– سأدافع عن تجربة العيش المشترك والتوازن والاحترام المتبادل بين مكونات الشعب اللبناني..
– سأسعى مع الجميع إلى ولادة حكومة تعكس رغبات الشعب وتوازناته وعازمون على النهوض بالوطن
– كلمة السجل: عَ خطى الآباء والاجداد، نذر السريان انفسهم رغم الصعاب فكانوا رسل القيامة
– البطريرك افرام الثاني: نشد على أياديكم في جعل لبنان مركزاً للحوار الديني ومثالاً للعيش المشترك
***
كلمة الرئيس ميشال عون في حفل تدشين المقر البطريركي الجديد للكنيسة السريانية الارثوذكسية في بلدة العطشانة – بكفيا (22 حزيران 2018)
أيها الحضور الكريم،
يسرني أن أكون حاضراً افتتاح مقر جديد لبطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، لما يحمل هذا الحدث من تشبث بالأرض والجذور، وتثبيت للوجود والهوية، ومن حيث هو ردّ على كل محاولات تفريغ المشرق من بعض مكوناته ورسالة واضحة لمن خطف المطرانين العزيزين يوحنا ابراهيم، إبن هذه الكنيسة، وبولس اليازجي.
إن مسيحيي المشرق ليسوا بطارئين على هذه الأرض ولا هم جاليات غريبة فيها، ولا يمكن أن يسمحوا لأي ظرف أو أي معاناة أن تقتلعهم منها؛ فهم أهلها وناسها. من هنا انطلقت البشارة، على خطى بولس والرسل، من هنا انطلقوا ليتلمذوا جميع الأمم، حاملين رسالة السيد المسيح من المشرق الى الكون.
صحيح أن في التاريخ والحاضر جراحاً كثيرة، ولكن فيهما أيضاً حقبات مجيدة أعطت العالم ثقافة وفكراً وحضارة من أغنى الحضارات.
نعم، لقد سالت الدماء غزيرة على هذه الأرض وقدّم السريان مئات آلاف الشهداء ومثلهم قدم الأرمن ومسيحيو جبل لبنان، فمن المجازر الحميدية أيام السلطان عبد الحميد الثاني بين عامي 1894 و 1896 التي سقط فيها أكثر من ثلاثمئة ألف شهيد، الى المذابح التي جرت خلال الحرب العالمية الأولى وتركت قرابة مليون ونصف مليون شهيد من السريان والأرمن والاشوريين والكلدان والتي أسماها السريان مذابح سيفو، يضاف إليهم شهداء المجاعة في لبنان، وصولاً الى حرب الإرهاب الحالية والمستمرة منذ سنوات في المنطقة، والتي كان فيها المسيحيون ضحية للعنف الطائفي في حملة ممنهجة ومنظمة لاقتلاعهم من أوطانهم ومن جذورهم، وبشكل خاص في العراق وسوريا، بعد أن كانت قد سبقتهم فلسطين، وسط صمت المجتمع الدولي، فاستشهد منهم من استشهد وخطف من خطف وشرّد من شرد. أما معظم من تبقّى فبدأ رحلة البحث عن وطن بديل، وهكذا فرغت مدن وقرى بكاملها من مسيحييها. ولكن، هذا النزف البشري يجب أن يتوقف، والسلطات السياسية والروحية مدعوة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تفريغ الأرض من أهلها، فلا مياه تنساب إذا جف النبع، وأي مشروع يرمي لخلق مجتمعات عنصرية تقوم على الآحادية الدينية أو العرقية هو مشروع حرب لا تنتهي.
إن المشرق هو مهد الفكر الدّيني، أعطى العالم الدّيانات الكونيّة وأوصلها لجميع الشعوب وجميع الأعراق. ولطالما كان نموذجاً للتعددية والتسامح الديني، وقد عاش المشرقيّون تنوعهم واغتنوا به وصار نموذجاً فريداً للتفاعل الثقافي والغنى الروحي والمعرفي، يقتضي منّا جميعاً، وخصوصاً المسيحيين والمسلمين، المحافظة عليه وحمايته في إطار احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق الاختلاف، ورفض التطرف الديني والقتل والتهجير باسم الدين والله.
أيها الحضور الكريم
لقد درجت العادة على إطلاق تسمية أقليات على بعض الطوائف في لبنان ومنها السريان، ونتج عن ذلك حرمانها من بعض حقوقها السياسية كما من بعض الوظائف العامة.
من الخطأ مقاربة الواقع اللبناني من منطلق أقليات وأكثريات، فهذه البلاد منذ فجر التاريخ كانت أرض تلاقٍ لشعوب ومجموعات دينية تهرب من اضطهاد وتبحث عن ملاذ آمن، وكم من أكثرية باتت أقلية وبالعكس؛ في الحقيقة كلنا أقليات، تجمعنا المواطنة والهوية، وكلنا مكوّن أساس من مكونات الشعب اللبناني.
لذلك كان سعيي الدائم منذ كنت رئيس تكتل التغيير والإصلاح لكي يكون للسريان ولسائر المكونات الموضوعة في خانة الأقليات، حضورهم في السلطة وتمثيلهم الحقيقي في مجلس النواب، وسأستمر في هذا المسعى كي لا يبقى أي مكون من مكونات مجتمعنا يشعر بالغبن أو بأن حقوقه في الوطن لا تتساوى مع حقوق سواه.
علمتنا التجارب أن الشعور بالقوة أو بالاستقواء من قبل طرف، أو مذهب، أو حزب في لبنان، يخلق عاجلاً أم آجلاً، عدم توازن واستقرار في الحياة السياسية، لا بل أحياناً اضطرابات أمنية. واضعاً نصب عينيَّ الوقوف، من موقع مسؤوليتي، مدافعاً عن تجربة العيش المشترك والتوازن والاحترام المتبادل بين مكونات هذا الشعب، سأسعى مع الجميع إلى ولادة حكومة تعكس رغبات الشعب اللبناني، وتوازناته، وتوصل صورة مشرقة إلى العالم عن عزمنا الأكيد كمسؤولين سياسيين، على السير قدماً في مشروع النهوض بالوطن، والاصلاح، والشفافية، ومواجهة الفساد والمفسدين.
أيها الحضور الكريم،
“أنت الصخرة يا بطرس وعلى هذه الصخرة أبني بيعتي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”… بهذه الكلمات أعلن السيد المسيح تأسيس الكنيسة، القائمة على صخرة الإيمان، الحاملة رسالةَ المحبّة، المقاوِمة للباطل، المقاتلة من أجل شهادة الحقّ والحقيقة، والمستمرة بالرجاء…
هذه هي مصادر إشعاع المسيحية وسر قوتها وديمومتها، باقترابنا منها ننقل الجبال، وبابتعادنا عنها نُضيّع الطريق.
وإن كنا ونحن تحت التراب نرقد على رجاء القيامة، فلسنا نحن من ستحبطه صعوبات أو ستثني عزيمته عراقيل ومعوقات.
عشتم، عاشت الكنيسة المشرقية، عاش لبنان”.
عظة البطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني
يسعدني جدا ان ارحب بكم جميعا خلال هذا القداس الالهي الذي احتفلنا به بحسب طقس كنيستنا الانطاكية السريانية. وهذه هي المرة الاولى في تاريخنا المسيحي حيث يقوم رؤساء الكنائس الشرقية الارثوذكسية في الشرق الاوسط بالاحتفال بالقداس الالهي معاً. اشكر الهنا الرحوم الذي منحنا هذه البركة العظيمة فاهلنا للاحتفال بهذا القداس الالهي.
كما يطيب لي ان اشكر فخامة رئيس الجمهورية على تكرمه بحضور هذا القداس الالهي ورعايته الكريمة لافتتاح مقرنا البطريركي الجديد. هذا الصرح الذي اعاننا الرب على تشييده من تبرعات المؤمنين ليكون مقراً لكنيستنا هنا في لبنان العزيز الذي احتضن ابناء كنيستنا السريانية الارثوذكسية منذ القرون الاولى وان كنا اليوم نوصف بالاقلية، ولكن لبنان باسمه السرياني الاصيل ليبنون اي قلب الله، سيظل في قلب كل سرياني اينما حل في هذا العالم، تماما كما سوريا الحبيبة التي اعطيناها اسمنا واحتضنت كرسينا الرسولي الانطاكي في انطاكية اولا ثم في اديرة ما بين النهرين وخاصة دير الزعفران في ماردين، الى ان وصل الى ام الزنار في حمص، فدمشق.
لقد انشأنا هذا الصرح الذي يفتتح بعد قليل في هذه الايام العصيبة التي تمر بها بلادنا الحبيبة كرد على من عمل ويعمل على اضعاف وجودنا المسيحي، فسلط علينا الاعمال الارهابية والحروب العبثية التي عصفت ببلادنا فادت الى تهجير العدد الكبير من ابناء كنائسنا وخاصة من العراق العزيز وسوريا الحبيبة موطن ابائنا واجدادنا الذي سكناه منذ بدء التاريخ وفيه اقمنا حضارتنا ومنه صدرنا مدنيتنا.
والتاريخ شاهد على عظمة ابائنا الذين اقاموا المراكز الدينية المشعة بالروحانية المشرقية والمؤسسات العلمية اللامعة في مدن خالدة، امثال انطاكية ونصيبين والرها وقنشرين وغيرها الكثير.
وما زال هذا التراث المشرقي الروحي يدرس في امهات الجامعات العالمية وفي نفس الوقت يغني كنائسنا المشرقية.
ان ما يمر به مشرقنا العزيز لن يثنينا عن عزمنا على مواصلة تقديم الشهادة الحية للمسيح وكذلك تقديم الخدمة الممكنة لابنائنا الروحيين وكذلك لاخوتنا المسلمين الذين نتشارك معهم بمحبة هذه الارض.
ولن نسمح للفتن والمؤامرات اللعينة التي تحاك لهذا المشرق من النيل من وحدتنا الوطنية. فالايادي الاثيمة التي امتدت الى كنائسنا واديرتنا وخطفت كهنتنا، وعلى رأسهم مطرانا حلب العزيزان بولس يازجي ويوحنا ابراهيم ستشل بتأكيدنا على تعزيز اواصر المحبة بين ابناء الوطن الواحد وبقوة ارادتنا على مسح آثار تلك الهمجية غير المسبوقة التي اتت على البشر كما الحجر. فنقول لمن يخطط ولمن يعمل على اقتلاعنا من جذورنا ان ارادة البقاء عندنا هي اقوى من محاولتكم لاقتلاعنا. ايها الاحباء، ليلة البارحة وبمشاركة صاحبي القداسة، كرسنا كنيسة المقر البطريركي الجديد على اسم القديس العظيم مار سويريوس البطريرك الانطاكي الذي ارغم على ترك مقر كرسيه الرسولي، واصبح لاجئا في مصر، حيث قوبل بالترحيب والتقدير من قبل ابناء كنيسة الاسكندرية الشقيقة. واليوم، وبعد الف وخمسمئة عام من ضلال ذخائره المقدسة التي حملها معه صاحب القداسة الباب تواضروس الثاني، يعود هذا القديس العظيم الى كنيسته انطاكية، وبهذا لعلنا نوفيه بعضا من حقه الذي سلب منه بسبب الاضطهادات التي تعرض اليها من جهة والاتهامات التي وجهت اليه جذافاً من جهة اخرى.
فخامة الرئيس،
انه لمن دواعي افتخارنا ان تقوموا انتم بالذات برعاية هذا الحدث الهام اذ انكم تحملون في قلبكم وعلى اكتافكم ومن هذا الوطن العزيز لبنان هموم عموم مسيحيي المشرق حتى قبل انتخابكم رئيساً. ونحن نشدّ على اياديكم وندعم جهودكم في جعل لبنان مركزا للحوار الديني ومثالاً للعيش المشترك. كما نصلي ان يوفقكم الله في تحقيق اهدافكم النبيلة في صون كرامة انساننا المشرقي، وحفظ بلادنا العزيزة لبنان وسوريا والعراق وسائر المشرق.
انني اتقدم بالشكر الجزيل باسمي وباسم اصحاب النيافة مطارنة كنيستنا الاجلاء، للاخين العزيزين قداسة البابا تاوضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وقداسة آرام الاول كاثوليكوس الارمن لبيت كليكيا الكبير مع مطارنتهما الاجلاء الحاضرين لاشتراكهم معنا بالاحتفال بهذا القداس الالهي وبافتتاح مقرنا البطريركي الجديد.
كما اتقدم من اخوتي اصحاب الغبطة مطارنة الكنائس المشرقيين ولفيف المطارنة والاحباء المسؤولين مدنيين وعسكريين بالشكر الجزيل لحضوركم معنا.”
وخلال القداس، رفعت صلاة خاصة على نية المطرانين المخطوفين في سوريا بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم، من اجل عودتهما سالمين. وعلى اثر انتهاء القداس، انتقل الرئيس عون والبطاركة وسائر الحضور الى المبنى الجديد للبطريركية حيث ازاح الستار عن اللوحة التي كتب عليها باللغات السريانية والانكليزية والعربية: ” لمجد لله تعالى، برعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، قداسة البطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني بطريرك انطاكيا وسائر المشرق والرئيس الاعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية في العالم، افتتح هذا المقر البطريركي بمشاركة قداسة البابا تواضروس الثاني بطريرك الاقباط الارثوذكس، وقداسة الكاثوليكوس آرام الاول لبيت كيليكيا للارمن الارثوذكس.
العطشانة- لبنان، في 22 حزيران 2018″.
كلمة في السجل
كما ازاح الرئيس عون الستار عن لوحة ثانية تؤرّخ للمناسبة، وقطع الشريط وسط تصفيق الحضور ودخل الجميع الى المقر الجديد، ودوّن رئيس الجمهورية في السجل الذهبي الآتي:
“على خطى الآباء والاجداد، نذر السريان انفسهم في هذا الشرق، على الرغم من غمار الصعاب واهوال المجازر، لخدمة الحكمة الالهية، فكانوا رسل القيامة، في لبنان وعالم الانتشار.
أنتم حاجة لبنان، وطن الرسالة، إلى الشهادة لحقيقة وجوده.
اليوم، اذ اشارككم، بطاركة واساقفة وآباء واخوة، فرحة تدشين المقر الجديد لبطريركية انطاكيا وسائر المشرق للسريان الارثوذكس في العالم، ارفع دعائي لتواصلوا مسيرة الامانة لرسالتكم.
فعلى اسمها، لكم جميعا تقدير العائلة اللبنانية”.