– كفى صمتاً ! إصرخوا بِ 100 ألف لسان. بسبب السكوت، فسُدَ العالم (كاترينا السينائية)
***
“على المُعضلات المٌتعلّقة بالإيمان
أن تتصدّر بالأهميّة كلّ الأمور الأخرى،
لأنّ الإيمان هو جوهر وأساس الدين المسيحي“
إنّ ما يشهده العالم الكاثوليكي اليوم من فوضى تعليميّة، عقائديّة، وأخلاقيّة، دفع قداسة البابا بولس السادس إلى التصريح بما يلي:
“…هناك اضطرابٌ كبيرٌ في هذا الوقت في العالم وفي الكنيسة، والمسألة المطروحة هي الإيمان. أجد نفسي الآن أردّد الجملة المُبهمة ليسوع في إنجيل القديس لوقا: “عندما يرجع إبن الإنسان، هل سيجد إيماناً على الأرض؟” (لو 18: 8)
علينا أن نعي جذور معضلة “الجحود” هذه، وتطوّر مسيرتها ومقدار خطورتها، آملين أن يساهم هذا في الزود عن الحقيقة، قطعاً للطريق أمام تمادي مسبّبي الشكوك والضلال، رحمةً للنفوس التي تتجاذبها رياح التعاليم المتضاربة والخاطئة فتسبّب لها الضياع و تضعها في خطر “السير على الطريق الواسع والرّحب المؤدي إلى الهلاك” (متى 7: 14)
واه حسرتاه، فليتفطّر قلبكم وروحكم لدى رؤيتكم هكذا مقدار من الإهانات لله !
أواه، كفى صمتاً ! إصرخوا مع مئة ألف لسان. أرى أنه، بسبب السكوت، فسُدَ العالم، وشَحُبَتْ عروسة المسيح، أي الكنيسة“
(القديسة كاترينا السيانية، معلّمة الكنيسة)
***
“ألّا تتصدّى لخطأً يعني أنّك مُوافق عليه،
وألّا تُدافع عن الحقيقة يعني كأنّكَ تحجبها؛
وفي الحقيقة، تجنّب مُعارضة الأشرار – حين باستطاعتنا ذلك –
لا يُشكّل خطيئة أقل حجماً من تشجيعهم”.
(البابا “فيليتشي الثالث”)
***
منذ نشأة الكنيسة، يتصدّى رعاتها الأمناء لهجومات “سيّد هذا العالم” (إبليس) المتعدّدة الأوجه، ضدّ حقيقة تعاليم السيّد المسيح “نور العالم”. فكانوا يدحضونها و يحرموها كتشويهٍ للحقيقة “هرطقة” ؛ فتبقى الكنيسة الكاثوليكيّة، “مُقدَّسة” في تعليمها، أمينة على مستودع الايمان المُوكل إليها والذي لا يتبدّل.
أمّا في القرنين الأخيرين، ومنذ وثيقة البابا بيوس التاسع ”Syllabus Errarum” (٨ ك٢ ١٨٦٤)، بدأت الكنيسة تُحذّر بجديّة كبيرة من خطورة “الأضاليل العصرّية” – في مجال التعليم الأخلاقي والعقائدي – المنتشرة داخل الكنيسة للمرّة الأولى في تاريخها.
واتّخذت هذه المسألة بُعدًا خطيرًا جدًا على عهد البابا القديس “بيوس العاشر”، فحدّد هذه التعاليم بـ”ملتقى جميع البدع والضلالات“؛ ومما قاله في هذا الشأن:
– “يحتقر المبتدعون العصريون التعاليم الكاثوليكية، والآباء القدّيسين، والمجامع المسكونيّة، والقضاء الكنسي. وإذا وبّخناهم على ذلك، أرسلوا الصراخ عالياً بأنّنا ننتهك حريّتهم… إنّهم لأعداء الكنيسة؛ والحقّ يُقال أنّ ليس لها ألدّ منهم أعداء.
– والخطر اليوم هو تقريباً في أحشاء الكنيسة وفي شرايينها… يمزجون في نفوسهم الكثلكة وإنكار الوحي، ويصنعون ذلك بمنتهى الدّقة والحذاقة خادعين العقول غير المُتنبّهة بسهولة كليّة… وما يُساعدهم على الخداع والمكر، هو حياة حافلة بالعمل والنشاط.
– لقد عاملناهم أوّلاً بالحُلم واللّين، شأن الأبناء. ثمّ اعتمدنا القساوة والشدّة؛ وأخيراً لجأنا، مُكرهين كلّ الإكراه، إلى توبيخهم وكبحهم علناً. وإنّكم لا تجهلون، أيّها الإخوة الأعزاء ضياع جهودنا وعقم نتائجها: لقد أحنوا رؤوسهم مدّة، ولكن ليعودوا ويرفعوها بعد قليل بأكثر كبرياء.
– آه، لو كان الأمر يتعلّق بهم وحدهم فقط، لكنّا نُفضِّل السكوت وعدم المبالاة؛ ولكنّه متعلّق بالديانة الكاثوليكيّة وطمأنينتها، إذاً إنّ السكوت والهِدنة أصبحا، من الآن وصاعداً، إثماً لا يُغتفر! حان الأوان لنرفع القناع والتستر عن هؤلاء الناس، ونُعلنهم بحقيقتهم العارية للكنيسة الجامعة قاطبة.”
ولمّا لم يخضع زعماء “الأضاليل العصريّة”، لا بعد مرسوم جمعية “st. office” (اليوم مجمع العقيدة والايمان) “Lamentabili sane” (٣ تموز ١٩٠٧) الذي شجبت فيه ونقضت 55 مادة أو إقتراحاً ضالاً مغلوطاً إنتزعتها من كتب ومقالات أصحاب هذه البدعة، ولا بعد منشور”Pascendi dominici gregis” الحبري (٨ أيلول ١٩٠٧)، أعلن قداسته بمنشور “Praestantia scripturae” (١٨ ت٢ ١٩٠٧) ما يلي: “إذا كان أحد يملك الجرأة الكافية ليدافع عن أي واحد من المبادىء والأفكار والتعاليم المرذولة في إحدى هاتين الرسالتين، يسقط بذات الفعل في عقاب الحرم.”
من أفكارهم الخاطئة التي شجبتها الكنيسة:
– “إنّ ترجمة وشرح الكنيسة للكتب المقدّسة عملٌ جليلٌ لا يُستهان به. لكنّه يظلّ خاضِعاً إلى نقد أدقّ وتمحيصٍ أعمق، وإصلاح الشرّاح والمفسّرين”.
– “في التحاديد التعليميّة، إنّ الكنيسة المتعلّمة (اللاهوتيون) والكنيسة المعلِّمة (السلطة الكنسيّة) تتعاونان، بمعنى أنّ الكنيسة المعلِّمة لا يبقى لها سوى تصديق ما ترتأيه الكنيسة المُتَعلّمة من مذاهب وآراء” (رقم ٦).
– “عندما تشجُب الكنيسة ضلالةً ما، لا تستطيع أن تلزم المؤمنين باتّباعها ومشايعتها عن رضى داخلي، فيما حكمت به…” (رقم ٧).
– “إنّ الوحي الإلهي لا يشمل الكتاب المقدّس بكامله…” (رقم ١١).
– “إنّ الكثير من روايات الإنجيليين لم تكن كلّ أخبارها حقيقة. بل إنّهم قصدوا فيها، ولو كانت كاذبة، إفادة القرّاء فقط” (رقم ١٤).
نلحظُ من خلال هذه البنود الصغيرة قباحة وخطورة هذه الأفكار التي يتابع اللاهوتيون “الجُدد” (كما يلقبّون أنفسهم) إتّباعها اليوم (علنًا أو ضمنًا)؛ وقد أدّت الى انتشار التيارات الشاذة والخطيرة التي طالما حذّر منها كل من الباباوين يوحنا بولس الثاني وبنيدكتس السادس عشر، خاصة “العقلنة” (Rationalisme) و”النسبية” (Relativisme) و”العصرنة” (Modernisme).
وإذ رأينا أنّ حتى بابا قديس ك”بيوس العاشر” لم يتمكن من إيقاف “هذا الفكر الغير كاثوليكي الذي تسرّب الى داخل الكنيسة الكاثوليكية“، نستنتج، مع القديس بولس: “إن سرّ الإثم يعمل الآن عمله” (٢ تسال ٢:٧)، وإن هذا العمل قد وصل اليوم إلى مراحله المُتقدِّمة، (البابا يوحنا بولس الثاني القديس).
“ها هي ذي الكنيسة عروسة الحمل النقيّ، مملوءةٌ مرارة ومرويّة مِن سموم أعدائها الخبثاء؛ لقد وضعوا أيديهم الآثمة على كلّ ما هو أكثر قدسيّة.
فحيث تمّ تشييد كرسيّ الطوباوي بطرس وكرسيّ الحقيقة،
هناك وضعوا عرش رجاسة خرابهم؛ بحيث أنّه، بضربهم الراعي، يستطيعوا تبديد القطيع”
(البابا لاوون الثالث عشر ١٨٧٨ -١٩٠٣)
بعضٌ من أفكارهم ومعتقداتهم
(هكذا نستطيع أن نمّيزهم) !
I- إنّ الخلاص الذي حقّقه يسوع بموته وقيامته هو للجميع. أي إنّ كلّ البشر يخلصون. والخلاص ليس مقرونًا بالكنيسة والأسرار. وكلّ الأديان تتساوى فالله ليس كاثوليكيًّا ومُعقّدًا.
II- إنّ الكنيسة تتطوّر، فما عاشته وفهمته وعلّمته سابقًا، يحتوي على الكثير من الأخطاء. على الكنيسة أن تُجاري روح العصر، وتتنازل عن مبادئها البالية لتُناسِب جميع الحالات والأديان وظروف الأشخاص الجديدة… وتجاري الإختبارت والتطوّرات والإكتشافات العلميّة.
III- إنّ القديسين هم أبناء عصرهم. حالاتهم واختباراتهم هي خاصّة ولا تنطبقُ على روحانية الكنيسة اليوم الجديدة والمتحرّرة.
IV- إنّ الذين يتمسّكون بتعليم الكنيسة والتقليد والمجامع، هم معقّدون رجعيّون متزمّتون. وهم السبب في تأخير تطوّر الكنيسة نحو الأفضل.
V- إنّ تعليم البابوات وتصريحاتهم هي آراء شخصيّة لا نتبنّاها !
VI- وبفكرهم العقلاني يُنكِرون:
1- حقيقة وجود الأرواح الملائكية السماويّة (مار ميخائيل هو رمز، والله نفسه هو من بشّر زكريّا والعذراء مريم والرعاة.. لا الملاك جبرائيل …)
وحقيقة الملائكة الساقطة؛ الشياطين (الذي جرّب يسوع في البريّة هو بشريّته وطبيعته الإنسانيّة، يسوع لم يطرد الشياطين بل كان يشفي أمراضًا نفسيّةً وعقليّةً)
2- حالات المسّ الشيطاني وسلطان التقسيم في الكنيسة وطرد الأرواح الشريرة.
3- معظم الحقائق الأبديّة: كجهنّم الأبدّية وعذاباتها، والمطهر وضرورة الصلاة لأنفس الموتى المؤمنين …
VII- الكتاب المقدّس هو روحيٌّ محض، مُعظمه رمزيٌّ ومملوءٌ بالخُرافات والعِبر لا أكثر. (خاصّةً العهد القديم؛ آدم وحواء ونوح وموسى، سادوم وعامورة …)
VIII- ليس هناك من شرٍّ مطلق ولا خيرٍ مطلق. فكلٌّ يرى الخير والشرّ مِن منظاره الخاص.
IX- إنّ يسوع المسيح لم يعطِ نبوءةً في كلامه، فهو لا يعرفُ الساعة على حدّ قوله. (فلا علامات أزمنة، ولا نبوءات قديسين، والعالم هو هو منذ نشأته …)
كل ذلك مُبهمٌ لا يعرفه إلّا الآب السماوي، والمسيح لا يُريدنا أن نهتمّ به.
X- إنّ الخطيئة هي ضعفٌ بشريٌّ لا دواء له. علينا أن نقبله، ونُلبّي احتياجات الطبيعة البشريّة.
XI– إنّ الله لا يجازي على الشّر، فهو رحمة فقط. فلا داعي لتوبة الخاطئ، إذ قد مات عنّا وليس هناك من دينونة. ومن ينبّه الخاطئ عن الخطيئة هو ديّانٌ. لا يجب أن نتكلّم على الخطيئة كي لا ندين أحدًا.
XII– يسوع المسيح قد مات وقام، فصِرنا أبناء القيامة. فلا حاجة للأصوام والإماتات، بل هي خطأٌ. وخطيئةٌ ضدّ الجسد والإنسان !
XIII- لمَ كثرة السبحات والصلوات التقويّة والتساعيّات والتعبّد للقديسين والملائكة ؟ فهي لأصحاب العقول الضعيفة. مرّة واحدة أبانا وسلام من القلب كافية. فالعلاقة مع الرّب تُبنَى بقراءة الإنجيل وهذا يكفي.
XIV- يحتقرون كلّ مظاهر التقوى الخارجيّة (إذ هي لا تصدر عن روح إيمان بل عن سذاجة وقلّة ثقافة وفَهم) وهي:
– السجود في الكنائس للقربان وللمناولة، السجود أمام التماثيل والأيقونات والتبرّك منها وتقبيلها، والتبريك من ذخائر القديسين، إرتداء السبحات والصلبان، والثوب الكهنوتي للكاهن …
XV- والخطورة الكبيرة التي تكمُن في سمومهم، هي إبعاد الناس عن إكرام القديسين والتمثّل بهم، وبالأخصّ إبعادهم عن التعبّد للعذراء مريم الكليّة القداسة (وجميع العبادات المتعلّقة بها: التكرس لقلب مريم الطاهر، الورديّة، ثوب الكرمل، الأيقونة العجائبيّة …) بأسلوبٍ ديبلوماسيٍ حذِقٌ وشيطانيٌ. داعينَ الناس الى الترّيث وعدم المُغالاة في التبشير عن القديسين وعن العذراء، كما في محبّتهم والصّلاة من أجلهم. قائلين: “صلّي مع القديس لا للقديس، فأنتَ أيضًا قديس !!” خوفًا من أن تُضيّع الهدف؛ يسوع المسيح.
ولكأنّ العذراء أو القديسين يُبعدوننا عن يسوع كلّما صلّينا لهم أكثر، وكأنّنا لا نصلّي ليسوع عندما أصلّي لهم ومعهم ومن خلالهم وبهم !
XVI- ينتقدون ظهورات العذراء المثبّتة كنسيًا، وكلّ من يتبّعها ويخبر عنها وينشرها.
XVII – يمدَحون البروتستانت (كتيّار لا كأشخاص) ويرفضون الإساءة الى هذه البدعة، داعين إيّاهم: “كنيسة”. شاجِبين كلّ مَن يُسيء الى “الإخوة” ويجرحُ المحبّة.
XVIII- أمّا في عِظاتهم فهُم:
1– يتأمّلون ببعض الأفكار العاطفيّة الخفيفة ولا يَعظون! مِحور حديثهم هو التأمّل بكلمة الله؛ هامِلين الدعوة الى التوبة وقبول الأسرار (خاصةً الإعتراف وأهميّة التناول) ولا تعليم الكنيسة والمجامع والقديسين… فيستشهدون بالفلاسفة وعلماء نفس وغيرهم.
2– ولذلك يشكّكون بالعديد من عقائد الكنيسة وينكرون ما لا يوافق عقلهم:
(الحبل بلا دنس، الإنتقال، البتولية الدائمة، الحضور الحقيقي ليسوع في القربان، الملائكة وغيرها ممّا ذكرناه سابقًا)
وبهذا، فمن الصعب أن نميّزهم عن البروتستانت ! إذ إنّ الكنيسة الجديدة المزيّفة: المُعَصرنة، هي بروتستانتنيّة بالمضمون والظاهر !
المصدر: قلب مريم المتألم الطاهر