه لانهاء تواجد المسلحين في مناطق، جنوب دمشق ومناطق دير الزور على الحدود السورية العراقية.
لقد شكل فوز اردوغان في الانتخابات المبكرة التي جرت يوم الاحد 24 حزيران 2018 في تركيا، المزيد من التعقيدات للمشهد في اليمن وسينعكس على استقرار منطقة الخليج بشكل عام. فالاخوان المسلمون في اليمن حلفاء المملكة السعودية، مصر والسودان لا يعترضون بينما الامارات العربية تصنفهم منظمة ارهابية. فالدول الاقليمية الكبرى تعمل للسيطرة على الموانئ وللضغط على حركة التجارة الدولية كما على مصالح الدول الكبرى، والبقاء شركاء لهم في المنطقة وحماية مصالحهم وحركة الملاحة بالتواجد عسكرياً.
ورغم الحصار عليها ورغم استمرار مشاركة قوات سودانية الى جانب القوات السعودية فإن دولة قطر، وقعت اتفاقاً في 26 آذار 2018، لانشاء منطقة تجارية حرة في جزيرة سواكن بالسودان، لتبدأ رحلات السفن من ميناء حمد القطري إلى ميناء سواكن على البحر الاحمر.
هذا الاتفاق هو الثاني، بعد أن أعلنت السودان، في تشرين الثاني 2017، عن إبرام اتفاق مع قطر لإنشاء مدينة بورتسودان، حيث تطمح في أن يكون واحدًا من أكبر موانئ الحاويات على ساحل البحر الأحمر. هذا بخلاف فتح خط للشحن المباشر بين ميناء حمد في قطر وميناء صُحار في سلطنة عُمان، والتي تعمل لتطوير ميناء الدقم، ليصبح محور التجارة في المنطقة، وتتحول السلطنة، وفقًا لاتجاهات عديدة، إلى “سنغافورة جديدة”، تنافس الامارات العربية المتحدة وربما هذه المخاوف تشكل اندفاع الامارات لترتيب جزيرة سوقطرة ومنطقة عدن، واليوم تحاول في ميناء الحديدة.
ولعل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 26 كانون الاول 2017، عن موافقة السودان على وضع جزيرة سواكن تحت الإدارة التركية، لفترة لم يتم تحديدها، بغرض إعادة بنائها، يؤكد صحة التحالف بين دولة قطر وتركيا وتقاطع المصالح مع الجمهورية الاسلامية الايرانية في الصومال واريتريا واليمن.
وكانت تركيا قد حصلت وعبر شركة البيرق، على حق إدارة وتشغيل ميناء مقديشيو من الحكومة الصومالية لمدة عشرين عامًا في ايلول 2014. ولعل افتتاح إيران، في 3 كانون الاول 2017، توسعات في ميناء تشابهار مقابل بحر العرب وسلطنة عمان وبتكلفة مليار دولار، ليكون طريقًا رئيسيًا للنقل إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، سيعزز حضورها الاقتصادي الإقليمي،وهي المقبلة على مرحلة جديدة من العقوبات الأمريكية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 8 ايار 2018.
ومع هذه التقاطعات الدولية، فإن مفاعيل صواريخ “بركان” اليمنية بإتجاه الداخل السعودي تؤكد اننا تخطينا مرحلة ” زلزال” العام 2006 في لبنان خلال حرب تموز مع ” اسرائيل”، والمنطقة من المشرق الى الخليج ستشهد ولادة قوى، تخرج من رحم المعارك لترسم مستقبل الاوطان العربية في آسيا وافريقيا، لان حرب الموانئ بدأت، والحدود الجغرافية اصبحت من الماضي، لننتقل الى عصر التحالفات والتعاون بين المناطق والاقاليم وما التعددية القطبية القادمة الا على الحان “الرعد” والزلزال” و “البركان”.
-رئيس الاستشارية للدراسات-